على الرغم من توقيع الرئيس الأمريكي ترامب على قرار نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس هو قرار منفرد، خاص بالولايات المتحدة ولا ينسحب إلى غيرها من الدول، إلا أنه لا يخلو من الخطورة، نظراً لأن الولايات المتحدة كأقوى دولة في العالم، تملك من وسائل الضغط ماتملك لتمارسه على الكثير من دول العالم باتجاه الحذو حذوها في هذا الشأن.
ولا نقدم جديداً حين القول، أن هذا القرار تم اتخاذه منذ أكثر، من عشرين عاماً، وأقره الكونغرس الأمريكي، إلا أنه بقي طيّ الأدراج على مرّ سنوات حكم الرؤوساء المتعاقدين، دون أن يجرؤ أحدهم على التوقيع عليه، إلى أن جاء ترامب إلى البيت الأبيض، فوقع عليه تنفيذاً لوعود انتخابية قادته إلى سدّة الرئاسة، مستفيداً من عاملين هامين هما: الإنقسام الفلسطيني، والتهلهل والتشرذم العربي.
وبالرغم من قتامةِ الواقع الفلسطيني والعربي والاسلامي وتفككه لدرجة لم يشهدها التاريخ من قبل، فإنه مازال بحوزتهم ما يفعلوه لمواجهة قرار ترامب المشؤوم، لأنه، وكما يظهر من معطيات الواقع والأحدات، أن إدارة ترامب عازمة على المضي في قرارها حتى النهاية بالتنفيذ الفعلي له على أرض الواقع.
فعلى الصعيد الفلسطيني ،إن المطلوب منه هو السقف الأعلى على مستوى الشارع والقيادات، وربما يأتي في الدرجة الأولى أهميةً هو إنجازٌ سريعٌ ودائمٌ للمصالحة الوطنية، التي تعثرت طيلة السنوات الماضية، والتي طال انتظارها، وبالتالي نسف كل مسببات ومعالم الشقاق بين الطرفين، والتي شكّلت كابحاً أساسياً في مسيرة النضال الفلسطيني، وبالتالي كان ثغرة واسعة استغلها ترامب لدى توقيعه على قراره المشؤوم.
فبتوحيد الصف القيادي الفلسطيني سيلتفّ الشارع حوله مشكلاً قوةً موحدة ًودفعاً نحو الانسحاب من اتفاقية التنسيق والتعاون الأمني الموقعة، بين السلطة الفلسطينية وبين الكيان الصهيوني، تلك الاتفاقية المشوبة بالعار والذل للسلطة الفلسطينية، والتي تقضّ مضجع الفلسطينيين في الداخل، وتُظهر السلطة كشرطيّ على الشعب الفلسطيني يعمل لصالح الكيان الصهيوني ويأتمر بأمره.
وأما على الصعيد العربي، فيتجلى ذلك بالقيام بعقد قمة عربية طارئة، تُوحّدُ فيها الجهود والتصورات بهدف الخروج بموقف عربي موحد جامع بالانسحاب من جميع الاتفاقيات المعقودة بين الكيان الصهيوني وبين الدول التي يربطها به اتفاقيات، وكذلك سحب سفاراتها لديه.
وعلى الصعيد الإسلامي والعالمي، فيُلقى على عاتق الدول الإسلامية مسؤولية هامة، نظراً لكون القدس تحتوي على مقدسات دينية إسلامية عدة، فيقع على عاتق هذه الدول عقد جلسة طارئة لدول مجلس التعاون الاسلامي (المؤتمر الاسلامي) يتم فيها اتخاد قرارٍ موحد، برفض قرار ترامب، والتأكيد على عروبة القدس، وتشكيل لجنة دولية مشتركة من دول الجامعة العربية ودول منظمة التعاون الإسلامي مفوّضة بالقبام بزيارات دولية، ربما يكون من أهمها زيارة بابا الفاتيكان لنيل تأييده في مسعاهم، نطراً لما يتمتع به البابا من سلطة معنوية روحية لدى العالم المسيحي والعالم بشكل عام، بحسبانِ أن الكثير من المقدسات المسيحية قائمة على التراب المقدسي.
ويكون أيضاً من مهام هذه اللجنة، رفعُ شكوى إلى منظمة الأمم المتحدة، وطلب دعوة الجمعية العامة للانعقاد للتصويت على عدم قانونية قرار ترامب ومخالفته للقرارات المتواترة للأمم المتحدة وخصوصاً القرار 242، وتوصية الدول الأعضاء بعدم مسايرة القرار الأمريكي الجائر، لما يشكله من تغيير واقع قائم منذ مئات السنين، ومن تهدبد للأمن والسلم في المنطقة والعالم، ولعملية السلام ببن الجانبين الفلسطيني والصهيوني.
إن ّكلّ تلك الخطوات والجهود والاجراءات والمواقف مع استمرار حالة الرفض العارم للشارع الفلسطيني والعربي والاسلامي للقرار الأمريكي، ستولّد ضغطاً هاماً ومؤثراً على الولايات المتحدة باتجاه التراجع عن قرارها المشؤوم، ذلك أن أمريكا يعنيها بالنهاية، وبلغة المصلحة ألا تخسر كثيراً من أصدقائها في الشرق الأوسط.
ويبدو لي من نافلة القولِ ،أنّ تلك الخطوات والاجراءات والمواقف المذكورة الملقاة على عاتق المجموعة العربية والإسلامية هي أضعف الإيمان تجاه قضيتهم الرئيسية والمصيرية، أمّا أقوى الإيمان، فهو شأنٌ آخر يقطع كل صلةٍ بالعمل الدبلوماسي، ويتجاوزه بأشواطٍ بعيدة.
Sorry Comments are closed