ربّما يختلف الكثيرون في العديد من القضايا الاجتماعية والسياسية وغيرها، وهذا هو الأمر الطبيعي للحياة البشرية، لكن هناك قضايا مصيرية يتفق عليها الجميع لا سيّما الأخلاقية ومن أبرزها المرأة.
في المجتمع المحلّي أو العربي، نجد ظلماً كبيراً بحقّ الأنثى، رغم أنَّ دورها في الحياة لا يقل أهمية عن الذكر فهما خُلقا ليُكملا بعضهما البعض (وليس الذكر كالأنثى/36 آل عمران) ويتساويان في الحقوق والواجبات (إنا خلقناكم من ذكر وأنثى/13 الحجرات).
كما أنَّ المجتمع الغربي لا يخلو من العنف ضدها، فالأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال قبل أيام: إنَّ “النساء والفتيات يواجهن عنفاً متفشياً عبر الإنترنت (…) في كل 11 دقيقة، تُقتل امرأة أو فتاة على يد شريك أو أحد أفراد الأسرة”.
نُلاحظ كيف يتخذ البعض من جسدها سلعة لجلب الأرباح، بينما يُريد الآخر وأدها على غرار حياة الجاهلية. في حين تلعب بعض المنظمات النسوية دوراً ظاهره دعم المرأة وباطنه وأدها من نوع آخر، إذ تقوم على تهميش الرجل وجعله فزاعة تقف أمام تحقيق أحلامها.
ورغم برامج التوعية وانتشارها على مواقع التواصل الاجتماعي أو الندوات الفيزيائية، حول دور المرأة والقضاء على العنف ضدّها، وإقرار الأمم المتحدة عام 1991 حملة سنوية لستة عشر يوماً من العمل لمكافحة هذا العنف تبدأ في “اليوم الدولي للقضاء على العنف ضد المرأة” الذي يوافق 25 نوفمبر/ تشرين الثاني وتستمر إلى 10 ديسمبر/كانون الأول وهو “اليوم العالمي لحقوق الإنسان”.
إلا أنَّ العنف ضد المرأة مستمر بل ويتزايد ليأخذ مصطلحات جديدة عبر العنف الرقمي أو الابتزاز الإلكتروني الذي بات دارجاً وشائعاً مع اتساع دائرة وسائل التواصل الاجتماعي، ولا يقل خطورة عن العنف الأسري، وربّما الأشد خطراً على المعنّفة أن يلجأ المعنّف لها إلى تهديدها وابتزازها عبر وسائل التواصل مستقطباً الجمهور غير المدرك للمشكلة، في سبيل أن ترضخ لمطالبه.
وفي مُجمل أشكال العنف ضد المرأة (جسدي، لفظي، جنسي، عاطفي، نفسي، اقتصادي، رقمي)، تبقى الوصمة المجتمعية ترافق المرأة السورية حتى بعد لجوئها إلى بلدان أخرى، هذه الوصمة التي تمنعها من البوح بما تتعرّض له من أذى، بسبب الصورة النمطية السائدة في المجتمع الذي يلقي اللوم على المرأة ضمن مبدأ يحقّ للذكر ما لا يحقّ للأنثى، أو كما يقول المثل: “فرفور ذنبه مغفور”.
وسط غياب القانون في الداخل السوري وخوف المرأة من اللجوء إلى القضاء في بلدان اللجوء، فكم من امرأة تتعذّب يومياً دون أن يسمعها أحد، وكم من امرأة قُتلت تحت تأثير العنف الجسدي أو العنف النفسي الذي سبّب لها أمراضاً مميتة، ناهيك عن تزايد المظاهر غير الأخلاقية بسبب استغلال حالة الفقر، خاصة لفئة الأرامل والمطلقات لا سيّما في مخيمات النزوح.
وعندما تحصل أيّ مشكلة نجد الشتائم جاهزة فوراً لتنتهك عرض المرأة وحتى إن كان المستهدف من الشتيمة رجلاً فقد يشتم بأمه وأخته وزوجته، بقولهم يا أخو فلانة يا ابن فلانة بسفاقة، فما بالك بالمرأة المستهدفة بذلك. في مجتمعنا يحكمون على الأنثى فقط كونها أنثى، أين العدل إن كانت مخطئة فلتحاسبوها على خطئها دون التطرّق لشرفها وجسدها.
ولا ننسى المعتقلات في السجون السورية، اللواتي يتعرّضن لأشد أنواع العنف والاغتصاب لأزلام نظام الأسد، إذ وثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” في تقريرها السنوي الحادي عشر عن الانتهاكات بحقّ الإناث في سوريا، أنَّ ما لا يقل عن 28761 أنثى قتلت منذ آذار/مارس 2011، 94 منهن بسبب التعذيب، و11141 أنثى قيد الاعتقال، إضافة إلى تسجيل 11526 حادثة عنف جنسي.
يتفق كلّ عاقل على أنَّ الإنسان سواء ذكر أو أنثى خلقه الله مكرّماً وحرّاً وليس لأحد سلطة عليه تقيّده، وله الحقّ بأن يختار لباسه ودينه ومعتقداته، ومن المعيب السخرية منه والتنمّر عليه، وليس من حقّ أحد أن يعنّف أحد تحت أيّ بند كان، وتؤكد المادة 5 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان “لا يجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة بالكرامة”.
المؤسف أنَّ الشخص ينظر لغيره حسبما يرى نفسه وهذا نظر خاطئ، فطبيعة حياتك الشخصية تختلف عن غيرك، وعندما يكون غيرك مخالفاً تنظر إليه نظرة نقص إن لم يفعل مثلك فحتماً لديه مشكلة، وهذا إجحاف، لكن في القضايا الأخلاقية هناك قرارات مصيرية لا يوجد فيها خلاف سوى لمن لا يملك تلك الأخلاق.
لكي نحمي المرأة من العنف، علينا توعيتها من الجهل فالكثيرات يغفلن عن حقوقهنّ ولا يعلمن كيفية الوصول للخلاص من هذا العنف، ونراهن يُبررنَ تعرّضهن للعنف وكأنَّهن يستحقنه أو أصبح روتيناً اعتيادياً، فعليها أن تعي بأنَّ العنف ليس قدراً يجب أن تستسلم إليه، بل هو ظرف يمكن التعافي منه.
وعلى الجميع نبذ المعنّفين وعدم إعطائهم الشرعية مجتمعياً، وتصحيح مفاهيم مجتمعية تحت تفسيرات دينية مغلوطة تجاه المرأة، فالمرأة ليست كائناً أقل من الرجل، ومنها تصحيح مفهوم ضرب المرأة والقوامة للرجل الوارد في القرآن والأحاديث النبوية.
وفي المجمل العنف ينتج عنه غياب الشعور بالأمان، وحماية النساء من العنف أو الاستغلال يكمن في تأمين بيئة إقامة تحميهنّ، مع تأمين الحدّ الأدنى من احتياجاتهنَّ الغذائية والصحية، وتنظيم برنامج لتعليمهنَّ ودعمهنَّ، فضلاً عن تعزيز دور القانون في هذا الصدد.
Sorry Comments are closed