ياسر محمد- حرية برس:
بينما العالم منشغل بالكارثة الكونية التي تلم به، ومع انصراف معظم سكان الكوكب إلى متابعة شؤون “كورونا” حصراً، وانحسار الاهتمام بالقضايا الوطنية أو المحلية حتى من قبل بعض أهلها، لا يبدو “ثلاثي أستانا” (روسيا وإيران وتركيا) في عطلة على الساحة السورية، لا سياسياً ولا عسكرياً. فعلى الصعيد العسكري تواصل روسيا تسيير دوريات مشتركة مع تركيا على الطريق الدولي (إم4) وفي محافظة الحسكة حيث تعمل على تعزيز وجودها بعد سيطرتها على مطار القامشلي، وتعلم روسيا أن وجودها هناك يضمن خلق توازن قوى في المنطقة التي كانت مقسومة بين أميركا وحلفائها من جهة، وإيران وميلشياتها من جهة أخرى، إلا أن روسيا نجحت في دق إسفين وتحقيق وجود في مناطق النفط السوري والموالين لأميركا.
ما كان مستغرباً ومدهشاً في الأسابيع الأخيرة، قيام وسائل إعلام روسية ومراكز أبحاث بشن حملة إعلامية ممنهجة على بشار الأسد ورموز اقتصاده، ما زالت متواصلة، وكانت صحيفة “برافدا” رأس الحربة فيها، ووصلت الحملة إلى تخوين الأسد وشقيقه ماهر وزوجته أسماء وحوت اقتصاد سوريا (رامي مخلوف)، كما أن مراكز أبحاث مقربة من حكومة بوتين، أجرت استطلاع رأي في مناطق سيطرة الأسد، ونشرته مستخلصة من نتائجه أن بشار الأسد انتهى ولا يصلح للحكم بعد الآن (برأي مناصريه حتى).
حملة روسيا تستهدف الأسد وشركاء أستانا
تحليل لصيحفة “الشرق الأوسط”، اليوم الأحد، رأى أن حملة روسيا الإعلامية على الأسد ونظامه تتضمن الضغط إزاء ثلاث مسائل:
الأولى: سياسية – عسكرية، ترتبط بالزيارة الأخيرة لوزير الدفاع سيرغي شويغو، وتتعلق بضرورة التزام النظام بالاتفاقات العسكرية الموقعة بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، وألا تستجيب دمشق لتشجيع على فتح معركة مع الأتراك وفصائل موالية لهم في شمال غربي سوريا، لأن موسكو ترى علاقتها بأنقرة أكبر استراتيجياً بكثير من إدلب، وأن معارك شمال غربي سوريا قرارها روسي يخص ملفات كبرى.
الثانية: إيرانية – إسرائيلية، أراد فيها الكرملين تذكير نظام الأسد بالتفاهمات الروسية- الإسرائيلية- الأميركية، ورغبة موسكو بتقييد دور إيران في سوريا وتحديد ملامحه، خصوصاً فيما يخص وجود تنظيمات تابعة لإيران في الجنوب السوري، وخاصة في الجولان.
الثالثة: اقتصادية – ريعية، تتعلق بتنامي اعتراض شركات روسية وتنظيمات بعضها تابع لـ”فاغنر”، بسبب عدم توفر عائدات مالية موازية للتدخل العسكري، خصوصاً في قطاعات حصص النفط والغاز والصفقات الاقتصادية.
مخاوف تركيا وإيران
قبل التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا (أيلول 2015)، كانت إيران أكبر الرابحين إن لم تكن الرابح الوحيد من دعم نظام الأسد المتهالك آنذاك، فسيطرت على مدن سورية كاملة عبر أذرعها (حزب الله) وميليشياتها الطائفية التي أنقذت الأسد من سقوط محتوم.
المكاسب الإيرانية تقلصت وتراجعت كثيراً بعد استهدافها من قبل الأعداء (أميركا وإسرائيل) والحلفاء (روسيا)، ما جعل الوجود الاحتلالي الإيراني في سوريا في مهب الريح، وهو ما دفع طهران إلى إيفاد وزير خارجيتها عاجلاً إلى دمشق، ليذكر الأسد بأفضال إيران عليه وحصتها التي لا يجب أن تُمس! وفق تحليلات سياسية خلصت إلى أن مخاوف إيران حالياً تتلخص في الآتي:
الأول: استبعادها من التفاهمات الروسية- التركية الخاصة بإدلب، المبرمة في 5 مارس (آذار) الماضي. فإيران بالاسم فقط ضمن مسار آستانة، وهي غير منخرطة في الدوريات الروسية – التركية، ولا الترتيبات العسكرية، لذا فإن طهران ترى ضرورة أن يكون اتفاق إدلب مؤقتاً لا يسمح بوجود تركي دائم.
الثاني: الإشارات العربية الآتية إلى نظام الأسد، سواء سعي الجزائر إلى إعادته إلى الجامعة العربية وفتح دول عربية أخرى أقنية سياسية من بوابة التعاون الإنساني ضد كورونا، لـ”إعادة سوريا إلى الحضن العربي ودورها الطبيعي”، وتقود الإمارات هذا التوجه، وتدعمه مصر، أما السعودية فتربطه بتخلي نظام الأسد عن علاقته بإيران.
الثالث: الغارات الإسرائيلية، واستمرار تل أبيب باستهداف مواقع إيرانية في سوريا، من حدود العراق إلى دمشق وأي مكان توجد فيه في سوريا، ما يعني أن طريق “طهران- دمشق” الذي تحلم بفتحه ويمر عبر البادية السورية سيبقى تحت رحمة “إسرائيل”.
الضلع الثالث في مسار “أستانا”، تركيا، حليف المعارضة الوحيد المتبقي، وإن استقرت لها الأمور بشكل مقبول في شمال حلب (مناطق درع الفرات وغصن الزيتون)، فإن إدلب ما زالت غير مستقرة، بل مفتوحة على سيناريوهات معقدة، أحدها المواجهة مع “هيئة تحرير الشام” كما بدا اليوم في الاشتباكات المحدودة إثر فض الأتراك اعتصاماً على طريق “إم 4” ومقتل مدنيين اثنين وجرح آخرين، ويقال إن الهيئة هي التي ترعى وتعزز الاعتصام.
وتبدو تركيا قلقة من ثلاثة أمور أيضاً، وفق تحليل “الشرق الأوسط”، هي:
أولاً: القلق من جهود أطراف عدة لـ”شرعنة” سياسية لـ”وحدات حماية الشعب” الكردية التي تعدها أنقرة امتداداً لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف تنظيماً إرهابياً. وقد يكون المقصود أميركا التي تدعم “الوحدات” شرق الفرات، أو النظام الذي يقيم علاقة معها. لكن الإشارة تصل إلى موسكو أيضاً التي وسعت وجودها العسكري في القامشلي، وتقيم علاقة طيبة مع الأكراد.
ثانياً: تريد تركيا استعجال موافقة روسيا لتنفيذ البنود الأخرى المتعلقة باتفاق موسكو حول إدلب، خصوصاً ما يتعلق بعودة النازحين إلى بيوتهم، وتقديم ضمانات بعدم استهدافهم، وتوفير بنية تحتية لهم، بما يشجع ملايين الناس على الرجوع إلى مناطقهم.
ثالثاً: القلق من استمرار جهود دول عربية (الدول الداعمة للثورات المضادة) مع موسكو ونظام الأسد لمواجهة النفوذ التركي في شمال سوريا.
عذراً التعليقات مغلقة