“أشبال الخلافة” هو اللقب الذي يطلقه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” على الأطفال المجندين لديه والذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، ويُقدّر أن 2000 من المجندين القاصرين قد خضعوا لدروس في الشريعة وتدريب عسكري يشمل استخدام الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وإطلاق النار، وتفكيك جميع الأسلحة، والقيام بمناورات باستخدام الذخيرة الحية، بالإضافة إلى القيام بمهام أخرى للتنظيم مثل الخدمات اللوجستية، والتجسس ، ونوبات الحراسة، والمناوبة في نقاط التفتيش، والعمل الإجباري. وقد استحوذ التنظيم على تفكيرهم حيث علّمهم نعت المسلمين الآخرين بالكفار، كما زرع فيهم جميع معتقداته المتطرفة. وقد تم استخدام الأطفال للتجسس ، ومطاردة أعداء التنظيم، فضلاً عن عرضهم في مقاطع الفيديو الخاصة بالتنظيم لإيصال رسالة إلى أعدائهم بأن هذه الحرب ستستمر لأجيال.
إن داعش على وشك الهزيمة الإقليمية في سوريا، فقد تحررت الرقة بالكامل، ولم يتبقّ سوى ديرالزور آخر مدينة كبرى تسيطر عليها داعش في سوريا .قد يبدو من السهل الاعتقاد أنه بمجرد هزيمة داعش عسكرياً، فإن المناطق المحررة ستكون خالية من التهديد في المستقبل، إلا أن أعضاء داعش الذين فرّوا إلى المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية ( SDF) والجيش السوري الحر وتركيا كلها تشكل خطراً خفياً.
إن هؤلاء الأطفال المدربون والمنحوتون أيديولوجياً حسب رغبات داعش ليسوا مجرد أداة إعلامية يستخدمها التنظيم، حيث أنهم مرتبطون عاطفياً بالمدربين والأجهزة الأمنية للتنظيم. ولاتزال علاقاتهم الأقوى مع داعش ومهاراتهم الأكثر ملاءمة للعمليات العسكرية ،مما يؤدي إلى منعهم من الاندماج مع المجتمع، كما أن العزلة ستجعلهم أكثر مرونة مع داعش.
وكان هؤلاء الأطفال يتجهون نحو العالم الخارجي مدججين بالسلاح الذي تم تدريبهم على كرهه، فهم يرون أن العالم مليء بالكفار مما يجعلهم مليئين بالغضب ضد سكانه. وبالمقابل فإن العالم الخارجي ليس مستعداً للتعامل معهم ، الأمر الذي يشكل خطراً لاحقاً لكنه حقيقي. فهؤلاء الأطفال يعانون من الصدمة بعد أن نشأوا محاطين بالتطرف والحرب، دون اكتساب المعرفة الأساسية التي يتمتع بها أقرنهم، لذلك سيكون من الصعب على المجتمعات الجديدة أن تعرف كيفية التعامل معهم.
وقد شهد هؤلاء الأطفال مشاهد تعذيب وقتل من قبل مقاتلي داعش، وفي بعض الحالات قد تم إجبارهم على المشاركة في هذه الوحشية. اليوم هم في حاجة ماسة إلى التأهيل النفسي من قبل المتخصصين والمدربين.
والسؤال الأهم اليوم هو كيفية التعامل مع هؤلاء المجندين الأطفال. وقد أثبتت برامج إعادة تأهيل المقاتلين الأطفال وإدماجهم نجاعتها و أهميتها في الصراعات المسلحة السابقة . حيث يتم التعرف على الأطفال وسحب الأسلحة منهم ومن البيئة المحيطة بهم، ثم يتم نقلهم إلى مراكز رعاية مؤقتة ، ثم يعودون إلى أسرهم . وإن فترة الرعاية تختلف من مكان لآخر، فقد تم احتجاز الأطفال في “سيراليون” مدة ستة أشهر بينما احتجزوا لبضعة أيام فقط في “أفغانستان”. وفي مرحلة رئيسية من عملية إعادة الإدماج، تم إعادة الأطفال إلى المجتمع وعائلاتهم حتى يتمكنوا من إعادة إقامة روابط معهم.
لكن الجهود المبذولة لإعادة تأهيل الأطفال الجهاديين في سوريا والعراق تواجه صعوبات أكبر. فعلى سبيل المثال قد تكون أسر الأطفال أو قبائلهم في حد ذاتها جزءاً من داعش أو يحملون آراء متطرفة، كالنزاعات القبلية والوطنية والدينية مثل التوترات العربية-الكردية والسنية-الشيعية في الصراع المستمر منذ سبع سنوات.
ولكي تكون برامج إعادة التأهيل فعالة يجب تعديلها عن طريق إخضاع الأطفال لتقييم شامل من قبل مختصين وممارسين ومدربين يمكنهم تحديد الكفاءة النفسية والاجتماعية لكل طفل واحتياجاته الفردية. إن إرسال هؤلاء الأطفال إلى أسرهم من شأنه أن يسبب مشاكل في حال كانت الأسر أو المجتمع المحيط بها متورطة في نزاع محلي متأثر بشدة بالنعرات الدينية والاثنية أو إذا كان للخصوم علاقات مع داعش، ولكن نظراً لصعوبة إيجاد بيوت بديلة لاستضافتهم، إلى جانب المخاوف المحلية بشأن الأفكار الغربية، التي يُنظر إليها على أساس المصالح والحملات الإنجيلية، لا يوجد خيار سوى إعادة الأطفال إلى أسرهم. وتتمثل أحد الخيارات المطروحة لمساعدة الأطفال في إنشاء لجنة متخصصة للمتابعة مع الأطفال و الأسر و رصد عملية إعادة إدماجهم.
كما يمكن أيضاً وضع الأطفال المجندين سابقاً في برامج إعادة التأهيل الإلزامية التي تأخذ في عين الاعتبار وضعهم الخاص ووضع المجتمع السوري والعراقي الديني.
وسيتعيّن تعليم الطفل والأسرة عن آثار العنف والتطرف، بالإضافة إلى التعاليم الدينية الأساسية وبعض المهارات الأساسية لتعليم الأطفال. على الرغم من أنه نوع من المخاطرة بأن تقوم منظمة خارجية بتدريس الشريعة الإسلامية -التي يُنظر إليها على أنها محاولة للتأثير على الإسلام- إلا أنه بإمكان المنظمات المحلية والزعماء الدينيين القيام بهذه المهمة. يجب أن يتم العمل لتحدي ما تعلمه الأطفال وتكييف سلوكهم، مما يتطلب متخصصين في مجال الشريعة الإسلامية الذين يستطيعون تحويل الجهاديين الشباب بعيداً عن التطرف وقيادتهم إلى الاعتدال. إن إعادة إدماج الطفل في المجتمع عملية طويلة الأجل تتطلب التزاماً على الصعيدين المحلي والدولي، ومع ذلك منذ بداية الحرب في العراق عام 2003 حتى اليوم، تراجع العديد من المانحين في الدعم المالي لبرنامج المجتمع المدني في سوريا والعراق . وهذا سيفتح الباب أمام الحكومة وكذلك الجماعات المؤيدة لها لاستغلال الأطفال.
إن هنالك غياب لبرامج فعالة تهدف لإعادة الاستقرار إلى مناطق داعش السابقة، مما يدل على أن استراتيجية الولايات المتحدة المتمثلة في توفير الدعم العسكري للمعركة على الأرض هي انتصار إعلامي مؤقت لإدارة “ترامب”. ولكنها ستكون كارثية إذا تركت وراءها الخلايا النائمة التي يمكن أن تتحول إلى خطر مجهول في المستقبل.
إن العمل في إعادة تأهيل الأطفال في المناطق المحررة من داعش -ولاسيما أولئك الذين جندتهم داعش- يُعد خطوة أساسية نحو التخلص من التنظيم والعنف والتطرف الذي تمثله. إن ما بدأه تنظيم الدولة الإسلامية من خلال برامجه التدريبية والأيديولوجية قد خلق جيلاً من المقاتلين وحوّلهم لوحوش خطيرة وسيواصلون الإضرار بأنفسهم والمجتمع ما لم يتلقوا المعالجة المناسبة.
عذراً التعليقات مغلقة