أدّى الزلزال المدمّر في جنوبي تركيا وشمالي سوريا، يوم السادس من شهر شباط الجاري، إلى حالة من الفوضى والعشوائية في توزيع المساعدات للمنكوبين واستغلال بعضهم لتلك الحالة، لا سيما شروط التوزيع بأن يكون المتضرّر في الخيم الجديدة، مع غياب الحوكمة وضعف أداء الحكومة السورية المؤقتة عبر المجالس المحلية في ضبط الفوضى.
ويؤكّد شهود عيان لـ موقع تلفزيون سوريا، قدوم بعضهم من منازل أو من مخيّمات غير متضررة من الزلزال، إلى مناطق توزيع الخيم على المتضررين في ريفي إدلب وحلب، خاصة أطراف مدينة جنديرس المدمّرة نتيجة الزلزال في منطقة عفرين شمال غربي حلب، ليكونوا مع متضرّري الكارثة كسباً للمساعدات.
لؤي اليونس – أحد إعلاميي مركز جنديرس الإعلامي – قال لـ موقع تلفزيون سوريا: “لاحظنا قدوم كثير من العائلات غير المتضررة من الزلزال إلى جنديرس، وبعد التأكّد من حالة عدد منهم، فكّكت الشرطة العسكرية عدداً من الخيم للأشخاص غير المتضررين، القادمين من مناطق إدلب وعفرين واعزاز، بهدف الحصول على مساعدات إنسانية مقدّمة في الأساس إلى المتضررين”.
وأشار اليونس إلى أنّ “1050 عائلة تحتاج إلى خيم إيواء حالياً بعد تأمين 3500 عائلة في مخيمات مخدمة نسبياً، لكن إحدى نقاط الإيواء موجودة في الحي القديم قرب التل بجنديرس، فيها أكثر من 250 عائلة لا يوجد لديهم حمامات، ما يخلق كارثة كبيرة تضاف إلى الكوارث السابقة”.
من جانبه، أوضح رئيس الشرطة العسكرية في جنديرس إبراهيم الجاسم لـ موقع تلفزيون سوريا، أنَّ عملية التدقيق على الأشخاص المتضررين من الزلزال بدأت بعد حصر سكّان مراكز الإيواء التي وصل عددها إلى 52 مركزاً، إذ توجهت الفرق إلى أحد المراكز المؤلفة من 30 خيمة وضُبط أحدهم من ريف حلب الجنوبي وقد جلب أقاربه بقصد إسكانهم وأخذ المساعدات، ومؤخّراً أُزيل المخيم بتنفيذ من الشرطة وسُلّمت الخيم إلى هيئة الطوارئ والكوارث التركية (آفاد)، التي تولّت عملية الإحصاء”.
وأشار الجاسم إلى تشكيل غرفة عمليات لإدارة الكارثة في جنديرس من عدة مؤسسات هي: “المجلس المحلي، آفاد، الشرطة العسكرية، الشرطة المدنية، الجيش الوطني، الدفاع المدني (الخوذ البيضاء)”، وذلك بعد انتهاء عمليات الإنقاذ وتدفق المساعدات، حيث سعت فرق الاستجابة الطارئة إلى تخديم جنديرس بعدد من الخيم ومراكز الإيواء، مؤكداً أنَّ “العمل جارٍ في مراكز الإيواء، فلا يزال هناك كثير من المعوقات تتم متابعتها حتى الانتهاء منها”.
في ريف إدلب، قالت ياسمين عرموش -إحدى المتطوعات في مراقبة توزيع المساعدات- : “شاهدنا نسبة قليلة من الناس غير المتضررين من الزلزال ينتشرون في الطرقات وتحت أشجار الزيتون، بالقرب من مخيمات المتضررين، وذلك من أجل الحصول على المساعدات”.
وفي حديثها لـ موقع تلفزيون سوريا، أرجعت عرموش السبب إلى حاجة سكّان المنطقة الذين معظمهم من الفقراء أو تحت خط الفقر، موضحةً: أنَّه “شعب منكوب منذ 12 سنة قد استهلك كل شيء، إضافة إلى قلة فرص العمل وقلة الأجور التي لا تتجاوز اليومية منها 30 ليرة تركية”.
أسباب الفوضى والعشوائية
بحسب ما قال رأفت فرزات – أحد المتطوعين في العمل الإغاثي بمنطقة عفرين – لـ موقع تلفزيون سوريا، فإنّ أسباب انتشار الفوضى في توزيع المساعدات هي:
- غياب السلطة الواحدة المنظمة للعمل في أثناء الطوارئ والكوارث، حيث كان للعمل الشعبي الدور الأول بعد الدفاع المدني الذي سارع بآلياته ورجاله إلى المناطق المنكوبة، ولكن المصاب وحجم الكارثة كان أكبر من قدرتهم وإمكاناتهم.
- سارعت الفرق التطوعية المحلية والسكّان المحليين للمساعدة في انتشال الناس من تحت الأنقاض ومساعدة الناجين بما أمكن ضمن الإمكانات المتوفرة.
- جمع السكّان في المناطق الأقل تضرّراً، التبرعات العينية والمادية لإغاثة المنكوبين من الزلزال بأسرع ما يمكن.
- غياب الدعم الدولي والإقليمي وغياب دور الأمم المتحدة بشكل كامل.
- كثرة الفرق التطوعية وغياب التنظيم.
- كثرة ضعاف النفوس من المتسلقين على مصاب المنكوبين.
ووفق “فرزات”، هذه الأسباب أدّت إلى ضياع قسم كبير من التبرعات النقدية والمادية لمن لا يستحقونها، وخاصة بعض أهالي المخيمات غير المتضرّرين في محيط جنديرس وأطمة، الذين انتقلوا إلى جنديرس أملاً بالاستفادة من المساعدات.
وأضاف: “باتوا يتهجمون على قوافل المساعدات ويستولون عليها، ما دفع الشرطة العسكرية للتدخّل في بعض الأحيان لتفرقة الناس وحماية المعونات الخاصّة بالمتضرّرين”.
المحامي محمد سليمان دحلا – المقيم في عفرين – أشار إلى أسبابٍ أخرى، إذ يرى أنَّ “سياسات المانحين في الاستجابة لمتضرّري الزلزال تشجّع عن قصد أو عن غباء على زيادة المساحات البيضاء والزرقاء (المخيمات) التي يُفترض التخلُّص منها، بسبب اشتراط توجيه الإغاثة إلى المخيمات، ما دفع بعض ضعاف النفوس لجمع عائلاتهم في مخيّمٍ جديد لاستجرار الدعم”.
ويقول المحامي لـ موقع تلفزيون سوريا: إنّ “غالبية قاطني الخيام الجديدة بعد الزلزال هم إمّا من سكّان مخيمات سابقة أو من أصحاب الأضرار الطفيفة وكلّ ما يحتاج إليه منزلهم القليل من أعمال الترميم، والنسبة الأقل هي من المتضرّرين المباشرين”.
وتابع: “من الأفضل أن تستهدف مشاريع الترميم وتُقدّم المساعدات الإغاثية إلى المجتمعات المحلية عبر التجمعات والروابط واللجان الأهلية، وعدم حصرها بسكّان الخيام”، مشيراً إلى أنّ ذلك ما فعله هو كمنسّق عام لـ”رابطة مهجّري زملكا”، موضحاً أنّ “الرابطة أمّنت عبر متبرعين كمية من الإسمنت والبلوك، وطلبت من العائلات التي بيوتها متصدعة وتحتاج إلى ترميم أن تأتي لتأخذ حاجتها، لكن الاستجابة كانت بطيئة، بسبب شروط توزيع المساعدات في الخيم”.
وأوضح أنَّ عدد عائلات زملكا 423 عائلة في الشمال السوري، أكثر من نصفهم يقيمون في مناطق عفرين ومعبطلي وجنديرس، من بينهم 6 منازل هُدّمت بشكل كلّي، و71 منزلاً بشكل جزئي تحتاج إلى ترميم.
الحلول المقترحة
بحسب رأفت فرزات – أحد المتطوعين في العمل الإغاثي بمنطقة عفرين – على المجلس المحلي أن يأخذ دوره بشكل مباشر لتنظيم عمل الفرق والمنظمات، وتشكيل فريق استجابة طارئة ينظّم عملها بالتعاون مع مؤسسة الشرطة المدنية والعسكرية، لحماية المساعدات وإيصالها إلى مستحقيها، والاعتماد على قوائم المكاتب الإغاثية بالمجالس المحلية.
وفي هذا السياق، يؤكّد عضو المكتب القانوني في مجلس عفرين المحلي، المحامي محمد حاج عبدو، وجود عشوائية في توزيع المساعدات، موضحاً أنَّ سببها يعود إلى أنَّ الجهات التي تنشئ المخيمات تعتمد على المناطقية في مصدرها ومآلها ولا تمرّ عبر المجلس المحلي للمنطقة.
وقال حاج عبدو لـ موقع تلفزيون سوريا: “حتى اليوم، وقّع المجلس المحلي في عفرين، ثلاث مذكرات لثلاثة مخيمات في (البازار القديم والكراج ومدرسة السواقة)، وفي هذه المخيمات سجل لأشخاص من ذوي الاحتياج بعد التأكد ما أمكن من أحقية مستحقيها، بينما خارج هذه المخيمات لم تكن عن طريقنا، وبعضها وُضعت الخيم على أملاك خاصة، وتقدّم أصحاب الأراضي بشكوى للمكتب القانوني، بسبب إيذاء ممتلكاتهم، خاصة الأشجار”.
وأوضح أنَّ “المجلس المحلي لا يمكنه في هذه الظروف اتخاذ إجراءات منع إنشاء أي مخيم لأنه لا يملك البديل، كما أنَّه من السهل حشد الناس ضده وإظهاره بأنه (غير إنساني)”، مشيراً إلى أنَّ الاستجابة لكارثة الزلزال سمحت للمنظمات بالعمل من دون بيانات أو حتى إذن عمل، حيث تضاعفت أعداد المنظمات والجمعيات والفعاليات الخاصة التي تعمل من أجل المنكوبين.
وتابع: “نحن في المجلس وجدنا أنَّ تأمين الاحتياج أهم من ضبطه بالقرارات حالياً، وأنَّ التنظيم هو مرحلة قادمة عندما تهدأ الأمور ويعود من يسكن الشارع خوفاً من الهزات الأرضية وليس بسبب الحاجة والضرر اللاحق لبنائه”.
وبحسب “حاج عبدو” فإنّ المجلس المحلي يحاول ضبط عمل المنظمات بطريقة التنسيق وليس المنع، فإنَّ اللجان الهندسية تستطيع كشف من لم يتأذ منزله، بينما من يخاف سكن المبنى بسبب تكرار واحتمال الهزات فهذا ما تحكمه غريزة الخوف المسيطر حالياً، لافتاً إلى أنَّ العمل الهندسي تركز على حي عفرين الجديدة الأكثر تضرراً في المدينة، وبقية الأحياء لم تتأثر إلا بنسبة بسيطة، ويكون الكشف بحسب طلب صاحب العلاقة.
كثرة الطلب على الخيم
يدعو ناشطون بشكل يومي على مواقع التواصل الاجتماعي إلى تلبية الحاجة في الحصول على مزيد من الخيم، لأنّ الذين يخافون المبيت في منازلهم المتصدعة من جرّاء الزلزال أو الذين تهدّمت منازلهم، جميعهم يحتاجون إلى خيمة، إضافة إلى محاولة بعضهم إقامة خيمة أمام منزله يأوي إليها عند الهزّات الأرضية التي تكرّرت كثيراً.
ملاذ الحمصي – أحد الإعلاميين في مدينة الباب – يقول لـ موقع تلفزيون سوريا، إنَّ “الحاجة للخيم كبيرة جداً، وهناك أكثر من 20 عائلة يعيشون في بيوت متصدعة أساساً بقصفٍ سابق للنظام في بلدة تادف شرقي حلب، وهي بلدة تفصل بين مواقع قوات النظام والفصائل، لذلك يصعب على المنظمات، الوصول إلى تلك العائلات المتضرّرة.
وتابع: “نحاول وفق مجهود ذاتي تأمين الخيم لهم، والتي ارتفع سعرها – استغلالاً للحاجة – أضعاف ما كانت عليه، فالخيمة 3بـ4 أمتار سعرها 120 دولاراً، و4بـ6 أمتار 170 دولاراً”، مشيراً إلى أنَّ 75% من الخيم صناعة محلية، التي تعاني أساساً من نقص المواد الأولية وأبرزها الحديد، بينما الاستيراد يكون للمنظمات التي تبني مخيمات جديدة في ساحات بعيدة.
يذكر أنّ الدفاع المدني السوري وثق في تقريره، قبل أيام، تشريد الزلزال المدمّر، بشكل مباشر أكثر من 40 ألف عائلة في العراء أو في مخيمات إيواء مؤقتة بنيت على عجل وبظروف طارئة، يهددها ضعف البنية التحتية ومرافق الإصحاح وافتقار الكثير منها لمقومات الحياة ووسائل التدفئة في ظل الأجواء الشتوية التي يمر بها شمال غربي سوريا.
Sorry Comments are closed