كيماوي الأسد .. والمحاسبة الدولية!

عائشة صبري5 أبريل 2021آخر تحديث :
كيماوي الأسد .. والمحاسبة الدولية!

أربعةُ أعوامٍ مضتْ على مجزرة مدينة “خان شيخون” جنوب محافظة إدلب، بكيماوي نظام الأسد، التي ذهب ضحيتها ما لا يقل عن مئة ضحية جلّهم نساء وأطفال ومئات المصابين، سبقها بخمسة أيام إصابة نحو سبعين شخصاً خنقاً بغاز السارين في مدينة اللطامنة شمال محافظة حماة، وثلاثة أعوام على مُضي آخر مجزرة كيماوي في مدينة “دوما” بغوطة دمشق الشرقية حيث قُتلَ نحو ستين شخصاً واختنق مئاتٌ آخرون.

اليوم، ونحنُ نستذكر تلك الصور في مجزرتي “خان شيخون، ودوما”.. لا تزال نظرات ضحايا أطفالهما تُلاحقنا.. وتسألنا لماذا نذبح، لماذا نخنق، لماذا نموت بصمت؟، ويبقى المجرم طليقَ اليدين اللتين يُواصل بهما قتل الشعب السوري بكافة أنواع الجرائم، بالقصف، أو الاعتقال، أو خنقه اقتصادياً عبر حرمانه من أبسط مقومات الحياة تحت ذريعة أنَّه مُعاقبٌ دولياً.

واليوم، يعيث جنود الأسد وميليشياته فساداً في تلك المدن التي سيطر عليها بعد قصف بشتى أنواع الأسلحة، ومجازر عديدة، ومعارك بذل فيها الثوار ما يستطيعون، فمؤتمر أو مؤامرة “أستانا” كانت أقوى من سلاحهم، لكنَّ الصادقين منهم لم تخر عزيمتهم، ويردّدون بعد عشر سنوات من الثورة: “في تمام العقد، نجدّد العهد”.

محققون أمميون، ومراقبو انتهاكات القانون الدولي الإنساني، سجَّلوا في تلك المجازر انتهاكاً صارخاً، سبقه وتلاه جرائم كبرى لم يُحاسب عليها نظام الأسد، إذ فشلت الأمم المتحدة التي تعد شريكة في الجرائم عبر صمتها ومساندتها للنظام، ومجلس الأمن الدولي التابع لها في إنقاذ الشعب السوري من جرائم الأسد وانتهاكاته.

واستخدمت روسيا حقَّ النقض “الفيتو” عشرات المرات، لمنع صدور قرارات عن مجلس الأمن بخصوص سوريا، منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011 من بينها ستة قرارات ذات علاقة باستخدام السلاح الكيماوي كان آخرها في 11 /4/ 2018، لإسقاط مشروع أميركي يهدف إلى التحقّق في استخدام الكيماوي في “دوما”.

الهجوم بالسارين والكلور في دوما في 7 /4/ 2018 جعل هجمات النظام بالسلاح الكيماوي تصل إلى 262 هجوماً ما خلّف نحو 3423 قتيلاً و13947 مصاباً ما زال منهم من يعاني من الآثار بعيدة المدى لهذه الإصابة، وفق “مركز توثيق الانتهاكات الكيميائية في سوريا”، كان آخرها هجوم بلدة الكبانة شمال اللاذقية، في 19 /5/ 2019، خلال المعارك الدائرة هناك، سقط نتيجته أربعة مصابين.

لكن ماذا عن المحاسبة التي توعّد بها المجتمع الدولي؟ .. فعليّاً لم نلمس من المجتمع الدولي سوى الوعود والتعهّدات، كان آخرها تعهّد وزراء خارجية 18 دولة أوروبية، خلال مؤتمر بروكسل الأخير بمواجهة إفلات نظام الأسد من العقاب، لاعتداءات بالأسلحة الكيميائية وعمليات خطف وإخفاء.

بينما تكتفي الأمم المتحدة بدور المراقب والمطالب بمحاسبة جميع مستخدمي الأسلحة الكيميائية في سوريا، والتشديد على أهمية وحدة الصف في مجلس الأمن للوفاء بهذا الالتزام العاجل. وفق استعراض ممثلة الأمين العام السامية لشؤون نزع السلاح ايزومي ناكاميتسو، لمجلس الأمن التقرير الشهري الـ89 للمدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية حول برنامج سوريا الكيميائي، وخلالها اتهمت المندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، روسيا بعرقلة كافة الجهود الأممية لمحاسبة الأسد على استخدامه الكيماوي ضد شعبه.

أمّا المبعوث الأممي الخاص لسوريا غير بيدرسون، فقد أقرّ بفشل المجتمع الدولي في تخليص السوريين من الحرب التي يشنّها نظام الأسد عليهم، وذلك في كلمة ألقاها، أمام مجلس الأمن، بمناسبة الذكرى العاشرة للثورة السورية، مؤكداً أنَّ من ارتكب جرائم حرب في سوريا، “أفلت من العقاب”.

وبدورها بعثة تقصّي الحقائق التابعة لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، قدّمت دعوى إلى المدعي العام الفيدرالي الألماني في العام 2020، من أجل بدء محاكمة نظام الأسد بعد ثبوت استخدامه مادة السارين في خان شيخون، وتعمل على تسليم الأدلة للقضاء. كما حمَّلت للمرة الأولى في نيسان/أبريل 2020 النظام، مسؤولية اعتداءاته بالأسلحة الكيميائية على مدينة اللطامنة عام 2017، وبعد شهر اعتمدت قراراً يدين ذلك القصف، وأشادت به واشنطن، فيما صوّتت -كالمعتاد- روسيا وإيران والصين ضده.

وجاء القرار للجنة بعد تشكيل فريق تحقيق خاص بمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، في يوليو/ تموز عام 2019، كأول فريق لديه سلطات تتيح له توجيه اتهامات لمنفذي الهجمات، وفي أول تقرير له، حدد الفريق مسؤولية النظام عن الوقوف وراء ثلاث هجمات كيميائية باستخدام غازي السارين والكلور السامين في بلدة اللطامنة بريف حماة، إلا أنّ الفريق لم يتطرق إلى هجمات الغوطة وخان شيخون ودوما.

ورداً على عدم تقديم النظام تفاصيل للجنة التحقيق، قدمت فرنسا مسودة قرار نيابة عن 46 دولة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، لتعليق “حقوق وامتيازات” سوريا في منظمة الرقابة الدولية، ما يعني أنَّها ستفقد حقها في التصويت، وسيتم النظر فيه في اجتماع خلال نيسان/أبريل الجاري للدول الأعضاء في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية البالغ عددهم 193 دولة.

وعند الرجوع بالذاكرة للوراء نجد أنَّ النظام أفلت من العقاب بعد ارتكاب مجزرة كيماوي الغوطة في آب/أغسطس 2013، إبان ولاية الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، الذي توصّل إلى صفقة مع الروس، تقضي بتدمير ترسانة الأسلحة الكيميائية السورية لتفادي القيام بعمل عسكري أميركي ضد النظام، ناسفاً بذلك خطه الأحمر حيال استخدام الأسلحة الكيميائية ضد السوريين.

وخلال حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قصف (بالتعاون مع فرنسا وبريطانيا) مطار الشعيرات العسكري في حمص رداً على مجزرة خان شيخون، ونال هذا الحدث المثير الكم الهائل من التصريحات الدولية والعربية والمحلية بشتّى المجالات السياسية والعسكرية والإعلامية، بل وعقدت لأجله جلسة طارئة في مجلس الأمن، حتّى عاد المطار للعمل من جديد بعد ساعات من إعلان خروجه عن الخدمة، فكان كالمثل القائل: “أسمع ضجيجاً، ولا أرى طحيناً”.

وبعد يوم من مجزرة دوما، تعرّض مطار التيفور العسكري شرق حمص لقصف جوي أمريكي، وجاء الردّ الأقوى من ترامب الذي غرّد على حسابه في تويتر، واصفاً نظيره السوري بشار الأسد بـ”الحيوان”، وأعلن أنَّه سيتم اتخاذ “قرار قوي” للردِّ على هجوم دوما، زاعماً أنَّ بلاده لديها “خيارات عسكرية كثيرة”.

فيما لم نرَ من مجلس الأمن يوم 9 أبريل/نيسان 2018 لبحث الهجوم على دوما، سوى سجالاً كلامياً بين مندوبي واشنطن وموسكو، ويتجدّد السجال في كثير من الأحيان، وآخرها نهاية العام 2020 بين مندوبي روسيا وألمانيا أثناء مناقشة تنفيذ القرار 2118 الخاص ببرنامج سوريا للأسلحة الكيميائية.

الشعب السوري بعد عشر سنوات من القتل والتهجير والتنكيل بالسجناء، والدمار الذي لا يعدّ ولا يُحصى، والمآسي التي تحتاج روايتها سنوات عدة، ما يزال يعاني وحده، لا أحد يشاطره حزنه، وما أقوال الغرب والعرب والأمريكان (…) إلا ادعاءات واهية لحفظ ماء الوجه، والكلّ ينظر لمأساة السوريين من جانب مصلحته الخاصة.
وإلّا لكان لزاماً عليهم سحق هذا المجرم الذليل، وما انتصاراته المزعومة على الثوار سوى أوهام لم تكن لولا الدعم الجويّ والبرّي الروسي – الإيراني وبقية الميليشيات الطائفية التي تُقاتل إلى جانبه عن عقيدتها من جهة، وبمباركة دولية وبإمرة إسرائيلية من جهة أخرى، وما تلك التصريحات الدولية إلّا إبر مخدر وتُرَّهات يضحكون بها على هذا الشعب المستمر بثورته اليتيمة حتى الرمق الأخير.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل