أثار المنشور الذي نشرته مجموعة طلاب جامعة حلب في المناطق المحرَّرة مساء الثلاثاء الماضي جدلاً واسعاً، بعد تراجع مجلس التعليم العالي في تركيا YÖK، عن قراره القاضي بالاعتراف بالجامعة كجامعة رسمية يمكن (معادلة شهاداتها) داخل تركيا.
وتواصل موقع أورينت نت مع عدد من طلاب الجامعة والأكاديميين للوقوف على حقيقة الأمر، وقد تبين وبحسب المعلومات بأنَّ الجامعة نشرت إعلان الاعتراف التركي قبل اكتمال الخطوة، إضافة لكون إدراجها بقائمة (يوك) لا يعني الاعتراف بها بشكل رسمي.
وقال “يونس النايف” وهو طالب في جامعة حلب الحرة لـ أورينت نت: “الخطأ الحاصل هو الاستعجال بالإعلان عن خطوة غير مكتملة، ناتج عن حماس الجامعة بنية حسنة”، محمّلاً في الوقت نفسه إدارة الجامعة تبعية هذا القرار وتوضيحه للرأي العام والذي يعدّ تحفيزاً لكسب الطلاب.
كذلك اعتبرت الطالبتان “فاطمة محمد عمايا ومنار النايف” خلال حديثهما لـ أورينت نت، أن اللغط الحاصل جعل الطلاب في حيرة من أمرهم، نتيجة عدم تأكدهم من جدّية القرار، مشيرتين إلى أنَّ القرار المعلن جاء بعد صدور المفاضلة العامة وبالتالي لن يكون له تأثير بارتفاع المفاضلات.
ردود رسمية
أكد مسؤول العلاقات الخارجية في جامعة حلب الحرّة “حسن أبو قصرة” عبر منشور له على فيسبوك: “ملف الاعتراف بجامعة حلب في المناطق المحرّرة تحت الدراسة والتقييم من جديد، والعودة خطوة للخلف أمر طبيعي في ظلّ الظروف التي نعيشها”، مطالباً عبر منشوره بإيقاف الجدل حول موضوع الاعتراف”.
وأضاف: “لا يوجد شيء اسمه جامعة معتمدة وجامعة معترف بها، بل يوجد قائمة تحتوي الجامعات الدولية المعترف بها والمعتمدة، طالما أن الجامعة دخلت هذه القائمة فهي جامعة معترف بها وتعريف “اليوك” للجامعة واضح، أصدقائي الطلاب، بتمنى منكم تهدوا وتوقفوا الجدال والأسئلة عن الموضوع، الملف وصل لمراحل متقدمة، ما بدنا نخسره، وكل شي بوقته حلو”.
أما رئيس الجامعة “عبد العزيز الدغيم”، فقد أكد أن “اعتماد الجامعة تم مصادفة خلال التفاوض مع إحدى الجامعات التركية لتوقيع بروتوكول تعاون مشترك بشأن الكليات الطبيّة، حيث أخبرهم نائب رئيس الجامعة التركية خلال الزيارة بأنه جرى الاعتراف بها، وعند مراجعة قائمة الجامعات، وجدوا اسم جامعة حلب مدرجاً ضمن القائمة.
ما الذي حدث؟
يؤكد “محمد بقاعي” الأكاديمي في جامعتي حلب والشام في مدينة أعزاز لـ أورينت نت: “ملف التعليم العالي مهم جداً وحيوي، وأحد أبرز الصعوبات التي يواجهها هو موضوع الاعتراف، لقد بدأت التساؤلات بعد نشر إعلان إدراج جامعة حلب في قائمة مجلس التعليم العالي التركي، هل هو خطوة كاملة أم لا!
وأضاف: “كان من الأولى التريّث وعدم التعجّل في نشر الإعلان إلا بعد التأكد الكامل والتدقيق، فالموضوع ليس سباقاً والطلاب سيفرحون إن علموا به اليوم أو بعد أسبوع، مشيراً إلى أنَّ أيّ تغيير في طريقة تعامل تركيا مع ملف التعليم العالي في الشمال السوري لن يكون بطريقة الصدفة أو الغفلة أو المفاجأة، بل سيكون قراراً مستداماً ولا يتغيّر بين يوم وآخر”.
فيما اعتبر مدير مركز مداد للدراسات ونائب رئيس مجلس أمناء جامعة حلب في المناطق المحرّرة “د. فواز العواد”، أن “التعليم العالي التركي لا يغيّر قراره بين يوم وليلة، لكن موضوع عدم وجود اسم جامعة حلب على النظام/ System، من الممكن أن يكون مشكلة تقنية”.
ولفت إلى أن موضوع الاعتراف ليس له تأثير على نحو 12 ألف طالب يدرسون في الجامعة، كون سوق العمل لهم في الداخل السوري، ونادراً ما يدخل طالب ليُكمل دراسته العليا في تركيا ويكون لديه وضع قانوني (كملك – إقامة) يسمح له بذلك، فالتأثير معنوي أكثر من كونه مادياً، والموجود لدينا حالياً هو الكتاب الرسمي لإدراجها في قائمة مجلس التعليم العالي التركي”.
وذكر: “تركيا أول دولة اعترفت رسمياً بشهادات الثانوية الصادرة عن الهيئة الوطنية للتعليم عام 2013، ثم عمّمت في العام 2014 قرار اعتراف رسمي بالشهادات الصادرة عن الحكومة المؤقتة التي تمثل المعارضة وهو اعتراف سياسي”، مشيراً إلى أن قرار الاعتراف يعد الأول من نوعه ويعد (قراراً سياسياً)، فالاعتراف بالجامعات في جميع الدول مبني على قرار قانوني بأنَّ الجامعة تتبع للحكومة التي صدرت منها الشهادة.
كما أكد أنَّ موضوع معادلة الشهادة له معايير وشروط ومسار آخر مختلف، يُمكن للخريج عمله إن أراد العمل في تركيا، وهناك طلاب تخرّجوا من جامعات المحرّر وأكملوا تعليمهم في جامعات تركية أو دولية أخرى، كذلك الباب مفتوح أمام جامعة حلب لعقد اتفاقيات مع الجامعات التركية كونها أصبحت قانونياً ضمن مجلس التعليم العالي التركي، وقد حصلت اتفاقيات ثنائية بين جامعة حلب وجامعات تركية مثل كوتاهيا وماردين.
بدوره، اعتبر الأكاديمي “د. عبد الرحمن الحاج”، مدير مؤسسة الذاكرة السورية، أنَّ جامعة حلب لم تتسرّع في إعلان الاعتراف التركي بها، المرفق على موقع مجلس التعليم العالي التركي (يوك)، وهو يُعتبر خطوة متقدّمة للغاية في الاعتراف بالجامعة، وبالتالي بأهلية حاملي شهاداتها.
وقال في حديث لـ أورينت نت: “الاعتراف قانوني وسياسي معاً”، لأنَّ الاعتراف القانوني يجب أن يترتب على اعتراف سياسي، والأساس القانوني لجامعة حلب في المناطق المحرّرة هو الحكومة المؤقتة التي تعاني من ضعف الاعتراف بالوثائق الصادرة عنها، وعلى هذا الأساس، فإنَّ مجلس التعليم العالي اتخذ قراراً بالاعتراف القانوني بناءً على قرار سياسي صادر من جهة أعلى بالاعتراف بالجامعة، مرجحاً أن يكون القرار مرتبطاً بتحسين الوضع في مناطق الشمال السوري، لتقليل دوافع الهجرة والانتقال إلى تركيا، ضمن رؤية جديدة للحكومة التركية حول المنطقة الأمنية التي تسيطر عليها مع الجيش الوطني.
ويرى “الحاج” أن التراجع بالفعل عن القرار له أحد تفسيرين:
•- إما أنَّ طرفاً ما تدخل لوقف هذا القرار، وفي هذه الحالة يصبح السؤال من أوقف القرار؟ هل هو طرف سياسي يريد ألا يزيد من تعكير صفو الأجواء بين نظام أسد وتركيا، وسط الحديث عن اقتراب تحقيق رؤيتها بمنطقة آمنة، أو أنَّه طرف رأى أنَّ هنالك مصلحة وطنية تركية بعدم الاعتراف، هذا السؤال مفتوح ما لم تتلق الجامعة إجابة واضحة.
•- وإمَّا أنَّ مشكلة بيروقراطية تتعلق بالقرار (وهذا يمكن أن يحدث في أيّ موضوع آخر) فتم التراجع عنه لأسباب تتعلّق باستيفاء الشروط، لكن من المبكر الحكم على سبب التراجع عن القرار، لأنَّه من المحتمل أن تكون المسألة “تقنية بحتة”.
من جانب آخر، تداول الطلاب تحليلاً للجدل الحاصل يفيد بـ”عمل أشخاص حول سحب القرار بسبب مشاكل سابقة”، وعن هذا قال الإعلامي أبو بكر السقا خريج جامعة حلب الحرّة لـ”أورينت”: إنَّ الأكاديمي علاء رجب تباب (مؤسس كلية الإعلام في جامعة حلب الحرّة) نشر تسجيلاً مصوراً على صفحته الشخصية، انتقد فيه إعلان الاعتراف بالجامعة، مقلّلاً من أهمية القرار فمن وجهة نظره المهم أن يعترف الطالب بجامعته وليس العكس! معتبراً مقام فرح الطلاب هو “مقام حداد”، فالتدجين السياسي والاجتماعي جعلنا “نعظّم الصغائر على حساب المبادئ”.
وردّ عليه حسن أبو قصرة، بأنَّه “إن كانت لديه مشكلة شخصية مع الجامعة فعليه أن يكون منصفاً ولا يفجر بالخصومة”. وذكر “أبو بكر” أنَّ اعتبار قرار الجامعة نصراً للثورة “مسخرة”، فهو حقّ من حقوق الطلاب ولا يحتمل هذا الكم من التعظيم.
عذراً التعليقات مغلقة