كيف صرنا متخلّفين؟

ابراهيم الجبين14 أكتوبر 2022آخر تحديث :
إبراهيم الجبين

أولئك الذين حاربوا النمط التقليدي المحافظ في حياتنا العربية، لم يدركوا أنهم قاموا بترييف اللغة بعد أن هذّبتها المدنية، على الأقل منذ 1440 سنة، وبعد أن كان لكل شيء ميزان تقيمه اللغة وتضبطه قبل أن يتحول إلى عادات وتقاليد وسلوكيات اجتماعية، هدمت معاول العابثين أول طبقة بنيت عليها الهندسة الأخلاقية عبر العصور.

تكسير ذلك التوازن الدقيق، أدى إلى الإضرار بشؤون الحياة العربية كافة، وبات أمثالنا، يحتفلون إن سمعوا تعبيراً مثل ”تكرّماً“ و“لطفاً“ و“حضرتك“ وصولاً إلى لغة التخاطب العليا التي لم يبق منها شيء اليوم إلا اللهم في اللغة الدبلوماسية داخل أروقة وزارات الخارجية في دول العالم العربي.

مدرسة التخاطب العربية مدرسة راقية، ولم يكن ذلك من ابتداع الأعاجم الذين مروا علينا، إنما هو من صميم تفكير اللغة العربية وأهلها وإدراكهم العميق لما يمكن أن تتركه من آثار لدى الآخر.

وحين يتعمق المتحدثون بلغات أجنبية في تلك اللغات، سيجدون أنها تحرص كل الحرص على ذلك الخطاب وقواعده، ومن لا يستعملها يقولون عنه إنه يستعمل ”لغة الشارع“.

ويحق لنا اليوم إذ نشهد بوادر نشوء نظام عالمي جديد، يطوي صفحة ذاك الذي أنتجته الحرب العالمية الثانية، أن نتساءل مع المتسائلين عن معنى التخلف الذي قيست به حياتنا رغماً عنا، حتى قيل إن تخاطبنا فيه لغة ”متخلفة“ وأخرى ”متقدمة“.

مصطلح التخلف كله يعود إلى تلك الفترة، بعد ظهور ما عرف بالاستقلال عن الاستعمار، وما كتب عن ضرورة اللحاق بالركب العالمي، ركب أولئك المستعمرين الذي برهنت التجربة أنه ”ركب شوارعي“.

انطلاقاً من خمسينات القرن العشرين صبّوا فوق رؤوسنا آلاف المنتجات الفكرية والإعلامية التي تريد أن تؤكد لنا ”تخلفنا“ وتصرّ على إثبات ”تقدّم“ الآخرين.

جرى ربط التخلف بالتنمية، وجعله نقيضاً لها، فإن لم تكن مع نموذج التنمية الغربي، فأنت متخلف. وتبعاً لذلك كان يجب أن تخضع لكل ما في ذلك النموذج من قصص، وإلا فأنت رافض للتنمية.

عالمنا كان منسجماً تماماً مع قواعده، ولم نكن بحاجة لا إلى تبشير بالتنمية ولا إلى تبشير بدين لا قديم ولا جديد، فقد قطعنا أشواطاً طويلة وأسسنا حضارة من بين حضارات قليلة صنعت تاريخ الأرض والبشرية.

يقال إن العقل العربي سلبي باستمرار، لكن هذا سيحدث بشكل طبيعي حين تتعامل معه بـ”غطرسة“ كما ورد أعلاه، وكيف يمكنه أن يكون إيجابياً وأنت تهينه انطلاقاً من لغته وصولاً إلى عاداته وتقاليده وهويته ومعتقداته؟

لا يتنبه العرب إلى هذا كله، ويتصرفون بالسبحانية، لكن أليس في هذا كله انعدامٌ تام للنظر، وليس مجرّد قصر نظر؟

المصدر العرب اللندنية
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل