تسبب الحصار الذي لجأ إليه النظام السوري كسلاح للانتقام من المناطق الثائرة، ومنها ريف حمص الشمالي، في عودة الناس إلى أساليب وأدوات بدائية، كانت قد اندثرت قبل عشرات السنين وحلّت مكانها أدوات أكثر أماناً واقتصادية، كما تسبب بعودة مهن لم تعد موجودة بحكم الحاجة إليها من جديد.
“البابور” أو “الببّور” هو موقد يعمل بمادة الكاز، كان يستخدم قبل عقود وذلك قبل انتشار اسطوانات الغاز المنزلي والمواقد العاملة بها، يطلق لقب “البوابيري” على من يقوم بإصلاح تلك المواقد كثيرة الأعطال، لقد تسبب قطع النظام السوري مادة الغاز عن الريف الحمصي المحاصر ورفع أسعارها بعودة الناس إلى استخدام البابور وعودة الحاجة إلى تلك المهنة بطبيعة الحال.
يقول السيد نضال وهو أحد مزاولي تلك المهنة ل”حرية برس” أنه نتيجة الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي، وغلاء أسعار اسطوانة الغاز المنزلي الذي ارتفع من 450 ل.س إلى عشرة آلاف ليرة (من 1 إلى 20 دولاراً)، اضطر الأهالي للبحث عن أدوات بديلة لتلبية احتياجاتهم اليومية”.
ويتابع “من الأدوات البديلة التي عادت الكثير من العائلات لاستخدامها البابور، الذي يستخدم في الطهي وتسخين المياه وغيرها، سواء في المدينة أو الريف، بحيث تكاد لا ترى منزلاً يخلو من البابور”.
يضيف نضال “حتى نهاية الثمانينات من القرن الماضي كانت حرفة البوابيري منتشرة، لكن بسبب تطور الحياة وانتشار استخدام الأجهزة الكهربائية الحديثة تضاءل انتشار الحرفة لتغدو فقط مظهراً فلكلورياً”.
وأردف قائلاً “في السابق، أي قبيل الثورة كان من النادر أن يأتينا من يريد تصليح بابور، حيث كان يأتينا زبون أو اثنان كلّ شهر، أما الآن فنقوم بتصليح 2-6 بوابير يومياً، وأحياناً يصل العدد إلى عشرة. وبالإضافة لتصليح البوابير القديمة نقوم بتصنيع بوابير جديدة، لكن شكلها يختلف عن تلك القديمة والتي تتميز بقاعدتها النحاسية الصفراء، فالجديدة شكلها كموقد الغاز المنزلي العادي، لكننا نضيف إلى جانبها أسطوانة صغيرة للكاز، ورأساً نحاسياً في المنتصف”.
لدى سؤلنا عن الأسعار يوضح نضال “الببور الجديد ثمنه يبلغ حوالي 4 – 6 آلاف ليرة سوري أي ايعادل من 8 – 12 دولار وهذا أقل من ثمن القديم المستعمل الذي يصل سعره حتى 10 آلاف 20دولاراً)، أما أجرة تصليح البابور فتتراوح بين 400– 3500 ليرة (1- 8 دولاراً) حسب العطل، فالكثير من المواد التي تستخدم في التصليح والتي كنا نشتريها سابقاً من مدينة حلب أصبحنا نشتريها الآن من بلاد أخرى، مثل تركيا والهند، وهذا يرفع من كلفة التصنيع والصيانة.
“محمد أبو عبدو” مواطن سوري من ريف حمص قال لنا: “من كان يحتفظ ببابور قديم مركون في سقيفة المنزل أو المستودع أعاد إخراجه واستعماله، ومن لا يمتلك اشترى واحداً جديداً، فبسبب ظروف الحرب اضطررنا للعودة لنمط المعيشة الذي كان موجوداً قبل ثلاثة عقود”.
ويردف قائلاً “بالرغم من قلة المحروقات والغلاء في أسعارها بسبب الحصار المفروض علينا منذ 6 سنوات يبقى البابور أفضل من استخدام الغاز والحطب في الطهي. فالحطب بات شبه منعدم ولم يبق في المنطقة سوى الأشجار المثمرة كالزيتون واللوز والتي نعتمد عليها بشكل رئيسي في الغذاء، كما نستخدم الحطب المتوفر لدينا في الشتاء للتدفئة، ناهيك عن أن الحرارة التي يعطيها البابور أعلى من موقد الغاز ومن السخان الكهربائي وأسرع من الحطب لعمليات الطهي”.
يشار إلى أن نسبة 50% من سكان الريف الشمالي لحمص يعتمدون على البابور الذي يتم تشغيله بواسطة الديزل، وتعاني مدن وبلدات ريف حمص الشمالي من حصار خانق منذ خروجها عن سيطرة قوات الأسد وتحريرها من قبل الجيش السوري الحر منتصف 2012، وتمنع قوات الأسد إدخال المحروقات والغاز بشكل شبه كامل.
عذراً التعليقات مغلقة