من يُتابع الأخبار اليوميَّة سواء محليَّة أو عربيَّة أو دوليَّة تجذبه الأفكار الجديدة، وخاصة التي تُوقع صاحبها بسيل من الانتقادات (السلبيَّة أو الإيجابيَّة)، وتلقى رواجًا إعلاميًّا هائلًا.
كثيرةٌ هي الشخصيَّات التي وقعت بمطبَّات تُعرّضها للانتقاد بسبب تصريحاتها، وبات الترُّند على حلبة منصة “التويتر” ساحة للمناكفات السياسيَّة، وقد تقلب بعض التغريدات موازين بلد بأكمله، أو تنعكس على المتابعين، وتُغيُّر مجرى تفكيرهم بشيءٍ ما.
يلجأ الساسة للفت أنظار المتابعين بمنشور أو صورة أو مقطع مصوَّر قد يُقيُّمه البعض بأنَّه تافهٌ، ويُخفض ميزان نظرتهم لهذا السياسي. بينما يأخذ منحىً إيجابيًّا لدى آخرين، وذلك عبر نوع من أنواع الدعاية.
على الرغم من سلبيَّة النقد أو إيجابيته، قد يسعد بعضهم بما تُحقّقه هذه الانتقادات من “الشهرة”، ويتفنَّن المتابعون لهم بإسقاط الضوء عليهم، ومنهم من يكتب أشعارًا وتعبيرات، ومنهم من يلجأ للرسم الكاريكاتيري، أو ينتج مقطعًا مصورًا بطريقة كوميدية.
خلال العمل السياسي ونشاطه قد يقع السياسي/ة في مجموعة من العثرات نتيجة عدم خبرته/ها، أو لعدم وجود مختصين ومستشارين يُقدِّمون له/لها النصح، أو لاعتداد السياسي/ة برأيه منطلقًا من ذاتيته، ومن إيديولوجيا مغلقة موجهة إلى أشخاص خطأ، ويُصدر تصريحات تنعكس سلبًا عليه وتُوقعه بموجة سخرية، وتنعكس على الموضوع المطروح بالسوء، وتلعب السوشيال ميديا دورها الكبير في الترويج السلبي أو الإيجابي لها.
لعلَّ من أكثر الشخصيَّات التي نالتْ كمًا هائلًا من التناقل على مواقع التواصل الاجتماعي الدوليَّة والعربيَّة، هو الرئيس الأمريكي الحالي “دونالد ترامب”، فمنذ توليه المنصب اتخذ من منصة (تويتر) منبرًا له، ووصف بشار الأسد بـ”الحيوان”، وبعدها بدأ باتخاذ القرارات المصيريَّة عبر التغريدات على الصعيدين الأمريكي والدولي، فعاقب تركيا على توتير ثم صالحها، وأقال وزراء العدل جيف سيشنز، والدفاع ريكس تيلرسون، والداخلية رايان زينكي، وغيرهم، وكان آخرهم إقالة مدير المخابرات السريَّة راندولف أليس، ووزيرة الأمن الداخلي الأميركي كريستين نيلسن.
وربّما للرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” صدارة على السوشيال ميديا، فكثيرةٌ مواقفه التي ضجّت بها مواقع التواصل الاجتماعي، وأذكر منها حينما رفع علم بلاده عن الأرض ووضعه في جيبه وسط زعماء العالم في ختام قمة G20 في روسيا 2013، وتكرر الموقف ذاته، أمام رئيس تركمانستان عام 2014. ومواقف أخرى كثيرة كان آخرها شهر آذار / مارس الماضي قيامه بتوزيع أكياس شاي على المواطنين أثناء حشد جماهري قبيل الانتخابات المحليَّة، واستخدم روّاد مواقع التواصل الاجتماعي والشبكات الإخبارية هذا الموقف بشقيه الإيجابي والسلبي.
وكان لصورة زوجات عدد من زعماء العالم الجماعيَّة أثناء لقائهن في حفل قرب بروكسل على هامش قمة حلف شمال الأطلسي العام الماضي، التي ظهر فيها زوج رئيس وزراء لوكسمبورغ كزافييه بيتل (المثلي) انتقادات واسعة في المواقع العربيَّة كونه أمر مستهجن على خلاف المجتمع الغربي.
ومؤخرًا، نالت المرشحة التركيَّة “إلاي أكسوي” الحظ الوفير من السخريَّة، كونها توجَّهت بتصريحات عنصريَّة آملةً أنْ تُؤثر على الجمهور من خلالها للفوز بانتخابات البلدية، فرفعت بيدها كيس بطاطا “ديربي” المعروف في سوريا، وانتقدت الكتابة العربيَّة عليه، لتنهال الانتقادات الساخرة منها، والداعمة لشركة “ديربي” قائلين باستهزاء: إنَّ بطاطا ديربي شهيرة بدون إعلانات، وباتتْ الأشهر عندما انتصرت على المرشحة التركيَّة التي لم تنلْ سوى نسبة ضئيلة جدًا لم تتعدى الأربعة بالمئة من مجموع الأصوات في مدينة إسطنبول.
وأعتقد أنْ عدم وجود مستشارين حقيقين لها، يُقدِّمون لها النصح، وليس المجاملة، هو سبب في وقوعها بهذا المطب، فقد حاولت استغلال نهوض اليمين المتطرِّف في العالم، لكن من يحيط بها لم يُخبرها بأنَّ جمهور منطقة “الفاتح” في إسطنبول لا يُناسبه هكذا تصريحات عنصريَّة ضد العرب والسوريين، فهو جمهور مُحافظ متديِّن يرى أنَّ رابط الدين الإسلامي والإنسانيَّة يجمعهم مع السوريين الفارّين من جحيم حرب يقودها رئيسهم على شعبه.
أكثر الانتقادات الإعلاميَّة صدى على الصعيد السوري، كان للشيخ “معاذ الخطيب” الكم الغفير منها، فقد شغلت مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات الساخرة على الرسالة المصوَّرة التي وجّهها الشيخ معاذ لرأس النظام السوري بشار الأسد الذي أسماه (فرعون سوريا) والرسالة عبارة عن (حوار هادئ معه)، وانقسم الناس بين ساخر مستهزئ بها، وبين قلة موافقة مدافعة عنه، واتخذ آخرون موقفًا محايدًا منها.
يُمكننا اعتبار الخطأ الذي وقع به “الخطيب” ناجماً عن اعتداده برأيه، وانطلاقه من ذاتيته، وتوجيه الرسالة للشخص الخطأ، فهو يدعو بشار الأسد للنظر بعيون أطفاله، فلو كان بشار يملك ذرةً من الإنسانيَّة لما قتل وهجَّر نصف الشعب السوري، كما أنَّ القرار ليس بيد بشار فهو مجرَّد دمية تُحركه روسيا تارةً، وإيران تارةً، وإسرائيل تارةً أخرى بشكل غير مُعلن. وسبق أن خرج “الشيخ معاذ” بتصريحات منفردة من بنات أفكاره سبِّبت له السخريَّة من شباب الثورة، وأساءت للثورة ولقضية الحريَّة.
كذلك نال رئيس هيئة التفاوض السورية “د. نصر الحريري” الكثير من الانتقادات السلبيَّة على خلفية ظهوره في صورة مبتسمًا مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. بالإضافة إلى أمثلة كثيرة لسياسيين لا يسعنا ذكرها.
بالتالي، فإنَّ السوشيال ميديا تُعتبر مساحةً واسعةً لإغراء السياسيين الذين يتخذونها منصَّاتٍ لإيصال رسائلهم وأهدافهم، لكن يجب الحذر من الوقوع كضحية للمنشورات التي يُسلّط فيها الضوء على عثرات سياسيين، ولا سيَّما من كان لهم دورًا بارزًا في القضيَّة السوريَّة، وعدم الانجرار وراءها بتغيير مواقفنا، فالتوازن مطلوب بكلِّ شيءٍ، وكما يقول المثل الشائع: “كلَّ شيءٍ زاد عن حدِّه نقص”.
Sorry Comments are closed