نفى مصدر خاص لـ”العربي الجديد” ما تردد أخيراً عن زيادة الرواتب والأجور للعاملين في الدولة السورية، مرجحاً إصدار رئيس النظام السوري بشار الأسد “منحة بنحو 10 دولارات” قبل عيد الفطر، لأن موارد الخزينة العامة، برأيه، لا تمكن الحكومة السورية من زيادة الأجور.
وأضاف المصدر، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن تقديرات العام الجاري تقول إن عدد العاملين في الدولة يبلغ 1.8 مليون عامل، وتبلغ كتلة الأجور، بعد زيادتي العامين الماضيين، نحو 1.5 تريليون ليرة سورية، بعد رفع الحد الأدنى للأجور من 47 ألف إلى 71.5 ألف ليرة سورية.
ولا ينفي المصدر المسؤول من العاصمة السورية دمشق أن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت خط الفقر بعد ارتفاع الأسعار وتهاوي سعر الليرة السورية، إذ تعدى سعر صرف الدولار في السوق السورية، أمس، 7650 ليرة، وهو أدنى سعر لليرة السورية على الإطلاق.
وأضاف أن كلام وزير المال عن زيادة الأجور كان قبل الزلزال الذي ضرب سورية في شباط/فبراير الماضي، ولكن بعد الزلزال، تبدلت الأحوال وتأجل الموضوع.
وكان عضو لجنة الموازنة وقطع الحسابات بالبرلمان السوري، زهير تيناوي، قد نفى سابقاً ما أشيع حول رفع مجلس الشعب مقترحاً بزيادة الأجور للعاملين في القطاع الحكومي.
وأضاف خلال تصريحات أن مجلس الشعب لا يرفع مقترحات من هذا النوع، لكنه يطالب الحكومة بتحسين الوضع المعيشي للسوريين، لأن “زيادة الرواتب لا تحتاج إلى مقترح، بل تعتمد أساسا على الموارد المرصودة في اعتمادات وزارة المالية لتحسين معيشة العاملين في الدولة، ومن ثم القطاع الخاص”.
من جهته، استبعد أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة، في تصريحات إعلامية، أي زيادة على الأجور قريباً: “لا أعتقد أن هناك زيادة قريبة على الرواتب، لكن نطالب الحكومة بإيجاد مطارح أخرى مثل ما تجرى جبايته من الضرائب بأن تعود بالخير على العامل بالدولة”.
وأضاف حبزة: “كمواطنين أصبحنا نشتهي لقمة الطعام، وهناك من يموت من الجوع ومن يأكل الطعام الفاسد”، مضيفاً أن “الحكومة رفعت الضرائب وزادت من سعر الكثير من المواد، لكن لم نر انعكاسات ذلك على المواطن”.
وتشهد الأسواق السورية ارتفاعاً بأسعار السلع والمنتجات بأكثر من 100% عن رمضان العام الماضي، ما زاد نسبة الفقراء عن 95% من السكان بحسب الاقتصادي السوري عبد الناصر الجاسم، الذي يكشف لـ”العربي الجديد” أن رواتب السوريين هي الأقل على مستوى العالم، حيث بات الحد الأدنى للأجور أقل من 10 دولارات شهرياً.
وفي حين يرى الجاسم أن الخزينة العامة بسورية تعاني “الإفلاس” بسبب تراجع ثلاثية المواد الكلاسيكية “نفط، ضرائب، فوائض المؤسسات الحكومية”، ما يعني عدم قدرة الحكومة على رفع الأجور، يؤكد أن سياسة بشار الأسد تنطلق أصلاً من زيادة التجويع ودفع السوريين للبحث عن قوت يومهم.
وأضاف الجاسم أن التحويلات الخارجية هي العامل الوحيد الذي يبقي السوريين على قيد الحياة، لأن الراتب لا يكفي للعيش يومين اثنين، مقدراً ارتفاع التحويلات الخارجية خلال شهر رمضان.
ويبلغ عجز الموازنة العامة للدولة في سورية للعام الجاري، بحسب تصريح سابق لوزير المالية في حكومة النظام السوري كنان ياغي، نحو 4860 مليار ليرة سورية، مشيراً إلى أن تغطية هذا العجز ستكون عبر القروض الداخلية من البنك المركزي (سندات الخزينة) بمبلغ 4059 مليار ليرة، وعبر أوراق مالية حكومية مطروحة على المصارف السورية بمبلغ 800 مليار ليرة، وقرابة 590 مليون ليرة عبر قروض خارجية.
وادعى نظام بشار الأسد أن موازنة عام 2023 البالغة 16,550 مليار ليرة سورية أعلى بنسبة 24.2% من موازنة العام 2022 وبنسبة 1882% من موازنة العام 2011، لكنها في الواقع أقل بنسبة 16% من موازنة العام 2022 إذا قوّمت بالدولار، فضلًا عن أنها الأقل على مدار السنوات الماضية وبنسبة 80% من موازنة 2011، حيث اتخذت الموازنة منحى تنازلياً منذ العام 2011 لدى تقويمها بالدولار.
وتنص موازنة العام الجاري على رفع كتلة الرواتب والأجور والتعويضات بنحو 2,114 مليار ليرة بزيادة قدرها 33% عن موازنة العام 2022، ويعد هذا، برأي خبراء، أحد العوامل الأساسية التي تغذّي التضخم والعجز في الموازنة، وبالتالي ستسمح الموازنة بزيادة الأجور بمقدار الثلث، والتي، وإن تحققت، بالكاد تكفي أسبوعا من الشهر، ما يدفع العمّال والموظفين لتقديم استقالاتهم وانخراط الشباب في أعمال غير مشروعة أو الهجرة للخارج أو اتباع استراتيجيات شظف العيش، كما يقول الخبراء.
ويعاني السوريون من هوة ساحقة بين الدخل والانفاق، ففي حين لا يزيد الحد الأدنى للأجور عن 71 ألف ليرة، ومتوسط الأجور عن 92.5 ألفاً، بلغ متوسط معيشة الأسرة المكوّنة من خمسة أفراد أكثر من 5.6 ملايين ليرة سورية (والأدنى نحو 3,546,083 ليرة سورية) وذلك مع انتهاء الربع الأول من عام 2023، بحسب ما نشر مركز “قاسيون” من دمشق أخيراً.
ويشير المركز وفق ما نشرته صحيفة “قاسيون” إلى أن هذا الارتفاع يجري بينما لا يزال الحد الأدنى للأجور شديد الهزالة وغير كافٍ لتغطية أي شيء فعلياً من أساسيات الحياة.
وتتمثل طريقة المركز في حساب الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة سورية من خمسة أشخاص بحساب الحد الأدنى لتكاليف سلة الغذاء الضروري.
وتمثل تكاليف الغذاء نحو 60% من مجموع الحد الأدنى لتكاليف معيشة الأسرة، بينما تمثل الـ40% الباقية الحاجات الضرورية الأخرى للأسرة مثل السكن، والمواصلات، والتعليم والصحة وغيرها.
عذراً التعليقات مغلقة