أفرزت الأزمة السورية واقعين سياسيين عسكريين متشابهين في نقاط كثيرة، وبرز خلالها تشابه ظاهر وعجيب بين المشروع الداعشي وبين المشروع الميليشيوي القومي الكردي التابع لحزب العمال الكردستاني.
خُلقت جذور كلا التنظيمين خارج الأراضي السورية، وتميزا بتناقض فاقع مابين الممارسات وبين المثاليات المعلنة، وتبنيّا جغرافية هلامية مطاطية توسعية عابرة للحدود، واستراتيجية إنتهازية، وكلاهما عادى الثورة السورية والثوار، ونسقا مع نظام الأسد، كما استجلبا الدول الخارجية.
فتنظيم داعش له عمق في العراق الذي بدأ فيه وانطلق منه إلى سوريا، والتنظيم الكردي بدأ أساسا في تركيا ونقله أوجلان إلى سوريا وطوره بمساعدة نظام الأسد وإيران وهو لايخفي طموحاته بالتوسع مستقبلاً في تركيا.
الدواعش والميليشيات الكردية توسعوا في كل الإتجاهات التي سمحت لهم قواهم العسكرية والدول بالذهاب إليها، ضاربين بعرض الحائط كل المبادئ الأخلاقية والقانونية وأعراف العيش المشترك.
أما الميزة الثانية المشتركة فهي التناقض الهائل ما بين الممارسات وبين المثاليات التي يدعيها التنظيمان؛ فداعش التي حملت في سبيل تحقيق مشروعها لإقامة دولة الشريعة والخلافة شعار الإسلام خالفته في أساسياته التي في النصوص والتي تعارف عليها المسلمون، مثل تحريم القتل والتعسف والظلم. أما الميليشيات الكردية التي تطالب بحقوق الإنسان والمساواة وتدعي حمل الحقوق القومية والثقافية قامت بممارسات تنتهك حقوق الإنسان مع القوميات الأخرى واحتلت أراضٍ لم تكن يوماً كردية، ومارست القتل الجماعي والسجن والتعذيب والتمييز العنصري الذي كانت تدعي محاربته وأنه سبب وجودها، وقمعت كل رأي كردي مخالف، ومن المؤكد أنه مثلما أساءت داعش للإسلام فقد أساءت الميليشيات لقضايا أكراد سوريا.
وقد استطاع كلا التنظيمان إحراج جزء من الذين يدعيان تمثيلهما؛ ففي البداية تردد كثير من المسلمين والإسلاميين في محاربة داعش بسبب مارفعه من شعارات براقة، مثلما تردد كثير من الأكراد في معاداة هذه الميليشيات بسبب الشعارات التي رفعتها والتي خدعت الكثيرين.
التنظيمان ومثل كل الإيديوليجيات الشمولية يضحيان بكل المبادئ باسم القضايا الكبيرة. وقد تميز التنظيمان بسياسة إنتهازية استغلت بدايةً انطلاقة ثورة الحرية في سوريا، ثم امتدت للتنغيم مع النظام عن طريق التفاهمات والتعاون الإقتصادي وعن طريق الانسحابات المشبوهة والتسليم العلني أحياناً. كل هذا في إطار عداء صلبي للثوار السوريين وللجيش الحر وتفضيل النظام عليهم. ولهذا الهدف قام التنظيمان بحملات افتراء تخوينية وأحياناً عنصرية ضد الجيش الحر وضد كل قوى المعارضة السورية العسكرية والسياسية لتبرير عدائها ومحاربتها ولإثبات أنهما بديل شرعي عنها.
هل هناك من داعٍ للتذكير بنقطة خدمة الإثنين لمشاريع الدول الأجنبية بشكل لا يقبل الجدل؟ فتنظيم داعش كان المبرر الأكيد لدخول أميركا إلى سوريا من أجل مصالحها المعلنة وغير المعلنة، وبشكل أو بآخر عملت الميليشيات الكردية المذكورة على دخول الأمريكان، وكانت أطماعها وشراهتها وغرورها سبباً مباشراً لدخول القوات التركية التي شعرت بتفاقم الخطر على أمنها القومي ووحدتها.
داعش وحزب العمال الكردستاني هما حركتان فاشيتان انتهازيتان أنانيتان تتشابهان بشكل جعلهما أعداءاً لثورة الحرية ومحرقةً للشباب والأوطان والأحلام.
Sorry Comments are closed