الجمود الذي يحيط بالقضية السورية لجهة الإكمال في طريق الحل السياسي، لا سيما بعد إنجاز النظام للانتخابات الرئاسية والتمديد لبشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام، يجعل السوريين، والمعارضة تحديداً، ينظرون إلى أي فرصة، محلية أو إقليمية أو دولية، من شأنها إيجاد مخرج، ولو بشكل جزئي، للأزمة التي تعيشها البلاد منذ 10 أعوام بفعل الحرب التي دمرتها.
وعلى ذلك، ينظر إلى قمة الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين في جنيف، في 16 يونيو/ حزيران الحالي، التي سيكون الملف السوري على جدول أعمالها، بحسب مسؤولين أميركيين، على أنها إحدى تلك الفرص لإيجاد حلول، كاملة أو جزئية، للقضية السورية، التي أرهقتها صراعات المصالح الإقليمية والدولية، لا سيما بين القطبين الكبيرين في العالم، ما حال دون التوصل إلى تسوية للقضية بين المتدخلين الإقليميين والدوليين، بعد خروج النظام والمعارضة من معادلة إيجاد الحل، ليكونا أدوات في الصراع أكثر من طرفين فيه.
وكان التصعيد الكلامي بين الرئيسين قد بلغ ذروته، في مارس/آذار الماضي، حين وصف بايدن نظيره الروسي بالقاتل متوعداً بمحاسبته، ما دفع بوتين للرد، ما كان من شأنه إحداث أزمة جرى تداركها بين البلدين. وحينها عبر محللون عن خشيتهم من أن يؤثر التصعيد بين المسؤولين الأميركيين والروس سلباً على الملفات العالقة بينهما في الشرق الأوسط، لا سيما الملف السوري.
وقبل أيام، أعلن مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض جيك سوليفان أن الأزمة السورية ستكون على جدول أعمال قمة بايدن وبوتين. وقال: “موقفنا من قضية وصول المساعدات الإنسانية واضح جداً”، معبراً عن اعتقاده بضرورة أن “تكون هناك ممرات إنسانية في سورية، لوصول المساعدات وإنقاذ الأرواح، وهذا بالتأكيد سيناقشه الرئيسان بايدن وبوتين”.
وانطلاقاً من هذا التصريح، يفهم بأن تركيز إدارة بايدن في الأزمة السورية، سينحصر على إنجاز ملفات إنسانية أكثر منها سياسية أو عسكرية، إذ أبدت واشنطن اهتماماً غير مسبوق بالعمل على تمديد آلية إدخال المساعدات الأممية إلى سورية عبر المعابر، والتي ستنتهي في العاشر من الشهر المقبل.
وحاولت، بالتنسيق مع حلفائها والفاعلين الإقليميين، حشد دعم في مجلس الأمن، إذ أرسلت قبل أيام سفيرتها لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد إلى أنقرة والحدود السورية التركية في إطار الحملة، في ظل توقعات بأن تلجأ موسكو لاستخدام حق النقض “الفيتو” في مجلس الأمن للحيلولة دون تمرير قرار التمديد.
ورأى محللون أن واشنطن قد تلجأ لتمديد آلية المساعدات إلى تقديم تنازلات لموسكو لتحقيق هذا الهدف، في حين يكون التخوف الأكبر من أن تكون هذه التنازلات سياسية وعسكرية، وليست إنسانية. لكن المؤشرات تذهب إلى أن موسكو قد تطلب من واشنطن الضغط على المعارضة السورية وأنقرة، لافتتاح معابر داخلية بين مناطق سيطرة المعارضة والنظام، بحجة استفادة المدنيين في مناطق سيطرة النظام من المساعدات الأممية التي تدخل إلى سورية عبر باب الهوى، الذي بات المعبر الوحيد لدخول المساعدات الأممية، بعد أن نجحت روسيا في الأعوام السابقة في إيقاف إدخالها من ثلاثة معابر أخرى.
لكن الهدف الروسي من هذه المعابر الداخلية يكمن في محاولة حل مشكلات النظام الاقتصادية التي يعاني منها نتيجة العقوبات الغربية، وقلة التبادل التجاري مع المحيط، في حين تشهد مناطق سيطرة المعارضة حركة تجارية لا بأس بها. ويطمع النظام في فتح التبادل التجاري مع تلك المناطق لرفد مناطق سيطرته بالعملات الأجنبية، وفي مقدمتها الدولار، للحد من المشكلات الاقتصادية والمالية، وفي مقدمتها انهيار سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الأجنبية.
واعتبرت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية، في تقرير الأربعاء الماضي، أن بايدن يجب أن يستغل الفرصة عند لقائه بوتين لتحقيق صفقة شاملة في سورية، مشيرة إلى أن القمة “يمكن أن تمهد الطريق للانخراط الأميركي الروسي في سورية مستقبلاً بما يتجاوز المحادثات على المستوى الوزاري، التي كانت تجرى خلف الأبواب المغلقة”. وأشارت إلى أن “واشنطن وحدها تستطيع توجيه الصراع السوري نحو الحل، إذا عززت المحادثات الثنائية مع موسكو”.
ولفتت إلى أن “روسيا لم تأخذ عملية السلام في سورية، التي تقودها الأمم المتحدة، على محمل الجد أبداً، لأنه لم يكن هناك ضغط سياسي أو عسكري كبير عليها لإجبارها على تقديم تنازلات”، مضيفة أن “موسكو تواصل المماطلة في محادثات جنيف وتتبع خطاً مماثلاً في اجتماعاتها المغلقة بشأن سورية مع واشنطن، وهدف الكرملين هو دفع المجتمع الدولي لقبول الأسد في نهاية المطاف كفائز بحكم الأمر الواقع في الصراع السوري وتطبيع العلاقات مع نظامه”.
لكنها رجحت أن “تقبل روسيا التضحية برئاسة الأسد، مقابل الحفاظ على درجة من النفوذ لنفسها في سورية. وبمجرد اتفاق واشنطن وموسكو على مكونات هذا الحل الوسط، يجب إعادة صياغة عملية السلام التي تقودها الأمم المتحدة لتصبح آلية لتنفيذ اتفاق السلام الذي توسطت فيه الولايات المتحدة وروسيا”.
المعارض والباحث السوري رضوان زيادة، المقيم في واشنطن، رجح ألا تخرج قمة بايدن – بوتين باتفاق كلي على حل القضية السورية وفق القرار 2254. واعتبر، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن الهوة بين الطرفين الروسي والأميركي شاسعة جداً في سورية، وقضايا أخرى كذلك.
لكنه توقع إمكانية التوصل لاتفاقات صغيرة ومحدودة، من قبيل عدم استخدام روسيا “الفيتو” فيما يتعلق بالمعابر، وبالتالي استمرار السماح بمرور المساعدات الإنسانية عبر معبر باب الهوى. واعتبر زيادة أن “اللقاء الأهم بشأن الملف السوري خلال جولة بايدن الأوروبية، ربما يكون لقاءه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان (على هامش قمة حلف شمال الأطلسي) الذي يتوقع أن يكون شاملاً، وخاصة طبيعة العلاقة الإشكالية مع قوات سورية الديمقراطية”. وأشار إلى أنه “من الصعب توقع حجم الصفقة أو التفاهم بين أردوغان وبايدن، فليس هناك أية تسريبات تدل على الموقف الأميركي الجديد، سوى أن إدارة بايدن ستحافظ على بقاء قواتها في سورية”.
من جهته، رأى السفير السوري السابق في بيلاروسيا فاروق طه، أن “الملف السوري على طاولة بوتين وبايدن سيطرح ليس بغاية الخروج بحل نهائي”، موضحاً، لـ”العربي الجديد”، أن “البحث سيكون استكشافياً بالنسبة لبايدن، وسيطلب الروس مقابل الحل أثماناً باهظة وتنازلات واضحة في الملفات الأخرى، وأميركا ليست جاهزة لذلك”. وأعرب عن اعتقاده أنه “يمكن إنجاز الصفقة بحالة واحدة، وهي شعور الروس بحجم الورطة التي أدخلوا أنفسهم فيها بسورية، وفي كل الأحوال، سيكون رأس الأسد على الطاولة”.
عذراً التعليقات مغلقة