أكرم المليحان – حرية برس
يعاني قطاع التعليم في سورية أضراراً كبيرة، جراء الاستهداف المتعمّد من قبل قوات النظام للمدارس والمنشآت التعليمية داخل المناطق المحررة بكافة أنواع الأسلحة؛ مما أدى لحرمان جيلٍ كاملٍ من حقه في التعليم، بسبب الدمار الذي خلفته آلة القمع الهمجية وانعدام أدنى مستويات الأمان الذي يسمح للتلاميذ بارتياد مدارسهم دون أن يخشوا موتاً من السماء تجلبهُ لهم طائرات النظام ومدفعيته، وبسبب ما أفضت إليه هذه السياسة الممنهجة من تهجيرٍ ونزوح سواءً أكان داخلياً أو خارجياً.
هذا الواقع فرض العديد من التحديات و العقبات أمام الجهات الأهلية والمدنية في محافظة درعا التي أخذت على عاتقها مسؤولية إيجاد الحلول والبدائل في محاولتها دفع عجلة العلم في الجنوب السوري؛ وهنا أشار الاستاذ “جمال الصالح” مدير التربية والتعليم في محافظة درعا الحرة في حديث لـ “حرية برس” أن عدد ما تم تجهيزه من مدارس ضمن المناطق المحررة من محافظة درعا بلغ أكثر من 600 مدرسة، منها 377 مدرسة ابتدائية، و144 مدرسة لمرحلة التعليم الإعدادي، و81 مدرسة للمرحلة الثانوية، مضيفاً أن عدد الطلاب الملتحقين بمراحل التعليم الأساسي بلغ 153386 طالباً وطالبة، يتوزع بين 91674 طالب وطالبة ابتدائي و 40815 طالب في المرحلة الاعدادية و 20997 طالب وطالبة في المرحلة الثانوية، بينما يبقى ما يقارب 5 آلاف طالب محرومين من التعليم؛ في حين أن إحصاءات منظمة “غصن الزيتون” تؤشر إلى أن عدد الطلاب الملتحقين بالتعليم الأساسي لا يتجاوز 85 ألفًا، ونسبة الطلاب المحرومين من التعليم في المحافظة أكثر من 10 بالمئة، لمن هم في سن التعليم الأساسي.
ويتضح أن هذه المشكلات تُدرج ضمن مستويين: أولاً على مستوى الكادر التعليمي؛ حيث أن ثمة أكثر من 1400 معلم ومعلمة قام النظام بفصلهم بسبب مواقفهم السياسية الداعمة للثورة وفق ما أفاد به الصالح، بالإضافة إلى نزوح العديد من الكوادر التعليمية؛ ومزاولة العديد منهم لمهن لا تتناسب مع أوضاعهم الفكرية والثقافية وذلك بدوافع مادية سببها غلاء المعيشة، وهو الأمر الذي أدى إلى ضعف العملية التعليمية وأثر سلبياً على مستوى التعليم .
وثانياً: على مستوى الطلبة حيث تسرب عدد كبير من الطلاب لأسباب عديدة بدءاً من النزوح أو رفض الأهالي إرسال أبنائهم إلى المدارس خوفاً من الاستهداف المتكرر لها من قبل النظام وانتهاءً بحاجتهم لمزاولة الأعمال والمهن المختلفة لكسب رزقهم والحصول على ما يسد رمقهم ورمق أُسرهم حيث انتشرت ظاهرة عمالة الأطفال بشكل غير مسبوق وتفشت حتى بين الأطفال دون سن الخامسة عشر ليتحولوا من تلاميذ على مقاعد الدراسة إلى عمال في الأراضي الزراعية و تجارة المحروقات ومحلات البقالة وغبرها من الأعمال المختلفة.
ويأتي هذا فضلاً عن عدم توفر البنية التحتية لقطاع التعليم، بما في ذلك المدارس التي دُمّر أكثر من 20% منها بشكل جزئي و 2% بشكل كامل وفق آخر الاحصائيات لمنطقة ” غصن الزيتون”، مما دفع إلى اتخاذ الخيم كملاذٍ آخير لجأت إليه عدة هيئات ومؤسسات تعليمة كـ “منظمة غصن الزيتون” و ” منظمة “أورانتس” الخيريتين ومديرية التربية والتعليم لمجلس محافظة درعا الحرة، واعتمادها كمدارس ومحاولة تجهيزها بما يتوفر من امكانيات حيث أقيمت 20 مدرسة في الخيام تحت إشراف مديرية التربية والتعليم، فضلاً عن الخيام التي ترعاها المؤسسات التعليمية والخيرية الأنفة الذكر. إلا أنه بالرغم من السعي الحثيث إلى ذلك فإنه مازال هناك الكثير من التلاميذ والطلبة الذين لم تصلهم الأيدي البيضاء التي تأخذ بهم وتهديهم إلى طرق العلم. كما هو الحال في ريف درعا الشرقي مع تلاميذ لم يجدوا بناءً يأويهم سوى حظائر الماشية حيث لا تتوفر أدنى المعايير الصحية. بالإضافة إلى عدم توفر الكتب والمناهج الدراسية والتي تعتبر من أبرز التحديات التي يواجهها المجتمع التعليمي الذي لجأ لاستخدام الكتب التالفة من مستودعات المدارس .
وفيما يتعلق بالتعليم العالي فهنا تظهر المشكلات أكثر وأكبر مما هي عليه مع التعليم الأساسي والثانوي، ومنها عدم وجود كليات أو معاهد تغطي كافة الاختصاصات، إضافةً إلى انقطاع أعداد كبيرة من الطلاب عن جامعاتهم، خوفاً من الاعتقال على حواجز النظام، وفي هذا السياق؛ أكد جمال الصالح، رئيس مكتب التربية في مجلس محافظة درعا أن صعوبات التعليم العالي، تتجسد في عدم وجود جامعات بإمكانها استيعاب العدد للكبير للطلاب، أو تغطية الاختصاصات كافة، إضافةً إلى الازدياد المستمر في أعداد الطلاب المنقطعين؛ لأنهم مطلوبون للنظام”.
إلا أن كل ما سبق لم يمنع من السعي لتأسيس كليات تسمح لهولاء الجامعين بمتابعة تعليمهم، ومن هذه المحاولات معهد البشائر الذي أُقيم في محافظة درعا وله مركزان أحدهما في مدينة المسيفرة في ريف درعا الشرقي والآخر في مدينة نوى في ريف درعا الغربي، والذي يضم فروع للغة العربية والإنجليزية والتاريخ والرياضيات والعلوم الشرعية وغيرها؛ وقد تم تأسيسه في العام الماضي ليكون تجربة أولى كُللت بالنجاح؛ وفي هذا العام تم افتتاح فرع في محافظة درعا من جامعة حلب الحرة في مدينة مزيريب ليضم عدداً من الاختصاصات تلبي احتياجات الجامعيين المنقطعين عن تعليمهم وهي: كلية الطب البشري – كلية الهندسة الكهربائية – كلية الهندسة الزراعية – كلية التمريض – كلية طب الأسنان – كلية هندسة الميكاترونك – كلية التربية – كلية العلوم بفروعها المختلفة – كلية الاقتصاد – كلية الآداب – كلية الشريعة، فضلاً عن المعاهد المتعددة.
وعلى ضوء ما سبق فأنه لا يمكن الارتقاء بقطاع التعليم وتفعيله في سورية، دون وقف آلة النظام العسكرية التي فتكت بالبلاد، الارتقاء والذي بات يتطلب إرادةً دولية تلزم النظام بابعاد طائراته وبظش قواته عن المدارس والمراكز العلمية، إضافة إلى دعم التعليم بالوسائل والمعدات، ورفده بورشات تدريب متخصصة، وحل مشكلات المدرسين الخارجين عن الخدمة بقرارات تعسفية من قبل النظام، من خلال تأمين فرص العمل لهم، عبر ملف التعليم البديل.
عذراً التعليقات مغلقة