المستنقع التلفزيوني العربي

عبد الحميد الشدة10 يونيو 2019آخر تحديث :
المستنقع التلفزيوني العربي

فوجئت عندما عرفت قبل الثورة المصرية بعدة سنوات أن عدد العاملين في قطاع التلفزيون هو حوالي 85000 موظف. إذا أضفنا القنوات التي تم تأسيسها في المنطقة مثل روتانا وقنوات لبنانية وخليجية وأخرى فإننا نصل إلى عدد هائل من القنوات الفضائية. إمكانيات عملاقة مادية وبشرية تنتج كمية هائلة من البرامج التي تتطلب من المشاهد العربي مئة ساعة في اليوم وعشرة عيون وعلبة أسبرين لمتابعها.

تناقضات غريبة تبرز في هذا الواقع التلفزيوني؛ مصالح سياسية ودعائية موجهة لا تخفى على عاقل، تبعية سياسية وأيضا تبعية ثقافية موجهة أيضاً ومذهبية.

الأنظمة تستخدم القنوات حتى الثمالة لترويض شعوبها في الأخبار وأيضا في المسلسلات المغرضة، تنوع غير طبيعي في الآراء والتوجهات والخيارات، لكنه كله في النهاية يراعي مواقف الجهات صاحبة القرار وسياستها للتأثير في أفكار الناس وفي عقولها وفي عواطفها، إنها حرية التلاعب والخداع والفجور والفساد لمنع الحريات السياسية والحريات العامة والديمقراطية.

بعض الأمراء والأغنياء يمتلكون عدداً كبيراً من الفضائيات وفي الظاهر هم يتمتعون بهامش حرية كبير يوهم بأنهم فوق الدولة وخارج حدود سيادتها وأنها لا تستطيع التأثير عليهم. لكن بين يوم وليلة ترى هذا الأمير موقوفاً لأسباب مادية وليس له حول ولاقوة وأنه في الواقع ليس سوى خادماً لنظام عام وتوجه سياسي محدد وأنه ليس في أي حال من الأحوال حرا، اللهم إلا في برامج ترفيهية أو تافهة من الناحية الفنية ومن ناحية المضمون.

بعض الظواهر يصعب فهمها وهي تلك التي تعمل على الإفساد الأخلاقي وإلى التفاهة والإنحلال الخلقي عند الشعوب العربي، وتزداد الغرابة عندما نعرف أن نفس الجهات التي تعمل على نشر التعصب والتشدد الديني هي من تملك القنوات التي تعمل على الفساد الأخلاقي!.

قنوات مبتذلة سياسياً تروج لسياسات إقليمية متجاوزة كل الأعراف الصحفية كذباً ودعاية.

بعد الأزمة بين دول الخليج ازدادت البروباغاندا والأخبار الكاذبة بين المتخاصمين وأصبحت الفضائيات ساحة معركة بينهم.
إحدى الفضائيات وصفت البارحة ثوار سورية المدافعين عن أرضهم وبلدهم وأهلهم في مناطق حماة وإدلب بالإرهابيين. الدولة التي تتبع لها هذه الفضائية تسيطر على أهم جهاز معارضة سورية الذي هو هيئة التفاوض وجعلت مقره عاصمتها. تناقض ظاهري يخفي سياسات ممنهجة لتنفيذ سياسات معادية لتحرر شعوب المنطقة وللديمقراطية.

القناة الأكثر شهرة وقوة وربما موضوعية مقارنة بغيرها لعبت دوراً مثيراً للشك خاصة في مسألتين:
الأول نفسي، وهو جعل الإنسان العربي عن طريق البرامج التهييجية السياسية وعن طريق نقل الحدث في المناطق الساخنة، يتابع ليل نهار الأخبار والأحداث بطريقة دراماتيكية تهويلية والمشاهد سلبي يكون في وضع من لا يستطيع عمل أي شيء لا مساعدة الضحايا ولا التأثير في السياسة.
والثاني هو بكونها بشكل مباشر أو غير مباشر منبراً للقاعدة وفي فترة لابن لادن حيث كانت تنشر كل فيديوهاته وتصريحاته. وهي نفسها من أجرت لقاءات مع الجولاني.

حتى القنوات الأجنبية الناطقة بالعربية أداؤها وسياستها تختلف عن الأداء والسياسة التي تتبعها بلغاتها الأم. على سبيل المثال قناة “بي بي سي” بالعربية كانت تغطيتها للأحداث السورية بعيدة جداً عن الموضوعية والحياد المفترضين واتخذت مواقف مثيرة للريبة ومتواطئة مع النظام السوري ولم تكن لتجرؤ على تقديمها بهذا الشكل للمواطن البريطاني لأنها ستكون متنافية مع الأعراف الصحفية هناك ومع قواعد الديمقراطية.

المشهد التلفزيوني العربي هو مشهد غير صحي، موبوء وأشبه بالمستنقع، وقد اخترت تلافيه منذ حرب العراق وحروب فلسطين وغزة.

أراها مثل الخمر؛ ضررها أكبر من نفعها.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل