لوموند الفرنسية- ترجمة وإعداد: زويا بوستان
حاولت دراسات عديدة تقدير الوقت الذي يبقى خلاله فيروس كورونا (كوفيد 19) نشطاً على الأسطح الجامدة، ولكن معرفة الأرقام أكثر تعقيداً مما يبدو عليه الأمر للوهلة الأولى!
هل هناك خطر بأن نصاب بالعدوى عندما نلمس بأيدينا أسطحاً كان قد لمسها مصابون بفيروس كورونا؟
نعم هذا ممكن وفقاً للدراسات التي حاولت إرساء مدة زمنية لبقاء الفيروس على الأسطح غير الحية.
ولكن حتى ولو كان الخطر قائماً فإن التقديرات الزمنية تبقى غير راسخة وثابتة خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار الطريقة التي يتبعها الباحثون في عملية محاولات القياس تلك.
كم من الوقت يعيش الفيروس على الأسطح والأشياء؟
علينا أن نوضح في البداية أننا لا نستطيع الحديث عن حياة لفيروس في ضوء معرفة أن الفيروس ليس كائناً حياً في الواقع وإنما نتكلم هنا عن حفاظه على فعاليته أي كم من الوقت يبقى الفيروس معدياً بحسب ما تشير استريد فابريه رئيسة قسم علم الفيروسات في منشأة CHU في كايين والمختصة بفيروس كورونا.
ويرتبط ثبات فيروس (سارس كوف 2) المسؤول عن مرض (كوفيد 19) على نوع السطح بحسب دراستين علميتين رئيستين نشرتا حول هذا الموضوع تحديداً، الأولى نشرت في السادس من شباط في صحيفة (هوسبيتال إنفكشن) وتضمنت تجارب للفيروس على ثمانية أسطح مختلفة ومقارنته مع سلالة أخرى من فيروس كورونا كذلك الذي سبب (السارس) عام 2003 و(الميرس) عام 2012
الباحثون وجدوا سلالة نشطة من الفيروس تبقى فاعلة لغاية خمسة أيام على الحديد والزجاج والسيراميك بعد تعرضهم للرذاذ المعدي:
فقد أفضت النتائج إلى أن الفيروس يستطيع أن يصمد على الأسطح ما بين الساعتين والستة أيام (طبعاً يتقلص زمن بقائه كلما اقتربت الحرارة من ثلاثين مئوية) كما أن الباحثين اكتشفوا سلالات فعالة من الفيروس بعد خمسة أيام من تعرض جسم حديدي للرذاذ وكذلك الزجاج والسيراميك ولكنهم لم يستطيعوا أن يحددوا كمية الفيروسات الموجودة على كل من هذه الأجسام على حدى.
وأيضاً أظهرت نتائج أخرى مدد متفاوتة لبقاء الفيروس على البلاستيك، من يومين إلى ستة أيام، بينما ثبت أنه يموت خلال ساعات على الأجسام المطاطية والألمنيوم.
دراسة ثانية نشرت في (نيوانغلاند جورنال أوف ميديسين) في السابع عشر من آذار كان موضوعها اختبارات على مقاومة الفيروس فوق أسطح أو أجسام أخرى كالكرتون والجلد أو في الهواء بعد رشه بشكل رذاذي، وأظهرت نتائجها مدد زمنية لبقاء الفيروس أقل من تلك المنشورة سابقاً، إذ إن الفيروس وبحسب الدراسة يبقى ثلاث ساعات في الهواء، وثلاثة أيام كأقصى حد على الحديد والبلاستيك، بالإضافة إلى أربع وعشرين ساعة على الكرتون لنفس الكمية من الفيروس المتناثر.
هاتان الدراستان تتفقان على نقطة واحدة وهي أن أطول فترة زمنية يعيش فيها الفيروس هي على البلاستيك والحديد.
وأشارت دراسة ثالثة صادرة حديثاً عن (سنترز فور ديزيز كونترول) الأمريكي إلى أنه تم رصد المادة الجينية للفيروس في كبائن مسافري السفينة (دياموند برينسيس) حيث وضع 3700 شخص هناك ضمن حجر صحي في شهر شباط حتى بعد 17 يوماُ من ترك هؤلاء المحجورين للكبائن، ولكن من غير الممكن الاستنتاج إن كان هناك انتقال للعدوى عبر أسطح هذه الكبائن الملوثة كما يؤكد مؤلفو الدراسة، الذين دعوا في نفس الوقت إلى المزيد من الأبحاث حول هذا الموضوع.
إذاً، في حال عدم القدرة على تحديد الظروف المادية من حرارة ورطوبة على سبيل المثال يبقى من الصعب نسبياً تقييم صحة هذه الفترات، وسيكون أي استنتاج أو خلاصة متعجلاً ومتهوراً وخاطئاً بالمطلق في أفضل الأحوال.
ويشرح الطبيب برونو غرانباستيان رئيس الجمعية الفرنسية للصحة العامة للمشافي: نحن لا نستطيع التأكد من كون الفيروس الموجود قادر على العدوى ثانية فهو أمر ضبابي حتى اللحظة.
وتقول الدكتورة أستريد فابريه إن أهمية هاتين الدراستين تأتي من تطابق آليات الحساب الزمني خلال كامل فترة التجارب ولهذا فإن المقارنة بين سطحين تكون سليمة.
ويرى الطبيب غرانباستيان بأن الجرعات مقترنة بالحالات حيث إننا نتوقع مقداراً أكبر عندما نأخذ عينة أنفية، ولكن فترة البقاء المقدرة للفيروس في الهواء على الأغلب هي أطول مما هي عليه في الواقع حيث إن الرذاذ المتناثر دقيق جداً في الحقيقة، وهذا الفيروس ينتقل عبر قطرات كبيرة الحجم سرعان ما تسقط على الأرض بفعل الجاذبية.
وخلاصة الأمر وتبعاً لنوع الأسطح فإن فيروس (سارس كوف 2) يستطيع أن يبقى على الشكل التالي:
ما هي احتمالات الإصابة بالعدوى؟
هذا هو السؤال الأساسي والذي تتعذر الإجابة عنه في آن معاً! فقد أشار باحثون إلى أن إمكانية انتقال الفيروس إلى الأشخاص الذين يتعاملون أو يلمسون أسطحاً ملوثة لم تنجل بعد بسبب نقص في البيانات. حيث إن المشكلة الحقيقية تمكن في عدم معرفة الجرعة الكافية لنقل العدوى، والتي تعني كمية الفيروسات الكافية لتوليد العدوى -بحسب الدكتورة أستريد فابريه- والذي كان من الممكن أن يغير طريقتنا في قراءة المدد الزمنية لبقاء الفيروس، وهو ما أكده الدكتور برونو غرانباستيان حيث قال: “ليس لدينا أي معطيات عن هذا الموضوع سوى معرفتنا بأن هناك تدرج، فكلما كانت الحمولة الفيروسية أكبر كلما زادت احتمالات العدوى لدى الأشخاص، ولكن هذا المعطى يختلف للغاية بحسب نوع الفيروسات.
هل يجب أن ننظف كل المواد التي نلمسها؟
سؤال يطرحه الكثير من الأشخاص بعد أن تلقوا رسائل كثيرة على وسائل التواصل الاجتماعي تتمحور حول أهمية ترك المشتريات مدة ساعة ونصف في السيارة، ومن ثم بخ كل هذه المنتجات بمادة معقمة من محلول الجافيل!
هذه النصيحة مبالغ بها بشكل مفرط بحسب البروفيسور فابريه والتي تقول بأن غسل اليدين بشكل منتظم وعدم وضعها في الفم كفيل بإزالة ما يمكن أن نكون قد التقطناه من على الأسطح هذه.
لسنا بحاجة لأن نعقم المواد الغذائية التي نتناولها لأنه لا يوجد احتمال للإصابة بالمرض عن طريق الجهاز الهضمي:
وبحسب برونو غرانباستيان فنحن لسنا في موقف يتطلب منا تعقيم المواد الغذائية التي نتناولها فليس هناك إمكانية لانتقال العدوى عن طريق الجهاز الهضمي. وفي المقابل فمن المستحسن أن نغسل أيدينا والمواد الغذائية التي قمنا بلمسها، وهذه من قواعد النظافة الأساسية التي من المفترض أننا نطبقها يومياً بمعزل عن وجود الجائحة.
وترك المشتريات لمدة ساعة ونصف في السيارة لا ينفع فما يتعلق ببقاء الفيروس على الأسطح الكرتونية والبلاستيكية، وينصح هنا بغسل اليدين بعد كل تسوق، لأنها العامل الأساسي في نقل الفيروس، بالإضافة إلى تعقيم وتنظيف المساحات التي قد نلمسها باليدين أثناء عملنا اليومي.
ويمكن للمهجوسين أكثر بهذا الموضوع رغم أن خطورته تكاد تكون معدومة تنظيف العبوات الكرتونية والبلاستيكية التي يتم جلبها من خارج المنزل، ما يساهم غالباً في التقليل من احتمالات الإصابة بالعدوى، بحسب عالمة الفيروسات آن غوفار في جواب لها على قناة فرنسا الثقافية، مذكرة مع ذلك بانعدام قدرة الفيروس الموجود على الأشياء على إصابة الجسم البشري دون حدوث تماس بينهما (لمس اليدين لسطوح الأشياء الملوثة).
وفيما يخص الأقمشة فليس هناك أي معطى علمي يدلل على قدرة الفيروس على الصمود عليها، حيث إن الأخير لا يمكنه أن يعيش في درجة حرارة أعلى من 30 مئوية بكل بساطة، تقول الدكتورة جورجين نانو في تصريح أدلت به لصحيفة هافنغتون بوست، مضيفة أنه من حيث المبدأ ليس هناك حاجة إلى غسل الملابس في درجة حرارة 60 إذاً.
عذراً التعليقات مغلقة