طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن خطة مفصلة لهدنة في قطاع غزة من ثلاث مراحل، قال إنها خطة إسرائيلية، طالباً من الإسرائيليين الضغط على حكومتهم للموافقة عليها، ثم رمى كرة النار في حضن حماس! هذا إعجاز في الركاكة ربما لا سوابق له في تاريخ الدبلوماسية.
ولكن برغم ذلك تنطوي خطة بايدن الإسرائيلية على إقرار ضمني بفشل حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، سواء من جهة فشلها في القضاء على حركة حماس أو استعادة الرهائن الذين تحتفظ بهم، أو من جهة نفاد الوقت المتاح أمام إسرائيل لتحقيق الهدفين بعد ظهور استحالة ذلك.
كما أثار طرح الخطة لوحة الخلافات حولها بين أركان الحكومة واحتمالات انفراط عقدها على يد الوزراء الأشد تطرفاً، وهو ما يشل حركة رئيس الحكومة سياسياً إزاء المفاوضات الجارية في الدوحة. وتم تسريب ما معناه أن نتنياهو قد وافق على الخطة مراهناً على رفض حماس لها، بحيث يتنصل منها محملاً المسؤولية عن فشل المفاوضات للحركة.
ولكن في جميع الأحوال وضع طرح بايدن للخطة حركة حماس في موقف شديد الصعوبة. فمن جهة هناك الدمار الهائل وعدد القتلى المدنيين الذي يقترب من أربعين ألفاً، ومن جهة أخرى ضغوط الوسطاء لتوافق على خطة الهدنة تحت طائلة تحميلها مسؤولية الكارثة البشرية والعمرانية. لخص عضو المكتب السياسي أسامة حمدان رأي الحركة في الخطة بالقول إن إسرائيل تريدها بلا سقف زمني محدد، فهي لا تضمن وقفاً نهائياً لإطلاق النار ولا انسحاباً كاملاً للجيش الإسرائيلي من قطاع غزة. غير أن الوسطاء سيعملون على إقناع المفاوض الفلسطيني بأن تكامل مراحل الخطة كما طرحها بايدن سيؤدي إلى ذلك.
كانت كل من واشنطن وطهران تعملان على ضبط اللعب في حدود مسيطر عليها. أما الآن فيبدو أن إسرائيل بصدد رد كبير على حزب الله قد يرغم الأخير على تصعيد
نتنياهو بدوره ليس في وضع مريح، هو يريد تحقيق نصر باستعادة الأسرى، لكنه مستمر في كلامه عن عدم التنازل عن هدف القضاء على حركة حماس. ويتعرض إلى ضغوط من المعارضة ومن ذوي الأسرى ومن الرأي العام الدولي، وحتى من الحليف الأمريكي «المزنوق» بدوره لتحقيق إنجاز ما بشأن وقف الحرب في زمن يضيق باطراد قبل حلول موعد الانتخابات الرئاسية في الخريف.
في هذه الشروط المستحيلة لا يمكن التفاؤل باتفاق الطرفين على خطة بايدن في فترة قريبة. لا تملك حركة حماس هامشاً كبيراً لتحسين شروط الهدنة، ولا تملك ترف رفضها وتحمل نتائج قرار مماثل. ولم تعد الحكومة الإسرائيلية أيضاً قادرة على تحمل نتائج الرفض، ليس لأنها تعبأ كثيراً بضغوط حلفائها الدوليين، بل لأنها لم تعد واثقة من تحقيق أهدافها من الحرب مهما طالت. فهي أيضاً في ورطة ليس من السهل الخروج منها بلا خسائر سياسية، أقلها سقوط الحكومة.
غير أن «جبهة الشمال» ربما وفرت لحكومة نتنياهو مخرجاً قد ينفتح على خلط جميع الأوراق. فالهجوم الصاروخي الذي شنه حزب الله على الجليل الأعلى وأدى إلى حرائق كبيرة، جعل أركان الحكومة يتبارون في التهديد برد قاس، كان آخرهم نتنياهو الذي قال إن حكومته تعد العدة لـ«رد قوي» على حزب الله.
إن من شأن تصعيد المعركة بصورة متبادلة بين الطرفين أن يغطي على ما تعتبره إسرائيل «تنازلاً» في حال وافقت حركة حماس على خطة بايدن بشأن الهدنة. ولكن من جهة أخرى يمكن لهذا التصعيد أن يطيح بمفاوضات الهدنة الجارية في الدوحة، ليتركز الاهتمام الأمريكي والدولي على إطفاء حريق التصعيد في الشمال.
فطوال حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة سعى بايدن بكل الوسائل للحيلولة دون توسع الحرب، واستجاب نظام ولي الفقيه في إيران مع هذه السياسة، فكانت الحصيلة هي مناوشات محدودة بين حزب الله وإسرائيل، وهجمات متفرقة ومنضبطة على مواقع أمريكية في سوريا والعراق من قبل ميليشيات تابعة لإيران سرعان ما توقفت، وهجمات الحوثيين في اليمن على السفن في البحر الأحمر تم احتواؤها إلى حد كبير. وكانت ذروة التصعيد بين إسرائيل وإيران في شهر نيسان الماضي حين هاجمت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وقتلت فيها قيادات مهمة في الحرس الثوري، وجاء الرد الإيراني متأخراً ومنضبطاً بما أرضى واشنطن، وكذا رد إسرائيل على الرد الإيراني. في كل هذا المسار كانت كل من واشنطن وطهران تعملان على ضبط اللعب في حدود مسيطر عليها. أما الآن فيبدو أن إسرائيل بصدد رد كبير على حزب الله قد يرغم الأخير على تصعيد مقابل يتجاوز حدود اللعب المتفق عليها.
فإذا مضت الأمور في هذا الاتجاه سنكون أمام حرب جديدة تمنح حكومة نتنياهو مزيداً من الوقت في غزة في محاولة للتنصل من موجبات خطة بايدن، والسعي إلى استعادة تعاطف الحلفاء الغربيين.
Sorry Comments are closed