لماذا لا تنتصر الجماعات المسلحة؟

وليد أبو همام15 أكتوبر 2019آخر تحديث :
لماذا لا تنتصر الجماعات المسلحة؟

صناعة الميليشيات المسلحة لا تحتاج إلى معادلات معقدة، القليل من المال، وبعض العقول المنغلقة، وجهة مخططة، وما يسهل نشأتها وعملها هو عدم وجود عقد اجتماعي تعمل بمقتضاه، لذا فهي لا تخضع لقوانين الدولة بل تتحكم بها الأهواء والمصالح الشخصية.

وإطلاق تسمية العصابات والمرتزقة والمأجورين على عدد كبير من الجماعات المسلحة أصبح الطابع العام الذي يسود حديث الناس، وهذا إما قد يكون جراء وسيلة التعميم التي يستخدمها البعض هربا من صعوبة التفكيرالإيجابي، أو لارتباط هذه الأنواع بأفكار قديمة عن اللصوصية والقتل وقطع الطرق.

ورغم أن صناعة هذه الجماعات المسلحة هو عمل قديم تاريخيا لكنه لم يتطور كثيرا، فهو ما يزال يعتمد ذات الأساليب ولا يزال يحصد ذات النتائج، فهي سريعة النشأة والاختفاء دون أن تترك وراءها من يحمل مسؤولية الأعمال التي قامت بها.

تختلف هذه الجماعات عن بعضها من خلال الهدف الذي تسعى لتحقيقه، فإما أن يكون هدفها القتل بقصد المال، وإما أن يكون هدفها الحصول على حقوقها وحقوق من تمثله، والصنف الأول انتشر بشكل كبير في السنوات الأخيرة وأصبح أكثر تنظيما كما هي شركات ومؤسسات الأمن التي تعمل بترخيص من الدولة، وهؤلاء لا يشكلون أي خطر على الدولة التي يعملون لصالحها، فهم لا يحملون أي مطامع كبيرة تزيد عن الحصول على المال في نهاية المطاف ولا يهمهم الهدف الذي يعملون لتحقيقه، وينتهي وجودهم بانتهاء العقد أو المال، أو بزوال الجهة التي أوجدتهم، ولا يمكن القول بأن مثل هؤلاء قد يتحولون إلى جيش منظم تستند إليه الدولة.

الصنف الثاني هو الأكثر خطورة على الدول، بسبب الهدف الذي يسعى إليه، وكلما كان إيمان أفراد هذه الجماعة بشرعية هدفها وحقها فيه كلما زاد دفاعها عنه.

وفي هذا المجال يمكن أن نضرب أمثلة من الواقع المعاصر ولكنها تحمل تركيبا مختلفا عما سقناه آنفا.

الأول وهو العصابات الصهيونية التي استطاعت فيما بعد من تشكيل “دولة اسرائيل” وما ساعدها على ذلك هو الفكرة التي يحملها هؤلاء أن أرض فلسطين هي أرض أجدادهم ولهم الحق في استعادتها، رغم أنهم كانوا عبارة عن عصابات صغيرة هدفها القتل لكنها شكلت نواة لجيش منظم ودولة معترف بها من معظم دول العالم.

أما الثاني فهي الجماعات الكردية المسلحة التي تعمل للحصول على دولة مستقلة، وهذا الهدف يشبه إلى حد كبير هدف الصنف الأول لكن مع اختلاف الوسائل في تحقيقه، فالجماعات الكردية لم تلجأ إلى القتل بالدرجة الأولى لتحقيق غاياتها بل اتجهت للتحالفات بشكل أكبر وهذا ما أضعف موقفها وجعلها تابعة لأكثر من جهة وبالتالي تشتتت أهدافها ولم يعد بمقدورها تكوين اتحاد يضم كل أصناف الجماعات تحت راية واحدة.

النوع الثالث هو الثوار السوريون الذين حملوا السلاح لهدف واحد هو تحرير الأرض من الاستبداد وهكذا فقد كان لديهم فرصة كبيرة في أن يكونوا بديلا عن قوات نظام الأسد لكن الدول الواعية لهذا الأمر والتي تعلم حقا أن الغلبة ستكون لهذه الجماعات بادرت وبشكل فاعل لحرف الكثير منها عن هدفها واستبداله بأهداف قصيرة الأجل وحتى بمصالح شخصية، فانهارت القوى وتسلل اليأس إلى من بقي محتفظا بمبادئه، وأصبح الحفاظ على ما بقي هو الهم وتلاشى حلم التحرير تحت أقدام ضعاف النفوس وطالبي المناصب وجامعي الأموال.

أما النوع الأخير فهو ميليشيات النظام السوري، وهذه شكلت وبالا على صانعيها كونها ضمت أصحاب الجرائم، وهؤلاء لا يجمعهم هدف محدد إنما غاية كل منهم هو مصلحته الشخصية وظهر ذلك عندما انتهت مهامهم، فبقي العديد منهم يمارس مهامه لكن ضد أسياده.

هذه الأمثلة تؤكد لنا أنه لا يمكن لأي جماعة مسلحة الحصول على مكاسب دون موافقة ومباركة من الدولة الراعية لها حتى في الحصول على حقوقها المشروعة، وطالما أن هذه الجماعات أو تلك لم تستطع استعادة حقها بمفردها وبقوتها فإن بقاءها مرتبطة بجهة معينة لن يمنحها حق الاستقلال مهما فعلت.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل