نصر الله… المشكلة في الإخراج

غازي دحمان10 نوفمبر 2023آخر تحديث :
نصر الله… المشكلة في الإخراج

يدرك من يعرف أبجديات السياسة الإيرانية في المنطقة أن انخراط حزب الله في الحرب ضد إسرائيل في غضون العدوان الجاري على قطاع غزة أمرٌ دونه المستحيل، فالحزب لم يخيّب توقعات أحد، بقدر ما أن الآخرين وضعوا توقعاتٍ لا تنسجم مع المعطيات الراهنة، ولا مع توازنات القوى وأوزان اللاعبين المنخرطين بها، ومسارات المشاريع الجيوسياسية في المنطقة.

أما الحديث عن وحدة الساحات، التي جرى الاتّكاء عليها لتوقّع أن حزب الله سينخرط على أساسها في الحرب، فإن تنفيذها يتطلب شروطا وتكتيكاتٍ مختلفة، لا يتوفر شيءٌ منها في اللحظة الراهنة، بعد أن خطفت حركة حماس عنصر المفاجأة، وجرّدت الحزب من أهم ورقة يلعب بها. وفي الأصل، لم تكن ثمّة مؤشّرات على أن الحزب سيعمل، في الوقت القريب، وحتى البعيد، على تفعيل هذه الورقة بقدر رغبته في استخدامها ورقة تفاوضيةً يجني من ورائها أرباحا استراتيجية مهمةً في تقديره وتقدير إيران.

يشكل عامل المفاجأة في الحروب اللامتماثلة العنصر الأهم في اللعبة لدى الفواعل الذين تقتصر هياكل قوتهم العسكرية على عناصر محدودة، مثل الصواريخ أو المسيّرات وكتائب نخبة صغيرة، إذ بعد المفاجأة يحصل توازنُ في القوى، وفي مرحلة لاحقة سيطرة الطرف الذي يملك إمكانات أكبر، وستجرى المراهنة على تدخّل قوى إقليمية ودولية لوقف إطلاق النار. صحيح أن لدى الحزب صواريخ ومسيّرات كثيرة، لكنها تبقى قوّة نظرية، يصعب تفعيلها بكامل طاقتها في ظروف الحرب، فكما أن منظومات إسرائيل ستتعرّض لخسائر، وستخرج آلياتٍ عديدة من حسابات القوّة، كذلك سيخرج جزء كبير من قدرات الحزب الصاروخية قبل تشغيلها.

الحزب مرتاح في قواعد الاشتباك الراهنة، ويعتبرها إنجازا مهما، ولا يرغب في تغيير المعادلات

كان واضحا بتأكيد نصر الله أن حماس اتخذت قرار عملية طوفان الأقصى وحدها، ولم تخبر أحداً، أن الحزب لم يجهّز أوضاعه للانخراط في هذه الحرب التي تتطلّب تجهيزاتٍ لوجستيةٍ وعملانيةٍ ونفسية. ولكن ماذا لو أن “حماس” أخبرته بالفعل، فما الذي كان سيفعله؟ الحزب مرتاح في قواعد الاشتباك الراهنة، ويعتبرها إنجازا مهما، ولا يرغب في تغيير المعادلات، بالإضافة إلى أن عنصر الاضطرار المتمثل بالطغيان الإسرائيلي على الفلسطينيين وحصار غزّة لا يعاني منه حزب الله، الذي يعرف أن مثل هذه المبادرة في الهجوم على إسرائيل تعني الانتحار، إن لم يكن تحطيم جمهورية الحزب التي تمتدّ من لبنان إلى سورية واليمن والعراق، من المؤكّد أن هذا المعطى، وليس سواه، هو ما دفع “حماس” إلى عدم إخبار الحزب بأمر العملية.

كما أن تأكيد نصر الله انخراط الحزب في الحرب ينطوي على رسالة واضحة، إلى حركة حماس والجمهور العربي الذي كان ينتظر تحرّكا منه كبيرا لنجدة “حماس”، بأن هذه هي حدود قدرة الحزب وإمكاناته في الوقت الراهن، رغم أن نصر الله بالغ في تقدير مساهمة الحزب في إضعاف فعالية الهجوم الإسرائيلي على غزّة عبر إشغاله قوات النخبة وثلث قوّة إسرائيل، ذلك أن جبهة غزة لا تحتمل إدخال كامل القوّة العسكرية فيها لصغرها، وهذه القوات مخصّصة لردع الأطراف الإقليمية من المشاركة في الحرب، وهي نجحت في تحقيق هذا الهدف.

لقد انطوى خطاب نصر الله على لغةٍ دفاعية، هدفها منع أخذ حزب الله في الطريق، إذ يكشف حجم الاستعداد والاستنفار الإسرائيلي أن هدف هذه القوات تشغيل أكثر من جبهة، كما أن المتطرّفين الإسرائيليين يعتقدون أنهم أمام فرصة الدعم الأميركي اللامحدود لتريحهم من تهديد حزب الله سنوات طويلة، إن لم يكن إلى الأبد. لذلك يتمثل أحد أهم أهداف الحزب حاليا في الحفاظ على المعادلات التي كانت قائمة قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، في ظل خطابٍ إسرائيليٍّ يقول بتغيير الشرق الأوسط بمعادلاته وتوازناته، الأمر الذي سيجعل ايران وحزب الله في مكانة متدنية، ويضيّع كل مكاسبهما الإستراتيجية التي تحقّقت طوال العقد الماضي.

المشكلة في خطاب نصر الله أن ترويجه كان مخالفا لمضامينه

يُدخلنا هذا إلى باب الاعتبارات التي يأخذها حزب الله في الحسبان، لتشكّل محدّدا قويا لحدود مشاركته في الحرب الحالية، في مقدمها الوضع الداخلي للبنان الذي لا يحتمل الانخراط في الحرب، جرّاء الأوضاع الاقتصادية بالدرجة الاولى، بالإضافة إلى إدراك حزب الله استحالة الحصول على دعم عربي في هذه المرحلة لإعادة ما قد تدمّره الحرب، بالإضافة إلى صعوبة ترميم قوة الحزب في الظروف الراهنة، في ظل وضع شبكته اللوجستية تحت مجهر المراقبة الإسرائيلي والأميركي، كما أن ضعف الحزب سيجعل قدرته على تأمين هذه الشبكة ضمن مستوياتٍ منخفضة جدا، وقد أثبتت حرب أوكرانيا أن الإمداد ودوامه عاملان مهمّان في حسم المعركة والصمود.

طبيعيٌّ أن يقول نصر الله إنه يبقي على كل الاحتمالات مفتوحة، فخبرته التفاوضية في الصراع، ورؤيته للموقف الأميركي غير الراغب بالدفع تجاه حربٍ إقليمية، تجعلانه يدرك أن مثل هذا الكلام لن يغيّر مسارات الحرب. ولو قال كلاما مختلفا، لأعلن مسبقا قبوله بالتشكيل الإسرائيلي الجديد للصراع… المشكلة في خطاب نصر الله أن ترويجه كان مخالفا لمضامينه، فمثل هذا الموقف كان يحتاج صورة مختلفة، أي أن المشكلة في الإخراج التي غالبا ما كان حزب الله بارعا فيها.

المصدر العربي الجديد
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل