دعاوى التشهير.. سلاح جديد ضد أبناء الثورة السورية

عائشة صبري30 يونيو 2025آخر تحديث :
دعاوى التشهير.. سلاح جديد ضد أبناء الثورة السورية

بعد تحرير سوريا وهروب المجرم بشار الأسد إلى موسكو في الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، بدأ فصل جديد من فصول التعايش بين الثوار وموالي النظام البائد، وكان للتسامح الحكومي وعدم تطبيق العدالة الانتقالية وتصدير من يجب عزله سياسياً، دافعاً لهؤلاء الذين أطلق عليهم الثوار لقب “المكوعين” أن يتمادوا على أبناء الثورة السورية.

هؤلاء “المكوعون” باتوا يفرضون أنفسهم على الساحة ويتغنّون بالثورة السورية، وكأنَّهم لم يكونوا يوماً شاتمين بها وشامتين بضحاياها، وفي حال كُشِفَ زيفهم وتبيان حقيقتهم يُسارعون إلى القضاء لتقديم شكاوى تشهير بحقّ أبناء الثورة السورية.

ثلاث قضايا تشهير مختلفة

في 15 يونيو/حزيران الحالي، أثارت الشكاوى القضائية بدعوى التشهير بحقّ 12 صحفياً من زملائي في الثورة السورية، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، فالصحفيون الواردة بحقّهم استدعاءات إلى مخفر حي الحمدية بمدينة حمص، أوضحوا لي بأنّ اسم صاحبة الشكوى “هبة صبوح” ورد في مجموعة واتس أب، خلال الحديث عن فعالية إحياء ذكرى رحيل عبد الباسط الساروت، حيث أفاد الصحفيون بصور ومعلومات تثبت عملها كموالية للنظام، كي لا يتم تصدريها في فعاليات ثورية.

زملائي أعربوا عن صدمتهم، وذلك لأنّ القضية ليست تشهيراً بحقّها من عدّة جوانب، أولها أنّ ذكرها كان ضمن مجموعة خاصة بإعلاميي الثورة في حمص، وقام أحدهم في المجموعة بتصوير المحادثة وإرسالها إلى هبة صبوح التي قامت بدورها برفع دعوى تشهير ضدّهم مستندة على صور المحادثة، وهي لا تعتبر مستنداً قانونياً ما لم يتم التصريح باسم الشخص الذي صورها وكونها محادثة خاصة، كما يحقّ للصحفيين رفع دعوى قضائية على من سرّب المحادثة باعتبار ذلك “انتهاك الخصوصية” التي تعدّ جريمة إلكترونية وفق المادة 21 من قانون الجرائم المعلوماتية رقم 20 للعام 2022، وعقوبتها بالحبس من شهر إلى 6 أشهر وغرامة مالية ما بين 500 ألف إلى مليون ليرة سورية.

وفي قضية أخرى، حدثت معي شخصياً، في 19 مايو/أيار الماضي تواصلتْ معي محامية عبر المسنجر تخبرني بأنّها موكلة من قبل زملاء صحفيين (و.ب / ب.إ) لرفع دعوى تشهير بحقي، بسبب منشوري الذي انتقدت فيه غياب العزل السياسي وتصدير الفنانين الشبيحة في المناسبات، انصدمتُ وأعربت عن صدمتي للمحامية التي طلبت مني حذف المنشور لنحلّها ودياً، أوضحتُ لها أنّ حذف منشوري بناءً على تهديد بالقضاء يؤدي إلى منعي عن إبداء الرأي مرة ثانية ويُقيّض حرية التعبير التي أناضل من أجل الحصول عليها منذ 14 سنة.

بناءً عليه، تواصلتُ مع محامي فأكد لي عدم وجود تشهير بالمنشور بالتالي يجب ألا أحذفه، وأخبرتها بالردّ القانوني، ومنه أنّ نصّ المنشور يتضمن توثيقاً لمواقف سياسية معلنة ولم يتطرق للصحفيَين الذَين اعتبراه تشهيراً بهما، والصورة المرفقة بمنشوري منشورة سابقاً عبر خاصية “العامة” في المنصات الرقمية ولم يتم التعديل عليها، وطلب المحامية مني حذف منشور من حسابي الشخصي واتهامي بالتشهير والإساءة، دون سند قانوني واضح، يُعدّ انتهاكاً صريحاً لحرية الرأي والتعبير، ومحاولةً مباشرةً لممارسة الضغط والتهديد.

أمّا القضية الثالثة التي أذكرها لكم، فهي ما حصل مع عدد من سكان حي برزة في مدينة دمشق عندما طالبوا عبر منشور في صفحة بمنصة فيسبوك اللجنة الخدمية في المجلس المحلي لحي برزة بتنفيذ الخدمات للحيّ الذي يفتقر لكافة المقومات مع انتشار أكوام القمامة، وصعوبة سير وسائل النقل بسبب تخريب البنية التحتية، فكان ردّ اللجنة بتقديم شكوى تشهير بحقّ هؤلاء الأشخاص، وبعدها أكد لي أحد أهالي الحي أنّه تم سحب الشكوى مقابل التعهد بعدم النشر.

نقاط أساسية حول شكاوى التشهير

  • هذه القضايا لا تُعدّ شكاوى شخصية، بل تندرج ضمن قضايا الرأي العام، وهي تمسّ حقّ المجتمع في معرفة الحقيقة، ومن أهم أسبابها عدم تطبيق قانون العزل السياسي والعدالة الانتقالية.
  • إنّ كشف حقيقة تاريخ أيّ شخص بعد 14 سنة من انطلاق الثورة السورية هو واجب وطني، لا جُرم يُعاقب عليه، بل هو جهد يُشكر عليه، لا يُدان بسببه صاحبه.
  • الشكاوى المقدّمة ضد أبناء الثورة تفتقر للحد الأدنى من شروط “التشهير” القانونية، سواء من حيث المحتوى أو القصد أو الضرر، ومن أبرز سلبياتها انكفاء البعض عن قول الحقيقة والامتناع عن التعليق والنشر تجنباً للشكاوى.
  • هناك ازدواجية معايير في تطبيق القانون: يُلاحق أبناء الثورة بناءً على شبهات لا سند لها (كما حصل مع الصحفيين في حمص)، بينما تُهمل شكاواهم ضد الشبيحة رغم توافر أدلة قطعية. (كما أكد الصحافي ميلاد الشهابي عندما تحدث عن مماطلة القضاء في مدينة حلب في النظر بدعوى مقدّمة ضد عدد من إعلاميي نظام الأسد منذ أكثر من أربعة أشهر، رغم تقديم وثائق توضح ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، أيضاً أكد الصحافي سامر العاني في صفحته على فيسبوك أنّه توجّه إلى محكمة دير الزور ليوكل محامٍ لتقديم شكوى ضد العميد السابق في أمن الدولة “دعاس” الذي أشرف بنفسه على اعتقاله وتعذيبه، غير أنّه فوجئ برفض كاتب الاستدعاءات قبول شكواه، بحجة وجود “تعليمات” تمنع حتى مجرد كتابتها).
  • يجب على السيّد حمزة المصطفى، وزير الإعلام، تحمُّل مسؤوليته في حماية الصحفيين أبناء الثورة، وعدم تركهم لقمة سائغة لأزلام النظام البائد. كما يتعيّن على السيّد مظهر الويس، وزير العدل، التوجيه للمخافر والمحاكم بعدم قبول أيّ شكوى تشهير لا تستوفي المعايير القانونية الصارمة.

لمحة قانونية لدعوى التشهير في القانون السوري

وفق قانون العقوبات السوري رقم 148 لعام 1949 وتعديلاته، تُنظّم جرائم الذم والقدح والتشهير في المواد (375 إلى 391).

أولاً: شروط قبول دعوى التشهير

  1. أن يكون ما نُشر كاذباً (المادة 375): إذا كان ما نُشر صحيحاً أو يمكن إثباته، فلا تشهير قانوناً.
  2. وجود نية التشهير وليس النقد أو المصلحة العامة (المادة 385): النقد المشروع أو الدفاع عن قضية عامة لا يُعد جُرماً.
  3. ثبوت الضرر المادي أو المعنوي للمدّعي وإثبات أنّ النشر كان دون وجه حقّ أو مصلحة عامة، شرط أساسي لقبول الدعوى (المادة 388).

ثانياً: الركائز القانونية لردّ دعاوى التشهير الباطلة

  1. (المادة 378): “لا يُقبل الذمّ أو القدح إذا لم يكن موجهاً إلى الغير أو لم يُنشر”، والنشر وحده لا يكفي: يجب أن يكون فيه إساءة واضحة لشرف الشخص وكرامته، وليس مجرد نقد أو وصف للواقع.
  2. الشخصيات العامة (كالممثلين، السياسيين، الصحفيين.. الخ) تُعامل قانونياً بمعايير مختلفة: حيث يسمح القانون بمراقبة أفعالهم وانتقادها، وفق (المادة 391)، ما دامت الانتقادات ترتبط بعملهم العام وليست إساءات شخصية.
  3. الشكوى دون دليل تُمثّل إساءة للعدالة: على المدّعي إثبات الضرر والنية السيئة، لا الاكتفاء بالادّعاء.
  4. الموضوعية والدليل تحمي الناشر: إذا كانت المعلومات صحيحة، ويستند إليها الناشر بهدف الكشف عن وقائع تهمّ الرأي العام، فإنّها لا تُعد تشهيراً، بل حقاً في التعبير، وفق (المادة 391).

ختاماً:

إنّ أيّ دعوى تشهير تفتقر إلى هذه المعايير القانونية تُعد باطلة، ورفضها واجب على القضاء والمخافر تفادياً لاستغلال القانون في قمع حرية التعبير، كما أنّ الدفاع عن حرية الرأي والتعبير والنقد العام هو التزام وطني لا جريمة.

لإخوة الدرب أقول: لا تتراجعوا عن قول الحق طالما أنتم على بيّنة ولديكم أدلة واضحة. دافعوا عن أنفسكم بالمنطق والبرهان. لقد خرجنا ضد نظام الأسد من أجل حرية الرأي والتعبير، ولن نصمت عن الحقّ من أجل إرضاء من يحلم أن يكون جلاداً جديداً.

المصدر وكالة الصحافة السورية

اترك رد

عاجل