نظرة في كتاب “حصار قطر… الجذور والسياقات وإستراتيجيات المواجهة”

فريق التحرير30 يونيو 2019Last Update :

فالح حسين الهاجري

منذ بدء أزمة حصار قطر، شغلني التفكير في مدى خطورتها وتأثيرها في مستقبل “خليجنا واحد”، ضمن تساؤلات كثيرة أهمها: هل خُدع القطريون والخليجيون؟ وما الذي حصل بالضبط؟ وما تأثيرات ما حصل في الجانب الاجتماعي والتنموي والسياسي والأمني للخليج؟

سؤالان آخران خطرا ببالي سمعتهما كثيراً في أحاديث كبار السن والنخب الاجتماعية، سؤال علمي ملخصه: هل الأزمة قديمة أم حديثة؟، وسؤال منطقي يتمثل في: لماذا حدثت الأزمة؟، لذا أتى كتاب “حصار قطر: الجذور والسياقات وإستراتيجيات المواجهة”، كاشفاً عن الحقائق جميعها، جامعاً لكل الآراء، ومفسراً للحادثة وتوابعها وتأثيراتها المستقبلية.

ولأن الأزمة الخليجية، التي بدأت في 5 يونيو 2017، لم تستوفِ حقها في التفكير والتحليل، خاصة برؤيتنا نحن أبناء الخليج، أتى الكتاب محاولاً فهم الأزمة بأبعادها المختلفة والعميقة، ليس فقط عند حدود جغرافيا منطقة الخليج والعالم العربي، بل وفي مجال الشرق الأوسط والنطاق العالمي ككل، وتنقل الكتاب في تفصيلاته بين مراجع كثيرة، معتمداً وثائق تاريخية سرية، ودراسات لمراكز أبحاث ودراسات محلية ودولية، بالإضافة إلى تقارير دولية، وتصريحات مهمة لمسؤولين من مختلف الأطراف، وهو ما يجعله مرجعاً تاريخياً مهماً للباحثين والراغبين في معرفة التفاصيل الدقيقة لأزمة حصار قطر وتأثيراتها المتعددة.

يقع الكتاب في خمسة فصول؛ يبدأ بالجغرافيا السياسية الضاغطة لدولة قطر ضمن محيطها، وتكتلات القوى الإقليمية الكبيرة حولها، فيما شرح الفصل الثاني الجذور التاريخية للأزمة الراهنة بشقيها البعيد والقريب، وصولاً إلى سياسة قطر الخارجية في عهد الأمير الشاب، ووقف الفصل الثالث على الدوافع المباشرة لأزمة حصار قطر في يونيو 2017، بداية من بنود اتفاق الرياض، مروراً بالصراع على الموانئ والنفوذ التجاري، وصولاً إلى ملف الإسلام السياسي، ليتجه الفصل الرابع إلى الخطوات العملية التي اتبعتها قطر على المستوى الرسمي وغير الرسمي في إبطال مفعول الحصار، في حين كان لا بد من الحديث عن المجتمع المدني القطري، في حديث الهُويّة القطرية، وموقف النخبة ورجال الاقتصاد، والخطوات التي تداركها المجتمع نتيجة الانكشاف الاقتصادي، ولم يغفل هذا الفصل عن الشركاء والدول التي ساهمت في كسر مفعول الحصار، خصوصاً الموقف الكويتي والعُماني والتركي والإيراني.

وفي الفصل الخامس والأخير كان لا بد من الوقوف على انعكاسات الأزمة، وبالأخص منهجية الدبلوماسية القطرية التي اعتُمدت لمعالجة الأزمة، وأهمها تغيير الموقف الأمريكي بعد التناقض بين موقف الإدارة الأمريكية برئاسة الرئيس دونالد ترامب وموقف المؤسسات الأمريكية الثابت، وكسب دعم دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، إضافة إلى العلاقات المختلفة الجديدة التي فتحتها قطر على دول واتحادات جديدة في آسيا وأمريكا اللاتينية وجميع دول العالم.

لم يدع الكتاب مجالاً طاله الحصار إلا وتناوله بكل اهتمام وتفصيل عبر مراجعه الموثقة، مما يجعله إضافة معلوماتية ومعرفية جديدة، كما تحدث عن تداعيات الحصار على مستوى العلاقات القبلية والتحالفات الإستراتيجية في المنطقة، وعلى المستوى السياسي والاقتصادي والرياضي والإعلامي، فعلى المستوى الإستراتيجي أصابت الأزمة الخليجيين بأكبر خيبة أمل فيما يتعلق بتجربة مجلس التعاون الخليجي، الذي أسس عام 1981 لتحقيق الوحدة الخليجية، وليكون مرجعية قوية للحفاظ على أمن جماعي مشترك في منطقة هي الأغنى في العالم بثروات الطاقة،  إذ أفشلت السعودية والإمارات تأسيس قطب اقتصادي عالمي ذي تأثير سياسي في الحلبة الدولية؛ نتيجة قرار الحصار الخاطئ، وقد مرت أزمة الحصار على المجلس وكأنها لم تحدث في الأساس، ولم يلعب المجلس أي دور للوساطة أو لاقتراح الحلول، بل كانت قرارات الأمانة العامة للمجلس منحازة لطرف دون آخر، مما يشكل تهديداً لثقة المجتمعات الخليجية في بعضها بعضاً.

وعلى المستوى الاقتصادي كانت الأرقام التي تَعرض لها الكتاب كبيرة وخطيرة، فقد انخفض مستوى التبادل التجاري بين قطر ودول الحصار من3  مليارات دولار أمريكي قبل الأزمة إلى  103ملايين دولار فقط بعد الأزمة، فقطر كانت تعتمد على السعودية في تأمين 40% من حاجياتها، أما الإمارات فتعتمد وحدها على قطر في تأمين ثلث حاجتها من الغاز الطبيعي عبر خط أنابيب دولفين للطاقة، وهو أول مشروع لنقل الغاز الطبيعي المكرر عابر لحدود دول مجلس التعاون الخليجي.

كما أصابت الأزمة قطاع الطيران القطري بخسائر كبيرة، قبل أن تجد قطر خطوطاً ومسارات جوية بديلة، وبالرغم من أن دول الحصار حاولت ضرب الاستثمارات القطرية والريال القطري كجزء من إستراتيجية شاملة تهدف لضرب الثقة في الاقتصاد القطري، إلا أن قطر استطاعت امتصاص تلك الضربة، ومع هذا، ونتيجة للحرب اللاأخلاقية التي شنتها دول الحصار دون مراعاة للمصالح الأخوية المشتركة، لم يسلم القطاع المصرفي الخليجي من التأثر؛ بسبب الارتباطات المالية بين دول الخليج.

وتناول الكتاب، بكل وضوح، مدى تأثير الحصار في النسيج الاجتماعي، بعد إثارة النعرات القبلية والعائلية، من خلال تأليب دول الحصار لقبائل قطر ضد حكومتها، وفصل عدد كبير من العوائل المختلطة، القطرية السعودية، والقطرية الإماراتية، والقطرية البحرينية، وبالرغم من أن دول الحصار طلبت من العائلات القطرية مغادرة أراضيها دون أي تعويضات اقتصادية، لم تتعامل قطر بالمثل، فقد ظلت عائلات دول الحصار في قطر تمارس حياتها الطبيعية دون أي تغير.

وعلى المستوى الرياضي، تحدث الكتاب عن مساعي دولة الإمارات الحثيثة للحيلولة دون استضافة قطر لمونديال كأس العالم 2022 والمطالبة بنقله إلى دولة أخرى، أو على الأقل استضافته من قبل دول الخليج مشتركة، كما تحدث عن كيفية تحويل الإمارات بطولة أمم آسيا 2019 إلى منصة للتهجم على دولة قطر، وعن منع الجمهور القطري من دخول أبو ظبي لتشجيع فريقه، إضافة إلى الاعتداءات اللاأخلاقية على اللاعبين، من سِباب ورمي بالأحذية، فضلاً عن تهميش المنتخب القطري إعلامياً بالرغم من فوزه بالبطولة.

وكان لا بد للكتاب من الحديث عن نظرة استشرافية لمستقبل الأزمة الخليجية، وقد عرضها وفق سيناريوهات ثلاثة، أولها “سيناريو انسداد الأبواب وعدم انتهاء الأزمة”؛ ويبين الكتاب فيه حالة الفتور والجمود التي أصابت الأزمة، فلا دول الحصار مستعدة للتنازل عن شروطها، ولا قطر لديها الثقة أو الحاجة إلى إعادة العلاقات، وهي الدولة التي تعرضت لخطر الاجتياح العسكري، ويأتي الانسداد نتيجة انشغال دول الحصار بمشاكلها الداخلية والخارجية، أما السيناريو الثاني فهو “العناد والمكابرة”؛ فسيتسمر جميع الأطراف في دفع تكلفة وتبعات الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمعنوية الكبيرة، ورجّح الكتاب هذا السيناريو وبقاء الأزمة ضمن المعادلة الصفرية دون أي تقدم يذكر، مستدلّاً بإخفاق الوساطة الكويتية، وتردد أو تقاعس الإدارة الأمريكية عن القيام بدورها الفاعل في الضغط على أطراف الأزمة، فيما استبعد الكتاب حدوث السيناريو الثالث على المدى القصير وفق الإطار التحليلي لمجريات الأحداث، وهو “الحل وإنهاء الأزمة”، لكنه جعله وارداً ومطروحاً على المدى البعيد، ويشمل في بدايته تفعيل المستوى الأدنى من تطبيع العلاقات بين الدول الخليجية، بعد إنهاء الحصار وعودة السفراء، وتأجيل الملفات السياسية والأمنية والاقتصادية الخليجية المشتركة حتى تلتئم الجراح، وفي هذا الإطار شرح الكتاب أموراً ثلاثة لنجاح هذا السيناريو، وهي: إرادة وقناعة حقيقية من مختلف الأطراف، وإسناد دولي للوساطة الكويتية، ووقف الأعمال العدائية، مثل الهجوم الإعلامي والحصار الاقتصادي والاجتماعي.

وفي نهاية الأمر، خلص الكتاب إلى نتائج مختلفة، أهمها نجاح قطر في التخلص من سياسة الاعتماد المطلق على الجوار وإثبات ذاتها داخلياً في توفير حاجياتها بقدراتها عبر الشركات التي افتتحتها بعد وقوف القطاع الخاص مع الدولة، وحسن تعامل قطر مع الأزمة رسمياً ومجتمعياً ضمن الإطار العالمي للأخلاق والمعايير الدولية، وتحرر قطر بفعل الصدمة من ضغوطات وإكراهات الجارة الكبيرة “السعودية” والصغيرة الطامعة بمكتسباتها السياسية والاقتصادية والمنافسة لها “الإمارات العربية المتحدة”، ثم نبه الكتاب إلى الكابوس الذي سيظل ملاحقاً كل الدول الخليجية، ويتمثل في إمكانية تنفيذ عمل عسكري ضد دولة عضو في مجلس التعاون الخليجي، وقد ذهب الكتاب إلى أعمق من ذلك على مستوى منظومة التحالفات القديمة لدول الخليج، فقد بدأت قطر والكويت وعُمان بالبحث عن حلفاء جدد لاحتمال تعرضها إلى خطر مشترك، وبعيداً عن الرغبات السعودية والإماراتية الرامية للتوسع والهيمنة على حساب بقية الدول الخليجية، وعدا التراتبية التاريخية والرؤية التحليلية السياسية للأحداث والطرح الاستشرافي لسيناريوهات الأزمة، فهذا الشيء الأخير هو ما توصل إليه الكتاب في سياقاته ونتائجه بشكل عام.

***

الكاتب القطري فالح حسين الهاجري في سطور

مدير إدارة التراث والهوية في وزارة الثقافة القطرية، ونائب رئيس تحرير جريدة الشرق القطرية، ورئيس تحرير مجلة الدوحة الثقافية في وزارة الثقافة، ولديه مشاركات علمية وإسهامات بحثية كثيرة. 

Comments

Sorry Comments are closed

    عاجل