اضطر كرم الكردي، أحد سكان ناحية معبطلي/موباتا بريف عفرين شمال غرب حلب شمالي سوريا، لدفع مبلغ مالي قدره 100 دولار أمريكي لفرقة “السلطان سليمان شاه”، كإتاوة جديدة تضاف إلى الإتاوات المتعددة التي أرهقت السكان الكرد.
كرم، واحد من حوالي 550 عائلة من سكان قرية معبطلي الواقعة تحت سيطرة فرقة السلطان سليمان شاه التابعة للجيش الوطني السوري والمعروف باسم (العمشات) نسبةً لقائد الفرقة محمد الجاسم الملقب بـ”أبي عمشة”، هذه العائلات منها من استدانت المبلغ أو باعت شيئاً من ممتلكاتها لتأمينه.
وأوضح كرم الكردي الذي فضل التحدث باسم مستعار، لموقع “مع العدالة” أنّه دفع المبلغ خوفاً من الاعتقال، مشيراً إلى أنّ حالته المعيشية متوسطة إذ يعتمد على المصروف من أبنائه المغتربين الذين أرسلوا إليه المبلغ من ألمانيا، ودفعها عند المختار الذي شدّد في رسالته على أنّ عدم الدفع سيعرّضهم للملاحقة.
خبر فرض الإتاوة بقيمة 100$ أثار الجدل بعد أن تداولته وسائل إعلامية، وأفادت مصادر محلية خاصة لـ”مع العدالة” بأنّ عضو المجلس المحلي في معبطلي، عارف محمد علي، أرسل يوم 18 أغسطس/آب 2024 رسالة صوتية باللغة الكردية عبر مجموعة واتساب تضم السكان الأصليين الكرد وطلب بلغةٍ تهديدية (ادفعوا اليوم قبل غد) من كلّ عائلة دفع مبلغ قدره 100 دولار أمريكي لمختار معبطلي دون الإفصاح عن السبب، وعند الاستفسار قيل لهم بحجة تخديم المنطقة تارة، وبحجة دعم أهل غزة تارة أخرى، مشيراً إلى أنّه أيضاً دفع المبلغ.
وأفادت المصادر بأنَّ فرقة “العمشات” استدعت الأربعاء 28 أغسطس/آب الجاري نحو 20 عائلة وحققت معهم حول سبب عدم دفعهم المبلغ المطلوب من العائلات وأطلقت سراحهم بعد استجوابهم دون أيّ تهديد.
في حين لم يصدر عن فرقة السلطان سليمان شاه أي بيان يوضح أسباب هذه الإتاوة على العائلات الكردية، بينما نشر قائدها أبو عمشة تغريدة في منصة X مرفقة بأربع صور كتب فيها: إنَّ “العمل يجري على توسيع وإصلاح الطرقات لتحسين البنية التحتية في ناحية الشيخ حديد والمناطق التابعة لها ضمن الجهود التي تبذلها القوة المشتركة”.
والقوة المشتركة هي اندماج لفرقة “العمشات” مع فرقة الحمزة “الحمزات” وقائدها سيف بولاد (أبو بكر)، المنضويتان ضمن الفيلق الثاني بالجيش الوطني السوري، كما فرضت وزارة الخزانة الأميركية في 17 أغسطس/آب 2023 عقوبات على الفرقتين وقادة ومسؤولين فيهما لتورطهما في “انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان في منطقة عفرين”.
الإتاوات أرهقت سكان عفرين
تحدث كرم بلسان حال أهالي معبطلي قائلاً: إنّ “الإتاوات أرهقتنا جداً.. من عدة أشهر تم جمع مبلغ 200 ليرة تركية من كلّ عائلة دون سبب واضح من قبل فرقة العمشات، واليوم فرضت مئة دولار، وسمعنا أنّه بعد ستة أشهر سيتم جمع مئة دولار أخرى، كما سجلتُ حقل الزيتون الذي أملكه لدى الاقتصادية وأخذوا مني 300 دولار كتسجيل للأرض الموكل بها، وغيرها الكثير من حالات الإتاوات”.
وفي سياق متصل، نقلت وكالة داماس بوست المعارضة، عن أحد سكان ناحية معبطلي، أنَّه “ليس هناك من يجرؤ على عدم الدفع بسبب المعاملة القاسية التي يتلقاها الشخص في سجن الأمنية من ضرب وإهانات ما سيكلفه فدية تتراوح ما بين 500 إلى 1000 دولار أمريكي لإخراجه السجن”.
وبحسب تعداد العائلات الكردية في معبطلي شمال غرب عفرين البالغ 550 عائلة من أصل 1200 عائلة كانت تعيش هناك قبل عملية “غصن الزيتون” التركية في العام 2018، فإنَّ مجموع الإتاوات المفروضة على العائلات الكردية في البلدة يصل إلى 55 ألف دولار أمريكي، دون احتساب الإتاوات الأخرى. حسب عز الدين صالح، المدير التنفيذي لرابطة “تآزر” للضحايا، مشيراً إلى أنَّ أكثر من 700 عائلة نازحة من محافظات سورية مختلفة يعيشون في معبطلي، وهؤلاء مستثنون من الإتاوات، بما في ذلك سكان المخيمات المحيطة.
وقال عز الدين صالح لـ”مع العدالة”: إنّ فرقة السلطان سليمان شاه تقوم بشكل شهري باختلاق ذرائع جديدة لفرض هذه الإتاوات على السكان الكرد الأصليين المتبقين في القرى والبلدات تحت سيطرتها بالقوّة المسلّحة، موضحاً أنَّ الإتاوات الجديدة على أهالي ناحية شيخ الحديد/شيه والقرى المجاورة لها غرب عفرين، تتراوح بين 100 دولار لكلّ عائلة، و200 دولار لكلّ محل تجاري، و300-500 دولار لكلّ بئر ارتوازي، بحيث تدفع الإتاوات خلال ساعات عن طريق المختار.
ولفت صالح إلى أنَّ التبليغ عن هذه الإتاوات يتم بأساليب ترهيبية، كما حدث في قرية بدر/هيكجه بناحية جنديرس جنوب عفرين، حيث أُبلغ السكان منتصف ليلة 13 آب/أغسطس 2024 من قبل دورية مسلحة، ما دفع معظم الأهالي للإسراع في الدفع تجنباً للعقاب، حسب قوله.
وفي 18 أغسطس/آب 2024 أقدمت أمنية الفرقة على إهانة وضرب وتعذيب عددٍ من أهالي قرية القذافية/قرمتلق في شيخ الحديد، بحجة تأخرهم عن دفع الإتاوة، حيث وصل مجموع الإتاوات المفروضة على قرمتلق التي يقطنها حالياً 140 عائلة كردية إلى نحو 15 ألف دولار أمريكي، حسب تقرير صادر عن المكتب الإعلامي في عفرين لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا “اليكتي”.
وفي تقريره السابق أشار إلى أنّ “أبو عمشة” حصّل إتاوات حوالي 120 ألف دولار أمريكي من القرى التي يسيطر عليها في يوليو/ تموز المنصرم، وحوالي 27 مليون دولار أمريكي من موسم الزيتون الفائت لوحده، ما عدا الإتاوات التي تُفرض على العوائل العائدة إلى قراها وعلى بقية المواسم الزراعية وعلى حفر الآبار الارتوازية وعلى المتّهمين بالعلاقة مع الإدارة الذاتية/قسد، وتلك التي تُحصّل من الحواجز الأمنية، حسب تلك التقارير.
الجدير بالذكر، أنَّ جمع الإتاوات من السكان الكرد يرافقه انتهاكات أخرى، من بينها الاعتقال التعسفي، والتضييق على الحرية الثقافية، والاستيلاء على الممتلكات، وذكر موقع عفرين بوست أنّ فرقة “العمشات” بدأت بإلغاء كافة وكالات أصحاب الممتلكات الزراعية في القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرتها بريف عفرين، من القاطنين في مناطق سيطرة نظام الأسد و “قسد”، تمهيداً للاستيلاء عليها، وبدأت بقرية قرزيحل/كورزيليه بناحية شيران/ شيروا، حسب قوله.
عذراً التعليقات مغلقة