“المنطقة العازلة” في سوريا تمتد على طول الفرات

رانيا محمود30 أغسطس 2017آخر تحديث :
مشهد للجزء الشمالي من سد الطبقة على ضفاف نهر الفرات في سوريا نهاية مارس/آذار الماضي (رويترز)

أعلن البنتاغون في 21 آب/ أغسطس الماضي أنه وافق على إقامة منطقة عازلة في سوريا ممتدة على طول الفرات. يعيد هذا الاتفاق الجديد إبرام اتفاق سابق تمّ التوصل إليه بعد أن أسقطت الولايات المتحدة طائرة “سوخوي 22” تابعة للنظام السوري في حزيران/ يونيو الماضي، مما خلق مخاوف من التصعيد الذي من شأنه أن يجلب اللاعبين الدوليين إلى صراع مباشر. في حين أن الهدف المباشر من المنطقة العازلة هو منع القتال بين النظام السوري وقوات سوريا الديمقراطية وعدد لا يحصى من الداعمين لها، وتركيز القتال على هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بالإضافة إلى أن هذا الاتفاق سيعيد تشكيل ساحة المعركة ويخلق فرص جديدة.

للمنطقة العازلة آثار تتجاوز السماح لقوات سوريا الديمقراطية والولايات المتحدة بالتركيز على محاربة داعش . وقد فرض الجيش الأميركي منطقة عازلة في الأول من أيار/ مايو لمنع القتال بين عملية درع الفرات التركية وقوات سوريا الديمقراطية وخاصة العناصر الكردية التي تحاول توحيد مناطق نفوذها شمال سوريا. وعلى غرار المنطقة العازلة على طول نهر الفرات، فقد كان الهدف من المنطقة العازلة المقامة في أيار/مايو منع القتال لتتمكن قوات سوريا الديمقراطية من التركيز على محاربة داعش، وقد منعت القوات التركية بشكل فعّال من التقدم نحو الجنوب إلى سوريا، ودفعت تركيا إلى إعلان نهاية درع الفرات بعد فترة وجيزة. وأصبحت المنطقة العازلة حدوداً فعلية حول الأراضي في شمال سوريا وتركز على أعمال إعادة الإعمار والاستقرار.

وسيكون للمنطقة العازلة على طول الفرات ذات الأثر الفوري كونها حدود فعلية بين النظام والأراضي التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية. ويكمن السؤال فيما إذا كان الطرفان الرئيسيان (روسيا وإيران الداعمتان للنظام، والولايات المتحدة الداعمة لقوات سوريا الديمقراطية) سيتقيدون بإقامة المنطقة العازلة. ففي الماضي لم يُعر النظام السوري أي اهتمام لتفعيل اتفاق وقف إطلاق النار، وانتهكه ببساطة وألقى باللوم على المعارضة. ولم تستخدم روسيا ولا الولايات المتحدة قوتهما العسكرية أو نفوذهما لجعل اتفاق وقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ. كما أن نظام الأسد، بصفته المنتهك الأول، يبرر عادة أعماله بادعائه أنه يهاجم الجماعات المتطرفة المستبعدة عن اتفاق وقف إطلاق النار. وفي حين أن روسيا غالباً ما تكون شريكاً على الورق لوقف إطلاق النار ، فقد وجدت نفسها محصورة بين خيارين: إما أنها غير قادرة أو أنها لا ترغب في إجبار نظام الأسد على التقيد بشروطها، وكثيراً ما انتهكت روسيا نفسها اتفاقات عديدة لوقف إطلاق النار.

ومن غير المرجح أن يكون النظام السوري قادراً على مواجهة قوات سوريا الديمقراطية من غير الدعم الروسي، لأن النظام لن يكون قادراً على الاستيلاء على الأراضي التي تخضع للجماعات المناهضة له أو داعش دون دعم أجنبي، وفي الواقع فقد تم دحره من قبل الجماعات المناهضة له قبل التدخل الروسي في سبتمبر عام 2015.

وفي الوقت الذي تواصل فيه قوات سوريا الديمقراطية التحرك شرقاً نحو الحدود السورية العراقية، تصبح مسائل السيطرة على الأراضي أكثر إلحاحاً، وهناك عدد من المدن والقرى على طول نهر الفرات، وبعضها يقطعها المجرى المائي ، وواحدة من الطرق السريعة الرئيسية التي تدخل إلى العراق موازية للنهر. وإذا امتدت المنطقة العازلة على طول نهر الفرات، فإن هذا التقسيم يثير تساؤلات حول كيفية تقسيم هذه المدن بين قوات سوريا الديمقراطية والنظام، ناهيك عن من سيتولى السيطرة على الطريق. ويريد الأسد وحلفاؤه – ولاسيما إيران – إيجاد طريق برية من العراق إلى سوريا ثم لبنان ليضمنوا صحة استراتيجيتهم في الحفاظ على المنطقة . ويسيطر النظام حالياً على مطار ديرالزور العسكري على الجانب الجنوبي الغربي من نهر الفرات مما يضع الطريق السريع على جانب النظام في المنطقة العازلة إذا ما تمّ تحديده على طول نهر الفرات.

لكن بعد هزيمة داعش في الموصل، يمكن للولايات المتحدة أن تختار السيطرة على الطريق السريع من الجانب العراقي من الحدود، بينما تريد إيران دون شك الضغط على العراق لرفض المراقبة الأميركية للطريق. وقد كانت بغداد مترددة حيال تحدي واشنطن على أمل مواصلة الدعم. وتسيطر المعارضة السورية على طريق سريع آخر جنوباً بالقرب من منعطف الحدود السورية_الأردنية إلا أن الطريق لايزال عرضة للهجوم من قبل قوات الأسد، وإذا ما رفضت الولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية ترك الطريق السريع لنهر الفرات إلى النظام، فإن الطريق السريع الجنوبي سيخضع دون شك لضغوط أكبر.

وتثير المنطقة العازلة أيضاً تساؤلات حول الموارد، ففي حين أن الإقليم الشرقي من نهر الفرات غني بالموارد الطبيعية، فإن العناصر الكردية التي تسيطر على شمال سوريا وقوات سوريا الديمقراطية – حزب الاتحاد الديمقراطي وذراعه العسكري وحدات حماية الشعب – على استعداد للعمل مع نظام الأسد مقابل قدر من الحكم الذاتي. ومع ذلك، فحتى لو توصّل حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام إلى اتفاق، فإن بعض المناطق ستظل موضع خلاف. وتسيطر قوات سوريا الديمقراطية الآن على أكبر ثلاثة سدود في سوريا (سدود الفرات والبعث وتشرين) وبهذه السدود تسيطر قوات سوريا الديمقراطية على إنتاج الطاقة الكهرومائية، وتدفق المياه إلى 80% من الأراضي الزراعية المروية في سوريا. وبالتأكيد لن يتسامح الأسد في الاعتماد الكامل على حسن النية الكردية في إدارة القطاع الزراعي.

وقد يكون لروسيا والولايات المتحدة أيضاً مصالح متباينة في شرق سوريا عن المصالح في غرب سوريا حيث تم التوصل لعدة اتفاقات لوقف إطلاق النار. وتحتفظ الولايات المتحدة بعدة مناطق في شرق سوريا أُنشئت ظاهرياً لدعم قوات سوريا الديمقراطية في معركتها ضد داعش. لكن روسيا تود أن تدعم حلفائها في تعزيز السيطرة مع اقتراب قوات الأسد من المنطقة. و أي تدخل من الأسد وداعميه الدوليين على الجانب الشمالي الشرقي من النهر سيهدد بتصعيد الصراع على الصعيد الدولي.

ستطفو المشاكل الحقيقية على السطح بعد أن تحارب التحالفات الضعيفة أخيراً داعش عسكرياً. وفي تلك المرحلة سيتعيّن على الولايات المتحدة أن تجد مبرراً لوجودها في سوريا، ووجودها أيضاً في المنطقة العازلة حاصة إذا كان بإمكان حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني ونظام الأسد التوصل إلى اتفاق منفصل. وقد بررت الولايات المتحدة وجودها في سوريا على اعتبارها امتداداً لمهمتها في العراق لهزيمة داعش، ولكن هزيمة داعش سوف تثير تساؤلات حول شرعية أي وجود متواصل في سوريا. في حين أن الحكومة العراقية طلبت دعم الولايات المتحدة الأميركية، فإن حكومة بشار الأسد السورية لم تفعل ذلك. و إذا اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة السورية كهيئة حكم شرعية و دولة ذات سيادة فإنها ستواجه ضغوطاً متزايدة بمطلب الأسد الذي يريد مغادرة القوات الأمريكية.

وقد أنشأت المنطقة العازلة منطقة نفوذ موحدة جديدة للولايات المتحدة وقوات سوريا الديمقراطية، ولكن مستقبلها مازال موضع شك. ومن المؤكد أن الأراضي الاستراتيجية والطرق والموارد ستغري نظام الأسد لاختبار مدى استعادته للسيطرة، ولكن الموقف الأميركي سيكون بمثابة توازن ضد ثالوث سوريا وروسيا وإيران طالما أن الولايات المتحدة يمكن أن تبرر إقامتها. وإذا كانت واشنطن قادرة على إقناع الأسد بأنه سيحتاج إلى القوة العسكرية الأميركية والموارد للحفاظ على الاستقرار في الجزء الشمالي الشرقي من البلاد على الأقل، فإنه يمكن أن يوفر للولايات المتحدة فرصة للمساعدة وتوجيه مسار إعادة الإعمار بعد الصراع و التأثير على المسار السياسي بعد الحرب ولكن مع رغبة روسيا في بسط السلطة في المنطقة، وموقف إيران العدائي من الغرب، ورغبة الأسد في استعادة السيطرة على البلاد، فإن ذلك يتطلب جهداً استثنائياً لم تعلن إدارة ترامب عن رغبتها في بذله.

  • دراسة نشرها المجلس الأطلسي “Atlantic council”  – ترجمة: رانيا محمود – حرية برس

 

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل