حكايا لم تحكَ.. بابا عمرو بحمص الكابوس الذي أرعب بشار الأسد

عائشة صبري31 مارس 2022آخر تحديث :

“في السنوات المقبلة سننظر إلى الوراء، وسنشعر بالعيب ونحن جالسون نشاهد ما حدث مرّة أخرى، كما جرى في سربرينتسا ورواندا، وسنقول: كيف سمحنا بحدوث ذلك؟ كنت في عدة حروب لكن القصف هنا ليس له مثيل، في حي بابا عمرو لا توجد أهداف عسكرية بل تصفية منهجية للمدنيين وكلّ شيء تدمّر، الوضع مذبحة تفوق التصوُّر”.

كلمات قالها المصور البريطاني بول كونروي، قبل عشر سنوات، بعد إصابته بقصف لنظام الأسد على منزل يقطنه ناشطون سوريون ومجموعة صحفيين أجانب في حيّ بابا عمرو.

ووصفت الصحفية الأميركية ماري كولفن القصف على حي بابا عمرو بـ”أسوأ صراع واجهتْهُ على الإطلاق”، وذلك قبل مقتلها بيوم واحد بقصف للنظام على الحي، يوم 22 شباط 2012.

15760190_401.jpg

9 سنوات على اغتيال الصحفية الأميركية ماري كولفين في حمص

لم يجد هؤلاء الصحفيون الذين غطّوا عدّة حروب آخرها في ليبيا، أسوأ من مواجهة نظام الأسد لأبناء حيّ بمساحة تُقدَّر بـ12 كيلومتراً في الجهة الغربية الجنوبية من مدينة حمص، ويقطنه نحو 100 ألف نسمة، حين حرّك بشار الأسد كلّ ثقله العسكري ليعلن “انتصاره” فوق ركام بابا عمرو، الحيّ الذي شكّل الملحمة الأولى في الثورة السورية.

تفاصيل المعركة

بدأ نظام الأسد بقصفٍ مكثّف على الحيّ من ستة محاور “قرية عيصون، الكلية الحربية في الوعر، كتيبة أم الصخر، بلدة شنشار، حي السكن الشبابي، رحبة قطينة”، وذلك في يوم جمعة “يا حماة سامحينا”، 3 شباط 2012، بعد يوم من سيطرة الثوّار على ملعب الباسل وبرج الأمراء وصالة القمة في بابا عمرو، ليبدأ الحصار والاقتحام من ثلاثة محاور: “حي الإنشاءات، حي الحاكورة، مجموعة مدارس على أطراف بابا عمرو”، بحسب مصطفى بويضاني أحد مقاتلي “كتائب الفاروق” سابقاً في الجيش السوري الحر.

“بويضاني”  – القيادي حالياً في الجيش الوطني السوري – كان حينذاك مرابطاً على جبهات “بابا عمرو”، يوضّح لـ موقع تلفزيون سوريا أنَّ المعارك داخل الحي استمرت 28 يوماً، حيث انسحب الثوّار من الحي إلى مناطق جوبر والسلطانية المجاورة.

ويقارب عدد الثوار الذين دافعوا عن الحي الـ300 مقاتل، مقسّمين على مجموعات، في كلّ مجموعة 25 ثائراً، قضى منهم ما لا يقل عن 60 مقاتلاً وأصيب العشرات بجروح متفاوتة، بينما كان السلاح بيد الثوّار عبارة عن رشاش (PKS) وقواذف (RPG)، أمّا السلاح الثقيل الذي استولوا عليه من النظام، فلم يكن لديهم قذائف لاستخدامها به.

mjzrt_hms.jpg

في ذكراها العاشرة.. شهادات تنشر لأول مرة حول مجزرة حمص الكبرى

ومن أبرز المقاتلين الذين قضوا في معركة بابا عمرو، قائد “كتائب الفاروق أحمد دعبول وهو يُعدّ “رمز الثوّار في حمص”، ووفق “بويضاني”، فقد قضى “دعبول” برصاصة قناصة خلال إسعافه لجريح، في 22 شباط 2012، إضافةً إلى الملازم الأول مهند الخطيب (أبو بكر فليطة)، الذي سطّر بطولات في أولى أيام اجتياح بابا عمرو، والقيادي مزيد الحمد، الذي آثر إسعاف جريح على نفسه نظراً لقلّة الإمكانيات، وكانت إصابته في الفخذ ليست قاتلة، لكن النزيف المستمر تسبّب بوفاته.

أسباب مقاومة الثوار

أحد الذين غطّوا أحداث حي بابا عمرو، كان الناشط الإعلامي خالد أبو صلاح ويقول لـ موقع تلفزيون سوريا: إنَّ الحملة كانت الأولى من نوعها على حي مدني في الثورة السورية، وهناك أسباب عديدة لمقاومة الثوّار خلال تلك المعركة منها:

  • لم تكن هناك حالة استيعاب لما يحصل، فهي المرة الأولى التي يجري فيها استهداف منطقة سكنية بصواريخ وقذائف مدفعية بهذه الكثافة، إذ وقع أكبر عدد من الضحايا المدنيين خلال أوّل يومين من الاجتياح، بسبب عدم معرفة الأهالي التعامل مع هذه الأسلحة، وحالة الإرباك الناتجة عن القصف العشوائي والحصار، وبسبب تجربة سابقة تصدّى الثوار فيها لمحاولات اقتحام عديدة منذ سيطرتهم على الحي، في 5 تشرين الثاني 2011، ومنها هجوم استمر لمدة خمسة أيام، وكان هذا دافعاً للمقاومة.
  • خلال عملية الاجتياح عُقد المؤتمر الأول لأصدقاء سوريا، وهو أوّل مؤتمر عدّه السوريون تحرّكاً فعلياً من قبل المجتمع الدولي، لذلك تأمّل الثوّار بأن ينتج عنه شيء يُوقف الاجتياح دون تسليم المنطقة، وفي ذلك الحين كان هناك أمل لدى السوريين بالمجتمع الدولي، لكن الأمل خاب به منذ ذلك الوقت.
  • الحصار التام أحاط بالثوّار من كافة المحاور لذلك لم يكن هناك مجال سوى للمقاومة.
  • تزامن الاجتياح مع دورة انتخاب جديدة لـ”مجلس الشعب” السوري إذ توقّع خلالها الثوّار توقّف الاجتياح من قبل النظام.
  • الزخم الإعلامي الضخم لتغطية المجزرة في بابا عمرو (كان حدثاً عالمياً) مع صدور البيانات الدولية ومجلس حقوق الإنسان المندّدة بالقصف، ما رفع التوقعات بأن تدفع تلك التنديدات النظام للتراجع وإيقاف الاجتياح.
  • وجود صحفيين أجانب شهدوا حروباً سابقة من عدة وسائل إعلام دولية تغطّي الحدث، وقتل بعضهم مثل الأميركية ماري كولفن والفرنسي ريمي أوشليك وأصيب آخرون مثل الفرنسية إديت بوفييه والبريطاني بول كونروي، ما دفع للاعتقاد بأنَّ هذا الزخم الإعلامي الكبير لا بدّ أن يُشكّل إحراجاً للنظام، ويوقف الاجتياح.

ويشير “أبو صلاح” إلى أنَّ جرعة العنف غير المبررة للنظام كان هدفها بث الرعب في كلّ سوريا وكسر إرادة الناس في كلِّ مكان، بينما استراتيجية الثوّار كانت الدفاع عن الأهالي ومنع حدوث مجازر بحقهم في ظلّ تطويق الحيّ من كلّ الاتجاهات.

حي بابا عمرو.. حرّره الثوّار مرّتين

بعد زيارة بشار الأسد إلى حي بابا عمرو، في 27 آذار 2012، أقسم الثوّار أن يعيدوا تحريره في التاريخ ذاته، وبدأ التخطيط للعودة إليه عقب الانسحاب منه، في 2 آذار 2013، وبالفعل مكث الثوار فيه لمدة أسبوعين واضطروا للانسحاب مجدّداً بعد كثافة القصف الجوّي والبرّي.

بشار الأسد في حي بابا عمرو 28 آذار 2012.png
“بشار الأسد” في حي بابا عمرو – 28 آذار 2012

وحول هذه النقطة يقول القيادي ناصر النهار – شارك في الدفاع عن بابا عمرو – لـ موقع تلفزيون سوريا: إنَّ “نظام الأسد كان يظنُّ أنَّه قضى على ثوّار بابا عمرو، وأنَّ الثورة انطفأت ونحن أردنا بدخولنا مرّة ثانية إلى الحي، إيصال رسالة للعالم بأنَّنا قادرون على تطهير كلّ سوريا، مهما حصّن النظام نفسه فيها وخصوصاً بعد عزل بابا عمرو عن بقية الأحياء بسور إسمنتي ارتفاعه(2.5 متر)”.

ويشير “النهار” إلى أنَّ النظام أزال قسماً من السور في شارع الكرامة (الشارع المؤدّي إلى أطراف حي بابا عمرو)، بينما القسم الآخر موجود إلى اليوم، وهذا يؤكد أنَّ بابا عمرو يُمثل كابوساً بالنسبة للنظام، وهذا ما يؤكده “بويضاني”، بأنَّ “النظام ما يزال يخاف من حي بابا عمرو، وهناك حالياً مسؤول أمني على الحي يدعى فهيم أبو إبراهيم من الطائفة العلوية”.

وعن المعركة الثانية يقول النهار (القيادي في الجيش الوطني السوري حالياً): “بقينا في منطقة جوبر والسلطانية لنحو 11 شهراً وخلال هذه الفترة تمّت محاولات عديدة للدخول إلى حي بابا عمرو وكانت المعارك شرسة منها تحرير حاجز كفرعايا الشهير وحاجز السيفون في بساتين بابا عمرو، مع استمرار القصف الجوي والبري“.

ويتابع “النهار”، أنّه في بداية الشهر الثاني من عام 2013 “تقدّم جيش النظام باتجاهنا من جميع المحاور، قاومنا لنحو شهر ثم انسحبنا إلى منطقة تل الشور، كانت لدينا عيون داخل بابا عمرو أخبرونا بتخفيف حواجز النظام فيه وتوجههم إلى أحياء حمص المحاصرة، وكنّا على تنسيق مع ثوار حي الوعر، وحددنا توقيتاً يتزامن مع دخول بشار الأسد قبل عام إلى بابا عمرو، وتم الدخول في العاشر من آذار 2013 وحملت المعركة اسم (الفتح المبين)”.

دخول بابا عمرو 10 آذار 2013.jpg
الثوّار يدخلون حي بابا عمرو – 10 آذار 2013

ويردف: “تحرّكنا بشكل سرّي قرابة 300 مقاتل بسلاحنا الخفيف من جهة تل الشور ودخل 150 مقاتلاً من جهة حي الوعر واجتمعنا في بساتين بابا عمرو، على أن تأتي الإمدادات العسكرية من طريق الوعر، وكنا متفقين على أن ننتشر داخل بابا عمرو سراً كي نوقع عناصر النظام والمخبرين بكمائن”.

يستدرك “النهار”: “لكن فرحة الثوار جعلتهم يصدحون بالتكبير ما أدّى لهروب جميع الحواجز دون مقاومة، بعدها حدثت المواجهة في شارع البرازيل المؤدي إلى حي الإنشاءات، وهناك وقع عدد من القتلى والأسرى للنظام الذي أعاد حملته العسكرية إلى حي بابا عمرو، وبقينا نقاوم لمدة 17 يوماً، وعندما أطبق جيش النظام حصاره علينا مع القصف المكثف اضطررنا للانسحاب”.

أهوال النزوح والمجازر

تمنَّى أهالي بابا عمرو أن تأتي الباصات الخضراء لإخراجهم بطريقة آمنة على غرار ما حصل في المناطق الثائرة لاحقاً، لكن ما جرى أنَّ النزوح تحت القصف كان عشوائياً وخطراً للغاية ودون وجود ممرات آمنه له، وهدف النظام كان “إيقاع أكبر عدد من الضحايا”، فبعد سيطرته على الحي ارتكب مجازر ميدانية بحق مَن بقي في الحيّ وغالبيتهم كبار سن وجرحى. وفق “خالد أبو صلاح”.

وعن عمل الكادر الإعلامي في بابا عمرو، يوضح “أبو صلاح” أنَّ عدده كان قليلاً نظراً لكثرة الأحداث التي تحتاج تغطية فورية، ومنهم مَن أعاقته الإصابة عن العمل ومنهم مَن قضى مثل: الناشط رامي السيد، وعن تجربته الشخصية يقول: “أصبتُ بعد يومين من الاجتياح بشظايا بالرقبة والكتف والرجل، وأقواها شظية استقرت بعصب يدي اليسرى ولم أستطع تحريكها لمدة ستة أشهر”.

ويضيف: أهم تجربة شخصية هي “تجربة الخذلان من المعارضة”، قائلاً: “بعد مرور أسبوعين على الاجتياح اتصلت مع مسؤول العلاقات الخارجية في المجلس الوطني السوري وطلبنا منهم عقد مؤتمر صحفي لتغطية أحداث بابا عمرو لكونهم جهة رسمية للثورة، ونحن أصبحنا عاجزين عن نقل ما يجري بسبب الإصابات في صفوف الكوادر الإعلامية، وكان الجواب بأنَّ المؤتمر الصحفي يحتاج ألف دولار ونحن متفرقون لا نستطيع أن نجتمع”.

ويتابع: “طلبنا منهم أن يطالبوا الصليب الأحمر بإجلاء الجرحى، فكان الجواب سأطلب من الصليب بصفتي الشخصية فأجبته نحتاج من المجلس بصفته الرسمية طلب ذلك للتجاوب معنا، وعندما شعرت بالخيبة بسبب رده، سجّلت فيديو تحدثت فيه عن ذلك، وهو ما دفعهم للتحرّك إعلامياً لكن وقتها كان القطار قد فات ونحن محاصرون من كلِّ جانب وحصل الانسحاب العشوائي الذي خلف عشرات الضحايا والمفقودين الذين لا نعرف مصيرهم حتى اليوم”.

مجزرة الخالدية

في ذكراها العاشرة.. حقائق مجزرة الخالدية في حمص والروايات المغلوطة

وعن حكايا النزوح، يروي المحامي حسام العرفي لـ موقع تلفزيون سوريا ما عايشه مع بقية العائلات في ظلّ الحصار وانقطاع الخبز والمياه والكهرباء وجميع مقومات الحياة، ومن الحوادث التي حصلت معه قبل خروجه من حي بابا عمرو مع أخته أنوار، “وقوع صاروخ على سيارة كانت ممتلئة بالنساء كنّ يحاولن الهرب لكن الصاروخ حولهنّ إلى أشلاء”.

مجزرة النفق

يروي “العرفي” حكاية لم تُحكَ من قبل عن مقتل عشرات الشبّان نتيجة فتح نظام الأسد المياه نحوهم في أثناء محاولتهم الفرار من حي بابا عمرو نهاية الاجتياح (مطلع آذار 2012)، وذلك عبر نفق كانت بدايته من منطقة تل الشور ونهايته يؤدي إلى مناطق لا يوجد فيها حواجز لقوات النظام، مؤكداً أنَّ عدد الشبّان الذين دخلوا النفق يتجاوز المئة شخص.

وفي اللحظة الأولى من دخول النفق الذي يسير فيه هؤلاء الشباب أقدم أحد مخبري النظام على إطلاق علامة لجهة النظام، تكون بمثابة إشارة إلى أنَّ أشخاصاً دخلوا النفق لكي يستطيعوا النجاة من القتل أو الاعتقال، بدورهم عناصر النظام فتحوا مياه النفق على الشباب ولم يستطع النجاة من الغرق إلا عدد قليل منهم.

ويؤكد “أبو صلاح” أنَّ المجازر الميدانية ارتكبها نظام الأسد على مدى أكثر من أسبوع عند سيطرته على حي بابا عمرو، وهناك ما يزيد على 13 عائلة معظمهم نساء وأطفال قُتلوا ذبحاً بالسكاكين ورمياً بالرصاص، ومن الضحايا الموثّقين 18 شخصاً من عائلة “صبوح”، قضوا يوم 6 آذار 2012، سبقها بأسبوع مجزرة مماثلة بحقّ أفراد من ذات العائلة في بساتين الحيّ.

وهناك توثيق لمجازر ميدانية بحقّ عائلات “شنور والزعبي” وغيرهما، كما أعدم النظام عشرات الأشخاص بعد اعتقالهم ووضعهم في مخازن بحي السلطانية المجاور لحي بابا عمرو، الذي شهد بداية مجازر النظام، نهاية العام 2011، بإعدام غازي زغيب وزوجته.

يشار إلى أنّ حي بابا عمرو الحمصي يقطن فيه حالياً عدد قليل من سكّانه الأصليين الذين عادوا إلى منازلهم، خلال فترات متقطعة، وكثير من الغرباء القادمين من مناطق سوريّة عدّة، وحال الحي كحال باقي المناطق في مدينة حمص من حيث إهمال الخدمات، لكنَّه يبقى كما وصفه أنور مالك – أحد أعضاء البعثة العربية التي زارته نهاية العام 2011 – “بابا عمرو حي لا يموت“.

المصدر تلفزيون سوريا
التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل