انبرت فئة من السوريات للعمل من أجل تعافي الناجيات من الاعتقال وإعادة تأهيلهن ليعاودن ممارسة الحياة الطبيعية من جديد، في وقت يواصل نظام الأسد احتجاز 8473 سيدة في سجونه إضافة إلى احتجاز 1696 سيدة في سجون بقية سلطات الأمر الواقع في سوريا.
وفي يوم المرأة العالمي وذكرى الثورة السورية الـ12، نحاول تسليط الضوء في هذا التقرير حول عمل التجمعات والروابط التي تعنى بالناجيات من الاعتقال، وتأثيرهم ومساهمتهم في تعافي النساء، وأبرزها “رابطة عائلات قيصر”.
ياسمين المشعان، مسؤولة التواصل والتنسيق في رابطة عائلات قيصر، تقول في تصريح لـ”آرام”: “كنت من مؤسسي الرابطة منذ البداية واستلمت مهمة التنسيق والتواصل بين الأعضاء، أنا مؤمنة أنَّ مطالبة أصحاب الحق بحقوقهم ستكون مثمرة لأنَّهم لن يكلوا أو يملوا حتى تتحقق أهدافهم بالعدالة”.
وحول أهداف الرابطة، تذكر مشعان أنَّ الأهداف متعددة منها “دعم العائلات القانوني والنفسي، إطلاق سراح المعتقلين، محاسبة المنتهكين”، حتى الوصول إلى سوريا التي حلمنا بها منذ انطلاق الثورة، مضيفة: “من المهم لعملنا السعي الدائم والمستمر لتوضيح جريمة التعذيب في معتقلات النظام وتخليد ذكرى أحبتنا وإصرارنا على أنّ لهم عائلات تبحث عنهم وتطالب بالإفراج عنهم أو بقبور لهم، فليسوا أرقاماً”.
وتشير إلى أنَّ الرابطة تضم 70 شخصاً نصفهم من النساء، وتديرها سيدة وبشكل أساسي تضم الهيئة الإدارية خمسة أعضاء ثلاث منهم نساء، ووجودهم، حسب مشعان، حيوي بالرابطة وأدوارهم فاعلة وليس مجرد نسبة (كوتا).
ميثاق الحقيقة والعدالة
الرابطة هي جزء من ميثاق الحقيقة والعدالة، هذا الميثاق يتكون من عشر روابط وتجمعات “رابطة عائلات قيصر، رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا، تعافي، عائلات من أجل الحرية، عائلات الحقيقة والعدالة، مسار، حررني، تآزر، الاتحاد العام للمعتقلين، رابطة سجن عدرا”.
وجمعيهم تصب أهدافهم بالعمل على كشف مصير المفقودين والمختفين قسراً، كـ أولويات، فطريق العدالة لا بدّ أن يبدأ من معرفة المصير وصولاً للمحاسبة، وبالتالي عدالة لكل المجتمع السوري، وفقاً لـ مشعان، مشيرة إلى أنَّ مجموعة الميثاق تسعى إلى إنشاء “مؤسسة دولية معنية بكشف المصير”، مضيفة: “نحن قريبون جداً من تحقيق هذا الهدف”.
تجمّع “الناجيات”
في الشمال السوري أسست المعتقلة السابقة، سلمى سيف، “تجمّع الناجيات”، بمبادرة عام 2018 تحت اسم المعتقلات، وفي الشهر السابع من العام 2019 كانت الانطلاقة الفعلية عبر أول مؤتمر بمدينة إدلب واختير اسم “الناجيات” ليمثل المعتقلات السوريات المفرج عنهن.
تقول سيف، في تصريح لـ”آرام”: إنَّ التجمّع يضم حالياً 175 ناجية من الاعتقال، وهناك مركزين في إدلب وعفرين، ونحاول ضم المعتقلات المتواجدات في الخارج، أمّا أعماله فكلها تطوعية من قبل سبع متطوعات ناجيات، باستثناء مشروع واحد تم تأمينه مادياً.
يمكن تسمية العمل “حقيبة متكاملة من الدعم النفسي” حتى تحقق الناجية أهدافها في الاستقرار المعيشي وهي تسمّى مرحلة التعافي، حسب سيف، مضيفة: إنَّ “التركيز على الجانب التعليمي”، حالياً لدينا 12 طالبة جامعية و30 طالبة بكالوريا وتاسع قررن إكمال الدراسة بعد انقطاع سنوات، إضافة إلى دورات محو الأمية للكبيرات بالسن.
توضح سيف، أنَّ التجمّع عبر أنشطة فردية جمع تبرعات افتتح من خلالها سبعة مشاريع إنتاجية، مستدركة: لكن “على أمل أن نؤمن فرص عمل لجميع الناجيات كي يستقر وضعهن المعيشي، فضلاً عن تأمين الجانب الإغاثي والعلاجي”.
وعن هدف التجمّع تقول: “نحن في التجمّع هدفنا التعافي للناجيات من تجربة اعتقال قاسية وتخطيها لتعود النساء إلى حياتهن الطبيعية، والتأكيد على أنَّهن لا يردن التعاطف وحصر مهامهن على أنّهن مظلومات”.
وخلال الآونة الأخيرة، قامت ناجيات من التجمّع بزيارة مراكز إيواء ومستشفيات لتقديم الدعم المتاح لهن للمنكوبين من الزلزال، دون التطرق لكونهن معتقلات، بل نساء عاديات يؤدين دورهن مثل بقية حرائر الثورة.
وتردف سيف، أنَّ ظرفهنّ كناجيات من الاعتقال حملهنّ مسؤولية توصيل صوت المعتقلات، فالإجرام يجب ألا يستمر، موضحة أنَّ التجمّع أكثر من كونه للتعافي، فهو دائماً يسير على خطة واحدة نسعى لها ليتم الإفراج عن جميع المعتقلات في السجون السورية، وتعافي المفرج عنهن بشكل تام.
واحدة من الصعوبات تذكرها سيف، هي انعدام الدعم المادي، وهناك متطوعات يردن حضور مناسبات ونشاطات لإثبات وجودهن في التجمّع وهنّ في أماكن بعيدة لا يوجد معهن أجار الطريق، مشيرة إلى أنَّه خلال خمس سنوات استطاع التجمّع تأمين دعم لعام واحد لمشروع توظفت من خلاله ثلاث نساء.
تحديات وصعوبات كبيرة تواجه عمل “تجمّع الناجيات” وغيرها من مراكز التعافي، ليست فقط المادية، بل اجتماعية، وخلافات طبيعية بين القائمين، مضيفة: “نحن نصعد الجبل خطوة خطوة، نحاول عدم الرجوع للوراء، في كلّ سنة نتطور ونتعلم أكثر لنرتقي على مستوى أكاديمي ومؤسساتي”.
الجدير بالذكر أنَّ سلمى سيف (32 عاماً)، تنحدر من حي القابون الدمشقي، خريجة معهد المعلوماتية، اعتقلها النظام لمدة ستة أشهر عند مرورها على حاجز في وادي بردى، تعرضت خلالها لشتى أنواع التعذيب، ورغم قضاء النظام على فريقها الأول لدعم النازحين وتأمين احتياجاتهم في منطقتها، إلا أنَّها استطاعت التعافي وإنشاء فريقها الجديد الذي تؤمن بضرورته لمساعدة مثيلاتها.
كذلك، ياسمين مشعان المنحدرة من دير الزور وتقيم في ألمانيا، هي واحدة من الكثيرات اللواتي علموا بوفاة أحبائهن في معتقلات نظام الأسد من خلال “صور قيصر”، حيث تأكدت من مقتل أخيها “عقبة” تحت التعذيب من خلال صورته المسربة، وأخوها “بشار” غيّبه “داعش”، فضلاً عن مقتل ثلاثة من إخوتها برصاص النظام في دير الزور.
تمثّل سلمى وياسمين، واحدة من التجارب النسائية التي كانت وما زالت فاعلة في الحراك الثوري والنضالي لدعم المعتقلين، القضية الأبرز في الملف السوري.
Sorry Comments are closed