من يعرقل التطبيع العربي مع نظام الأسد؟

مصطفى عباس18 يونيو 2021آخر تحديث :
من يعرقل التطبيع العربي مع نظام الأسد؟

لا تكاد تمر فترة دون ورود أخبار يتم نفيها لاحقاً عن إعادة تطبيع عربي للعلاقات مع نظام الأسد، وخصوصاً من قبل المملكة العربية السعودية، التي تحتل اليوم موقعاً عربياً متقدماً بعد الانكفاء المصري عقب ثورة يناير ووصول العسكر إلى الحكم بقيادة عبد الفتاح السيسي، وإطاحة ثورات الربيع العربي بالعديد من الأنظمة التقليدية العربية، وقبلها الاحتلال الأمريكي للعراق وإنهاء نظام صدام حسين. ما يعني أن تطبيعها لو حصل فسيلحقه العديد من الدول العربية المترددة.
ساهمت المملكة بالمحاولات الرامية للإطاحة بنظام الأسد عبر تأييدها العمل العسكري، وهنا نتذكر خطاب الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في شهر رمضان من عام 2011 الذي أعلن فيه سحب السفير السعودي من دمشق رداً على عمليات القتل التي كانت تقوم بها قوات النظام بحق المتظاهرين، ثم بعد ذلك الانسحابات المتكررة لوزير الخارجية السعودي الراحل سعود الفيصل احتجاجاً من اجتماعات ما يسمى ” أصدقاء الشعب السوري” الذين لم يكن عندهم من البداية إرادة لإسقاط النظام.
بعد وصول الديمقراطي جو بايدن المؤيد لإعادة الاتفاق النووي الإيراني إلى سدة الحكم في البيت الأبيض، تم إطلاق يد إيران أكثر في سوريا وفي المنطقة، عقب قصقصتها أثناء فترة سلفه دونالد ترامب، لذلك بدأت تظهر خارطة تموضعات جديدة، فلا عدو دائم في السياسة التي هي فن الممكن، وعادت بعض الأنظمة الخليجية خصوصاً منها المطبعة مع إسرائيل للتطبيع مع نظام الأسد، الذي استقبلها استقبال تائه في الصحراء لنبع ماء، ولا بأس والحال هذه من بعض الجعجعة الإعلامية على وسائل إعلامه، عن الانتصار وصوابية المواقف والسياسة الحكيمة التي جعلت العرب يهرولون معتذرين!
تصريح المندوب السعودي الدائم في مجلس الأمن عبد الله المعلمي الأسبوع الماضي، والذي نفى فيه الاخبار عن قرب عودة العلاقات مع نظام الأسد، سبقه استقبال الرياض لوفد من وزارة سياحة النظام بالاجتماع الـ47 للجنة منظمة السياحة العالمية للشرق الأوسط، وهذه المرة الأولى التي يتم فيها استقبال ما يمت للنظام بشكل رسمي منذ عام 2011، وقبل ذلك سرب عبد الباري عطوان نقلاً عن مصادر دبلوماسية، أن وفدا سعوديا يرأسه رئيس جهاز المخابرات السعودية الفريق خالد الحميدان زار دمشق في أيار الماضي، وإن الطرفين اتفقا على إعادة العلاقات كافة بين البلدين، وإعادة فتح السفارة بعد عيد الفطر، غير أن السعودية سارعت للنفي عبر مدير إدارة تخطيط السياسات بوزارة الخارجية السعودية، السفير رائد قرملي، الذي قال إن هذا الخبر غير دقيق.
كثرة الأخبار المتعلقة بالتطبيع والنفي المقابل يعني أن هناك طبخة سياسية مُرة على النار، التي وقودها السوريون المكتوون بالأساس بلظى نظام الأسد، الأكثر إجراماً بين كل الأنظمة وعلى مدى تاريخ هذا البلد، بل والمنطقة.
بكل الأحوال.. لولا الفيتو الأمريكي لكانت العديد من الأنظمة العربية قد طبعت مع نظام الأسد من زمان، ودائماً تحت شعار الواقعية السياسية، دون أي اهتمام لمئات آلاف الأرواح التي أزهقها الأسد، ودون أي اكتراث بعشرات آلاف المفقودين وملايين المهجرين، فممالك الخليج العربي الغنية هي التي يعول عليها في إخراج النظام ومعه الروس من أزمتهم المالية، ألم يجُل وزير الخارجية الروسي على العواصم الخليجية طلباً لمساعدة النظام من الباب الإنساني، فيما سمي حينها مسار الدوحة. نظام الأسد اعتاش على المساعدات الخليجية منذ وصول حافظ إلى سدة الحكم، الذي وبعد قطيعة قام بها رفاقه البعثيون انفتح على الأنظمة العربية خصوصاً الخليجية منها، وعينه على بترودولارها، كي تمول له حروبه “التحريكية” ضد إسرائيل، وعاشت سوريا في عهده على المساعدات الخليجية السخية حتى اندلاع الحرب الإيرانية العراقية وتأييد حافظ ” القومي ” للملالي الشيعة ضد العراق العربي البعثي، رغم الإجماع العربي على تأييد العراق، فانقطعت المساعدات العربية، ليستعيض عنها حافظ بالبترودولار الإيراني، الذي كان يأتي على شكل شحنات نفطية وقمح، وليس مساعدات نقدية، وعندما توقفت هذه المساعدات في منتصف الثمانينات، كادت الدولة السورية تختنق حتى جاءها الفرج بعد مشاركة سوريا في تحرير الكويت تحت قيادة الولايات الأمريكية المتحدة، حيث عادت المساعدات الخليجية لسوريا، ورافقها اكتشاف نفطي في شمال شرق سوريا لم يذق منه السوري شيئاً.
هكذا فإن العم سام دائماً يفرمل اندفاع الأنظمة العربية خصوصاً الغنية منها للتطبيع مع نظام الأسد، ليس كرهاً بالأسد، بل حباً بتمريغ روسيا في الطين السوري، فهو لا يريد لسوريا سوى أن تكون مستنقعاً يغرق فيه الروس، فهذا الوضع الحالي هو مثالي بالنسبة للأمريكان، الذين يريدون أن يحافظوا عليه أكبر مدة ممكنة، كي يحرجوا أكثر الروس المتعبين اقتصادياً بالأساس، وما يريده الأمريكان هو أن يرفع الروس أيديهم مستسلمين، أو مستجيرين، حتى وإن كان ثمن هذا التناطح هو لقمة السوري المسكين الذي ذاق ويذوق الأمرين من نظام الأسد، ومن الروس وأولاً وآخراً من الخذلان الدولي للقضية السورية.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل