ثمانيةُ أعوامٍ مضتْ يا إِخوَتي على الرَّحيـل، وما نزالُ نرثيكم في كلِّ عامٍ، وكأنَّنا فقدناكم اليوم، فدمـاؤكم الزَّاكية ما تزالُ على الأرضِ تَســِيلُ، وتَمُدُّنَا برائِحَتِها نـوراً، ونســتقي منها مياه السَلْسَبيـل، ونَقْتَبِسُ مِنْهَا الأَمَلَ والقُوَةَ والصَّبرَ الجَميل، فهي نبراسٌ ينيرُ دربَ الثائرين على الظلم بشتى أنواعه وألوانه.
أربعٌ وخمسون قمراً أناروا طريق رفاقهم، كان هدفهم فقط الحصول على الطحين لإطعام المحاصرين بالنيران والجوع، لكن نظام الإجرام لم يدعهم إلا بعد أن طحنهم بقذائفه ورصاصه الغادر، في حمص العدية وقع حصارٌ ليس بعده حصار وفظائعٌ ليس بعدها فظائع.
في ذلك الحين، كان شبابنا على قلبِ رجلٍ واحدٍ ينبضون به، أتعرفون من هو؟ هو بطلنا الذي ما انفك يفارقنا، فهو معنا كونه قلبٌ نابضٌ حتى لو توقفت دقاته عن الحياة.
“عبد الباسط الساروت” كان في ذلك اليوم (الثامن من كانون الثاني/ يناير 2014) رجلاً صابراً حزيناً، فَقَدَ إلى جانب أبطال كتيبته (شهداء البياضة)، شقيقيه أحمد وعبد الله في تلك المعركة (المطاحن)، بعد أن ودّع شقيقين آخرين له في معارك الحرية، هما وليد ومحمد.
لكنّه لم يستسلم، ظلّ يمشي في هذا الطريق الذي حفره أحبابه تحت الأرض، هذا النفق الذي انطلق منه مُصارعاً الحياة، وهو كلّ صباحٍ يتمنّى اللحاق بأحبابه، حتى استجاب الله له بعد فراقهم لمدة خمسِ سنواتٍ عجافٍ، عُرضت له الدنيا بمصراعيها، لكنَّه ثابتٌ على مبدئه، لم يتنازل عنه مُقابلَ متاعٍ زهيدٍ من الدنيا الفانية.
يؤلمني من أعماق قلبي ما حلَّ بنا وبثورتنا، كم نفتقد لأمثال هؤلاء الأبطال، ولشهامة الرِّجال؟ كم نفتقد لأخلاقهم؟ كم نفتقد لتضحياتهم؟ وكم وكم وكم (…)، ومن المُوجع أيضاً أن يتباهى الإمعات بصور “الساروت” كي يرونا كم أنّهم سائرون على دربه، وما هم في الحقيقة إلّا متسلقون كذابون أشرون، يستغلون صور بطلنا ليخدعونا بمكرهم، لكن هيهات هيهات!.
نعِـدُكُمْ يا إخوتي الشهداء، بأنَّنَا ســــنَنْتَقِمُ لـِدِمَائِكم النازفة، ومِنْ أقدامٍ نجسةٍ داسَتْ على جُثَثِكُم، وَسننتقم مِنْ كلَّ رذيــلٍ لوّث طريق ثورتنا (…) متى وكيف لا أدري!، المهم أنّنا نستمرُّ بالمسير، ولن نُسامح ولن نَجبن أبداً.
وسـَنَظَلُّ نَمْضِي ونَمْضِي في طريقِكُمْ الطَّويـل، مهْمَـا طـالَ ليلُ الظُّلم القاتم، ومهما اجتمعَتْ علينا كـلُّ دُوَيـلة، فلنْ نركعَ لِـجوعٍ أو لعرض من الدنيا، ولن نستكينَ، ولـنْ نرضخَ لِأيّ عميـل (…) فليسَ لديـْنَا خَيـارٌ آخـرُ وليسَ لنـا سـَــبيـلٌ، حتَّى نَنَـالَ شــهادةً مثلَكُم أو نصـراً مكيناً.
جُزِيتُمْ يا إخوتي على تضحياتِكُمْ الخَيرَ الجَزيـل … رَحِمَكُمْ اللهُ رحمةً واسعةً، وغفرَ لكم المولى الجَليـل.
عذراً التعليقات مغلقة