“الأخونة” وصفة ناجحة في بلاد الديكتاتوريات

عبد الحميد الشدة29 يونيو 2020آخر تحديث :
“الأخونة” وصفة ناجحة في بلاد الديكتاتوريات

رغم تجنبي التدخل في شؤون الأوطان الأخرى فإني أشير إلى ظاهرة حصلت في مصر وفي سورية وتظهر في العالم العربي في عدة دول إستبدادية وفي الفضائيات وتؤثر على مستقبل شعوبنا.
ففي مصر كانت قد حصلت حالة عداء في شريحة عريضة من المجتمع المصري للإخوان المسلمين عندما استلموا الحكم. وخلال شهور فقط ارتفعت درجة الكراهية لهذا الحزب ولرئيسه بطريقة تصاعدية. ولم يكن لدي معلومات مؤكدة وواضحة عدا مافي الإعلام، وهذا الإعلام كان حرا بشكل كبير وغالبا معاد للإخوان، فتابعت تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية مثل العفو الدولية وهيومان رايتس واتش ولم تكن تحتوي على أخبار تدين الإخوان وحكومتهم كما في الدعاية المنتشرة. وقد سألت الكثير من الأصدقاء المصريين عن وجود حالات انتهاك لحقوق الإنسان ظاهرة ومتكررة أو إعتداء على الحريات، وكان الجواب يأتي بالنفي. الرئيس لم يقتل ولم يضع الناس في السجون ولم يشجع الفساد ووصل بطريقة شرعية ديمقراطية لكن بعض الناس طالبت رحيله قبل الإنتخابات الرسمية.
كيف نفسر حالة الهيجان ضد الإخوان التي حصلت عند المصريين في الداخل وفي الخارج في الفترة التي سبقت الإنقلاب العسكري؟ وهل هي تلقائية أم كان وراءها قوى وتخطيط؟ وفي حالة كان هناك تخطيط فإن هذا التخطيط هو عبقري وذكي فوق العادة ليستطيع النجاح بهذه الطريقة وبهذه السرعة.
أولا لا يمكن تجاهل حداثة الديمقراطية في مصر حيث أنه لأول مرة يتم انتخاب رئيس وبرلمان بطريق ديمقراطية لا جدل في صحتها. وهذا الواقع الجديد جعل الإخوان يرتبكون بانتصارهم ويتصرفون في السياسة بطريقة ربما غير حكيمة لكن قانونيا ودستوريا لم يتجاوزوا حدودهم.
الجمهور المصري الذي حصل على فرصة التصويت على دستور وتنتخاب رئيس ربما لم يقدر هذه الفرصة التاريخية حق تقديرها وبقي ذهنه منشغلا بما سمي “الإعلان الدستوري” الذي تم إتهام الإخوان بمناسبته بأنهم لم يحترموا باقي مكونات الشعب المصري. طبعا الجمهور العادي لم يكد يعي معنى الدستور، وطبعا لم يكن يعرف أن ما كان إسمه الإعلان الدستوري الذي حاز على دعاية وتضخيم ليس شيئا ذي قيمة في تاريخ الشعوب وفي تأسيس الدساتير، وهو أقرب إلى تفاهم سياسي غير ملزم قانونيا لا للدولة ولا للشعب.
النقطة الجوهرية أن التيار الشعبي المعادي لم يعِ أن خطر تعطيل الدستور وإلغاء قرارات الشعب الشرعية الدستورية هو الخطر الحقيقي مادام الرئيس وحزب الإخوان داخل الإطار الدستوري، حتى لو أخطؤوا في مناوراتهم وقراراتهم السياسية وتعيينهم المقربين من حزبهم.
كان هناك مخرج متاح للمصريين وهو طرد الإخوان ورئيسهم من الحكم في أول إستحقاق إنتخابي قادم.
لاحقا تبين في الواقع أن الإخوان والرئيس مرسي لم يكونوا أبدا بتلك القوة وأن سيطرتهم على أجهزة الدولة وعلى الجيش كانت سطحية جدا وشبه معدومة. الجيش وقوات الأمن والمسؤولون الكبار في الدولة والقضاة ومعظم الإعلاميين والفنانين، كل هؤلاء كانوا معادين للإخوان وربما هذا يفسر قوة الدعاية المعادية لهم. العداء الطائفي المسيحي للإخوان كان عنصرا هاما في النزاع وتقارب الإخوان مع السلفية المتشددة بشكل كاريكاتوري زاد من معاداة الإخوان في نفوس الكثيرين من الأقباط ومن غير المتدينين ومن أوساط القطاع السياحي.
الذي جرى بعد الإنقلاب من سهولة القضاء على قوة الإخوان التنظيمية ومن حملة السجن والإعدامات وموت الرئيس مرسي في السجن، كل هذا أثبت ضعف الإخوان السياسي وضعف إمتلاكهم مفاتيح المجتمع المصري، العمل الخيري والنقابي ليس كافيا للتحكم بعالم السياسة والسلطة.
الإخوان في ظروف تاريخية معينة وخاصة وجدوا أنفسهم في السلطة لأن غالبية إنتخابية وجدت فيهم الخيار الأفضل، لكن لأسباب منها عودة الديكتاتورية ورغبة فئات معينة في مصر بالحفاظ على إمتيازاتها ومصالحها غير الشرعية وغير الديمقراطية حصلت عملية خداع كبيرة للرأي العام وتم سلبه النظام الديمقراطي الذي كاد أن يمتلكه.
على المستوى الدولي كان واضحا عدم رضى القوى الغربية و”إسرائيل” عن الإخوان، فقد توقفت الإنتقادات والتدخل في الشأن المصري مباشرة بعد الإنقلاب وحظي السيسي بإستقبال وتعاون كل الدول التي كانت تنتقد الإخوان بحجة الخوف على الديمقراطية.
أي بإختصار تمت محاربة الإخوان بحجة أن “نيتهم وحشة” وتم التسامح مع أفعال السيسي الإجرامية وممارسات نظامه بدون عناء تقديم أية حجة أو تبرير.
عملية شيطنة الإخوان وتضخيم حجمهم ودورهم كانت عملية ناجحة بالنسبة للقوى، الداخلية والخارجية، وأثبتت فعاليتها.
قبلها في سورية، النظام الأسدي وحلفاؤه في الداخل قاموا بإستخدام نفس الإسلوب لأسباب ومصالح ضيقة وفئوية. فمن الثابت أن الإخوان المسلمين توقف نشاطهم في الداخل بالكامل مابين 1983 و2011، وفي الخارج كان نشاطهم محدودا وشبه معدوم، ورغم هذا كانت الدعاية ضد الإخوان ركنا من أركان النظام ولم تتوقف في المدارس وفي الإعلام وفي الأوساط البعثية وفي بعض الأوساط اليسارية والقومية.
في الحقيقة، والواقع فيما بعد أثبت هذا، هو أن عدد أفراد الإخوان كان قليلا جدا، ولن أخوض في العدد لأنه قد يفاجئ السوريين ولا أملك الإحصائيات، لكن دعاية النظام خلقت في كثير من العقول السورية بعبعاً لتسيطر عليهم وتخيفهم. تخيف السني بتهمة الإنتماء للإخوان وخطر الوقوع تحت القانون 49، وتخيف الطوائف ببعبع الحكم الإسلامي، وتخيف المعارضين الباقين بإظهار المثل بالقمع والتعذيب والتغييب القسري.
أي أن شيطنة الإخوان هي طريقة كلها فوائد بالنسبة للسلطة الديكتاتورية وللطبقات الفاسدة المتسلطة، وكرت أبيض لإرتكاب الجرائم بحق الشعوب بكل أريحية وحصانة.
تجربة مصر وسورية أثبتت هذا، واليوم هناك حملة مشابهة وإستخدام مماثل في عدة بلاد عربية.
السؤال هو حول درجة وعي المواطن السوري والإنسان العربي لهذا الإستخدام التجاوزي بهدف سلبه حقوقه في العدالة والحرية والمواطنة الكريمة.
الجهل والإستخفاف هما باب لأن يكون أي مواطن عرضة للإتهام بـ”الأخونة” إن لم يتنازل للحاكم عن حقوقه وحريته وطموحاته المشروعة.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل