مع مضي عشر سنوات على وقوع مجزرة حي كرم الزيتون في مدينة حمص وسط سوريا، يُحاول ناشطو المحافظة تسليط الضوء على تفاصيل تلك المجزرة وما تلاها من مجازر ميدانية صبغها نظام الأسد بـ”الطائفية” ليقمع بوحشيته أحرار المدينة ويُسكت أصواتهم بالمظاهرات السلمية.
ناجون من تلك المجزرة يؤكدون لـ موقع تلفزيون سوريا أنَّ حصيلة الضحايا الموثقة بالاسم 22 قتيلاً بينهم خمسة رجال وسبع سيّدات وعشرة أطفال (5 إناث و4 ذكور إضافة إلى جنين)، في حين نجت طفلة رضيعة وشقيقها من القتل بعد إنقاذهما عبر إخراج الرصاصات من جسميهما لتبقى الإصابة اليوم شاهدة على المذبحة.
شهادات ناجين
والدة الشهيدة كنانة عفارة (25 عاماً)، أم عمار، تروي لحظات وقوع المجزرة بحقّ عائلة ابنتها التي قُتلت مع ابنها عبد الغني بهادر (9 سنوات)، يوم 26 / 01 / 2012، إذ إنَّ رائحة الدماء ما تزال عالقة في ذاكرتها وتسببت الفاجعة بإصابتها بمرض السكري وأمراض أخرى أنهكت جسمها.
وتقول أم عمار المقيمة حالياً في مخيم زوغرة شرقي حلب لـ تلفزيون سوريا: إنَّ “ابنتي كنانة لم تفارقني وبقيت حفيدتي غزل لتؤنسني في مأساتي، وما تزال علامة الإصابة في فخذها موجودة إلى اليوم وتؤلمها أحياناً خاصّة مع البرد، وقد أصبحت في الحادية عشرة من عمرها وتدرس في مدرسة المخيم، فالفاجعة أثقلت كاهلي وبتُّ أمشي بصعوبة مع مضاعفات مرض السكري”.
وتضيف: أنَّ عائلة زوج ابنتها “بهادر” قُتل منهم 13 فرداً مع ابنتها وحفيدها (الجد والجدة، الابن وزوجته الحامل وطفلتاها، وابنة عزباء وأخرى متزوجة مع طفلها الرضيع وطفلتها)، وقد نجا صهرها كونه كان يعمل خارج المنزل وقد فُجع بالمجزرة، لافتة إلى أنَّ الشبيحة قبل أن تدخل منزل ابنتها أطلقت الرصاص على جارهم “عبد الساتر قرة حسن” وشُيّع مع العائلة.
من جهته، أحد الذين شهدوا المجزرة، مدير مخيم زوغرة علاء المحمد، يوضح لـ تلفزيون سوريا كيف أنقذ الطفلة غزل بهادر ذات العشرة أشهر وشقيقها علي ذا العامين حيث أصيبا بالرصاص وكانا مرميين بدمائهما في المطبخ تحت المجلى، وحين اقترب منهما وجدهما على قيد الحياة فتمّت عملية إزالة الرصاصات في المستشفى الميداني داخل الحي خوفاً من الإجهاز عليهما إن أُخذا لمستشفى عام يخضع لسلطة النظام.
ويلفت المحمد إلى أنَّ الثوار عندما وصل خبر المجزرة إليهم في مساء يوم الخميس، أخبرهم جيران الضحايا بأنَّ حافلات بداخلها شبان يلبسون اللون الأسود وعلى يدهم شريطة حمراء وهي تدلّ على مقاتلي الطائفة الشيعية.
ويشير إلى أنّ حي النازحين الذي وقعت فيه المجزرة ضمن حي كرم الزيتون، كان يعتبر خط التماس بين الثوار وقوات النظام الموجودة في حي وادي الذهب الموالي، لذلك لم يتمكنوا من دخول الحي إلا بعد أن قام أحد وجهاء الحي بالتفاوض مع ضابط حاجز النازحين القريب من الشارع الذي وقعت فيه المجزرة، وسمح له الحاجز بالدخول بسيارته (سوزكي) إلى الحي لإخراج الجثث.
ويكمل قوله: “عندما دخلنا إلى المنازل وجدنا جميع أفراد العائلة مقتولين بينهم أطفال رضع مذبوحين بالسكين، والنساء المقتولات لم تتم سرقة الذهب من يدهم، فغاية إشعال فتنة الطائفية كانت واضحة”، مشيراً إلى عدم توافر الكفن الأبيض لجميع الضحايا وتم تكفين الأطفال بقماش متوافر كان لونه برتقالياً وآخر أخضر.
قصف عنيف تلاه مجزرة بحق المدنيين
بدوره، أحد الناشطين الذين غطوا المجزرة من تنسيقية كرم الزيتون، تيسير أبو معاذ، يذكر أنَّ المجزرة وقعت بعد قصف عنيف بقذائف الهاون استمر لثلاثة أيام (24 و25 و26 يناير/كانون الثاني 2012)، وذلك لترهيب المدنيين وإيقاع ما لا يقل عن ثلاثين قتيلاً وعشرات الجرحى نتيجة القصف، قبل أن يرتكب المجزرة الميدانية عبر اقتحام منازل المدنيين.
ويقول الناشط الحمصي لـ موقع تلفزيون سوريا: إنَّ مجزرة كرم الزيتون تُعتبر “نقطة تحوّل الثورة في المحافظة من السلمية إلى المسلحة في سبيل الدفاع عن المدنيين”، ودورنا نحن الناشطين كان توثيق القصف والضحايا وفي يوم المجزرة استمر قصف عنيف لمدة أربع ساعات، والمستشفى الميداني ازدحم بعدد الجرحى والقتلى، وبعد هذا القصف المنهج دخلت باصات الميتسوبيشي التابعة للأمن العسكري مصحوبة بعدد من الشبيحة من أبناء الحي إلى شارع بقالية الجولان وارتكبوا المجزرة.
وتحدث الناشط عن عائلة محمد تركي المحمد وزوجته ابتسام الخضر وأولادهما الأربعة (طفلتان وطفلان أحدهم معاق)، لم يتمكن الأهالي من الوصول إليها حتى 30 كانون الثاني، موضحاً أنَّ جثثهم تم إرسالها إلى مستشفى حمص العسكري، وهناك أجبر النظام أقاربهم على توقيع ورقة مفادها بأنَّ العصابات المسلحة قتلتهم، كشرط لتسلم الضحايا، إذ كان النظام حينذاك يستميت لقمع المظاهرات المناهضة له، وعند رؤيتهم ظهرت آثار التعذيب على أجسادهم وكان هناك طفل بيده خصلة من شعر أمه تمسّك بها من شدة الخوف.
وبحسب الناشط فإنَّ أهمية حي كرم الزيتون تأتي لموقعه الاستراتيجي بين أحياء موالية للنظام فهو يتوسط حيي الزهراء والنزهة ذوي الطائفة العلوية، وفي بداية الثورة لعب النظام على وتر الطائفية وجنّد أبناء الطوائف غير السنية لقمع المتظاهرين، وهدف النظام من المجازر هي دفع المتظاهرين للتسلّح، لذلك تعدّ هذه المجزرة بداية الحراك المسلّح ضد النظام.
حملة دماء منسية
أعلنت رابطة نشطاء الثورة في حمص، اليوم الأربعاء، عن انطلاق حملة “دماء منسيّة”، وذكرت في بيانها أنَّ الحملة بدأت لتُعيد للذّاكرة السورية محطّات الألم والإجرام التي نفذتها قوات النظام بحقِّ المدنيين مطلع الثورة في حمص، ولتوثيق انتهاكات النظام عبر الإعدامات الميدانية.
ويقول رئيس رابطة نشطاء الثورة في حمص، حسن الأسمر، لـ تلفزيون سوريا: إنّ حملة “دماء منسية” منبثقة عن أعمال الرابطة في الشمال السوري، وتهدف إلى تسليط الضوء على عدد من مجازر الإعدامات الميدانية التي ارتكبها النظام عبر ذبح الأطفال بالسكاكين ولم تأخذ حقّها من التغطية الإعلامية، إضافة إلى توثيق كامل لتفاصيل كلّ مجزرة منها وقصص ضحاياها والناجين منها.
ويشير الأسمر إلى أنَّ الحملة تضمنت إقامة وقفات في الشمال السوري، للتذكير بمجزرة حي كرم الزيتون التي يصادف ذكراها اليوم، وستكون الوقفات التضامنية في تمام الساعة الرابعة عصر اليوم في ساحة السبع بحرات بمدينة إدلب، ومسجد فاطمة في مدينة الباب، ودوار الشهداء في مدينة جرابلس شرقي حلب، وأمام مجمع الخير في مدينة عفرين، وساحة فيوتشر في مدينة اعزاز شمالي حلب.
ويدعو الأسمر جميع الناشطين إلى توثيق المجازر الميدانية في مختلف المحافظات السورية، وذلك لإحالة ملف هذه المجازر إلى الجهات الحقوقية التي تقوم بدورها بإيصالها إلى المحاكم الأوروبية لتتم محاسبة الجناة الفارّين من العدالة، فضلاً عن كون هذا العمل يُفيد في توثيق تاريخ أحداث الثورة بشكل منظّم ودقيق، كي تُحافظ عليه الأجيال القادمة، إضافة إلى توجيه رسالة غير مباشرة لمن يريد تعويم النظام دولياً أو محلياً، لا سيّما تقاعس المجتمع الدولي الذي يتبجح بالدفاع عن حقوق الإنسان أمام مثل هذه المذابح الجماعية.
وكانت جامعة الدول العربية أعلنت في بيان رسمي في 28 / 01 / 2012 أنَّها ستوقف بعثة مراقبيها إلى سوريا فوراً بسبب “تصاعد أعمال العنف”، وصرّح حينذاك رئيس بعثة المراقبين العرب في سوريا، محمد الدابي، أنَّ معدلات العنف في سوريا “تصاعدت بشكل كبير في الفترة من 24 إلى 27 كانون الثاني/يناير 2012 وخاصة في حمص وحماة.
يذكر أنَّ ضحايا مجزرة كرم الزيتون تم تشييعهم في جمعة تحت اسم “حق الدفاع عن النفس” في 27 / 01 / 2012 عبر مظاهرة سلمية في حي جب الجندلي ورفعوا خلالها هتافات ثورية تأكيداً على استمرارهم في الثورة.
Sorry Comments are closed