أثار طلب رأس النظام السوري، بشّار الأسد، خلال زيارته موسكو، توسيع الوجود الروسي في سورية الدهشة والاستغراب، فالمتوقع هو حصول العكس، على ضوء تراجع التهديدات العسكرية ضده، بحيث باتت احتمالات سقوط نظامه بعيدة جداً، نظراً إلى موازين القوى والروافع الإقليمية التي تدعم نظامه، وانكفاء الخصوم وبحثهم عن مقاربات جديدة للتعامل مع النظام.
الطبيعي، في ظلّ هذه المعطيات، أن يطلب الأسد من الروس، بعد أن يشكرهم على ما قدّموه من مساعدة إنقاذية لنظامه، ومراعاة لظروف الحرب الأوكرانية التي تستنزفهم، ألا يشغلوا أنفسهم كثيراً في الساحة السورية، ويحوّلوا جهدهم الى حيث هم بحاجة له أكثر، بدل أن يعطيهم دروساً عن الاستراتيجية وتوازنات القوى الدولية، بل ويرشدهم إلى الأدوات التي يجب أن تستخدمها الدول العظمى في حماية مصالحها، وأهمية القواعد الخارجية في هذا الإطار!
يدرك الأسد هامشية حجمه في المعادلات الدولية الراهنة، فضلاً عن حقيقة كونه قائداً فاشلاً ومخطّطاً بائساً، ليس هو فقط، بل نظامه بالكامل، بسبب الذهنية التي يعمل بها هذا النظام، وقراءته السيئة لاتجاهات الأحداث وتقييمه الوقائع وتطوّراتها. وربما يرى بعض من يؤيده أن العكس هو الصحيح، ما دامت الأمور تُقاس بنتائجها، والدليل أنّه استطاع الصمود وما زال في كرسي الحكم. بالطبع هنا لا يستقيم هذا التقييم من دون النظر أيضاً إلى النتائج التي صنعها صموده وبقاؤه على كرسي الحكم، والمتمثلة برهن سورية لإيران وروسيا إلى آجال بعيدة جدا، فضلا عن خراب البلاد بدرجة يتعذّر معها إصلاحها.
ويعرف أيضاً أنّ الروس، خصوصاً الخبراء العسكريين والاستراتيجيين، الذين أطلق عليه أحدهم لقب” ذيل الكلب” خير من يعرف هشاشة تفكيره السياسي والعسكري، فأين له اجتراح خرائط طرق لهم للسير في طريق التوازنات الدولية، وفي هذه الظروف التي تنوء بها روسيا تحت ضغط الحرب الأوكرانية، وتعاني من ندرة على مستوى الموارد المالية والأسلحة والمقاتلين؟!
اصطحب بشار الأسد معه في الوفد إلى موسكو ابنه حافظ الأسد، ليوصل رسالة إلى بوتين بأنه سيكون التالي في حكم سورية
ثمّة ترجيحاتٌ بأنّ وراء طرح الأسد عوامل محدّدة، في الأغلب مخاطر، برزت في المرحلة السابقة، دفعته إلى الطلب من روسيا توسيع وجودها في سورية، وهذه العوامل:
- شعور الأسد بتهديدات خارجية من شأنها إسقاط نظامه، وعلى الرغم من عدم ظهور مؤشّرات بارزة بهذا الخصوص، حيث لا استعدادات لدى الأطراف المعنية، الولايات المتحدة وحلفائها، بهذا الخصوص، في ظل انشغالها بالحرب الأوكرانية، كما أن المعادلات في سورية، بوضعها الحالي، مريحة لها، فالصراع متجمّد ويصعب تغيير خطوطه، فإنّ الأسد قد تكون له قراءات مختلفة، ربطاً بالبيانات المتشدّدة الصادرة عن واشنطن وحلفائها في الآونة الأخيرة، وزيارة رئيس الأركان الأميركي، مارك ميلي، إلى قاعدة التنف.
- تقديره وجود مخاطر داخلية بدأت بالتبلور ضد نظام حكمه، سواء ما تعلق منها باحتمال انطلاق ثورةٍ جديدةٍ بعد وصول الأوضاع الداخلية إلى حالة من التردّي يصعب التعايش معها، إلى درجة قد يصبح الإقدام على مخاطرة الثورة على النظام أقل تكلفة من احتمالها، أو تخوّفه من فلتان في الجيش والأجهزة الأمنية، نتيجة استمرار حالة عدم الاستقرار وعدم وجود ضوء في نهاية الأفق لنهاية حالة الاستنفار المديدة، أو احتمال نشوب صراع الأجنحة ومراكز القوى وانفلات الأمور من سيطرة الأسد، وهذه احتمالات قائمةٌ في ظل وضع هشّ وحالة من عدم الرضا من أفعال وسلوكيات فاعلين آخرين ينافسون جيش النظام وأجهزته على السيطرة في سورية، مثل مليشيات إيران وأذرعها، في دمشق وحلب ومدن الحدود مع العراق ولبنان.
انحطاط لم يفعله أشباه الزعماء في أشباه الجمهوريات المعروفة عبر التاريخ
- شعور الأسد بأن روسيا نفسها قد تتنازل عنه، وربما استشفّ ذلك من خلال إصرارها على إقامة ترتيبات بين تركيا ونظامه، بما تعنيه تلك الترتيبات من وجود مفاوضات حول مناطق الشمال السوري، والتي حكما ستكون عبر مفاوضات لتقاسم السلطة مع المعارضة، ربما لن يكون ذلك طبقا للقرارات الأممية، ولكن هذا، بالنسبة للأسد، تطوّر خطير. وفي حساباته أن الخطوة التالية ستكون إبعاده عن السلطة مع بقاء نظامه. ربما لهذا السبب، اصطحب معه في الوفد إلى موسكو ابنه حافظ الأسد، ليوصل رسالة إلى بوتين بأنه سيكون التالي في حكم سورية. وفق ذلك، قد يكون الأسد، وبطلبه توسيع الوجود الروسي، أراد القول لبوتين، إنه إذا أردتم ضمان وجودكم طويل الأمد واستمراره في سورية، عليكم دعم الوريث، والاستعداد لهذه المهمة عبر زيادة القواعد العسكرية.
الاحتمال الأخير، أن يكون مدفوعاً بطلب من إيران وحزب الله اللبناني، فالوجود الروسي يمثل مظلة لهما، لاستكمال مشروعهما في سورية واستقرار وجودهما، إذ تسيطر إيران، بفضل الروس، بشكل مطلق، على حلب ومدن شرقي سورية، في حين يسيطر حزب الله على مساحات هائلة في القلمون والقصير وريف دمشق الغربي. بالإضافة إلى ذلك، تستشعر إيران احتمالات حصول ضربات، وربما حرب إسرائيلية قادمة قد تطاول وجودها في سورية، وترى أنّ توسيع الوجود الروسي في سورية قد يشكّل عنصر حماية لها.
أيّاً تكن طبيعة الأسباب والدوافع وراء طلب الأسد توسيع الوجود الروسي في سورية، فهذا نمط جديد من الانحطاط لم يسبق أن فعله أشباه الزعماء في أشباه الجمهوريات المعروفة عبر التاريخ، حتى هؤلاء، كانت لهم أشواق للتخلّص من نير سيطرة أسيادهم، لا طلب المزيد منها ورهن أوطانهم للمجهول.
عذراً التعليقات مغلقة