أمريكا وإيران.. زواج المصلحة

عبد الحميد الشدة4 مايو 2019آخر تحديث :
أمريكا وإيران.. زواج المصلحة

بدءاً بتخلِّيها عن الشاه وتسليم إيران للخميني، ومروراً بتسليم ملالي إيران أسلحة عبر إسرائيل في مايسمى إيران غيت ومن خلال إضعاف ثم إسقاط أكبر قوة كانت تقف في وجه إيران وهي نظام صدام حسين وانتهاءً بتسليم العراق أغنى بلد في المنطقة لإيران على طبق من ذهب، كانت السياسة الأمريكية تجاه نظام الملالي الإيراني ثابتة ومنسجمة مع نفسها.

السياسة الأمريكية تقوم أولا على المصالح والهيمنة ولها أساليب منها تفريق كل مناطق العالم إلى أقطاب متناحرة حسب القاعدة التقليدية التي طبقتها بلدها الأم بريطانيا منذ قرون وهي “فرق تسد”. التقسيم إلى أقطاب متعددة يزيد في إمكانية التحكم فيها وفي الأحداث. والعامل الثاني هو حماية مصالح إسرائيل. الظاهر الديني الشيعي الذي يغطي طموحاً قومياً فارسياً توسعياً والذي تبناه الملالي كان مناسباً للأمريكان لتقسيم المنطقة وخلق صراعات دائمة بين إيران وبين جيرانها العرب، قوميين كانوا أو حكاماً وملوكاً تقليديين قبليين. وكانت فعلاً سياسة ناجحة جداً ساعدت أمريكا في السيطرة الكاملة على المنطقة وبالتحكم في أسعار البترول وأيضاً ببيع الدول الخليجية كميات خيالية من الأسلحة مستخدمة إيران كبعبع للخويف. كانت كل الأمور فيها ربح للطرفين؛ أمريكا تسيطر وتستفيد من هذا الوحش الطموح وفي المقابل هذا الأخير حصل على مكاسب هائلة منها إزاحة صدام على يد الأمريكان والسيطرة المطلقة على العراق امتداده التاريخي والديني، وأيضا إطلاق يده في لبنان، وأخيراً تم ترك سورية فريسة لهذا الوحش الطامح.

في السنوات الأخيرة تمت صفقة الاتفاق النووي التي كانت مثالاً على هذا الزواج المصلحي. صفقة هائلة الأبعاد تكسب أمريكا من خلالها عدة مكاسب أساسية؛ الأول هو إيقاف النشاط النووي العسكري الإيراني الذي قد يشكل يوماً تهديداً للأمريكان أو لحلفائهم أو يصبح وسيلة ضغط عليهم. الفائدة الثانية كانت بفتح أسواق تجارية جديدة يستفيد منها الاقتصاد الغربي الذي يعاني من مشاكل كثيرة. والفائدة الثالثة لهم والغير معلنة هي بالسماح لإيران بتدمير سورية كبلد معاد لإسرائيل تاريخياً وتقسيمه طائفياً وهذا سيكون مفيدً لإسرائيل. وفي جميع الأحوال فإن الغزو الإيراني الوحشي يشكل حجراً في تهييج الصِدام السني الشيعي في المنطقة ويؤدي حكماً إلى إضعاف الجميع. في الطرف المقابل حصل الملالي على تخفيف الحصار الإقتصادي على إيران وإنهاء تجميد 34 مليار دولار استعادتها إيران لتمويل حروبها وطموحاتها التوسعية وانتهزوا فرصة إعطائهم حق التوغل في سورية.

بعد مجيء ترامب المتميز بنهمه المادي المباشر وبسياسته الأحادية الجانب مع كل الأطراف الدولية من أعداء وحلفاء، قام بإنهاء هذا الإتفاق معتبراً إياه غير مفيد بما فيه الكفاية للولايات المتحدة، بعد نقض هذه الاتفاقية وتبني إجراءات حظر جديدة ضد إيران، الدول الأوربية التي تعرضت شركاتها للخسارات انزعجت جدا ولم تكن راضية عن فك هذه الاتفاقية. ألمانيا كانت فتحت حدودها للاجئين السوريين بعد أيام من توقيع الإتفاق وأشك أنا شخصياً بأن بنوداً سرية من الاتفاقية كان لها علاقة بهذا الفتح تم تبنيها لكن ليس عندي دليل ملموس عن هذا. وقد قبلت أمريكا عدة استثناءات لصالح بعض الدول على الالتزام بالحصار الاقتصادي.

إن هامش لعب إيران يبقى في الإطار الذي حددته الولايات المتحدة ولا يمكن أبداً لإيران الخروج عنه. الجميع اكتشفوا أن الشعارات التي رفعها الإيرانيون خلال أربع عقود ضد أمريكا وإسرائيل لا تتعدى البروباغاندا الدعائية لخداع شعبهم وشعوب المنطقة. وأشير هنا أن أول ضحية لنظام الملالي هو الشعب الإيراني الذي رغم غنى بلده لا يحصل إلا على الحروب والبؤس والتقشف، الأمر لا يزعج الأمريكان كثيراً مثله مثل انتهاكات حقوق الإنسان في إيران.

الكلام عن صدام بين إيران وأمريكان هو ضرب من المزاودات الدعائية الخادعة، لأن الأولى ومنذ العام 1953، تاريخ الانقلاب المدبر من قبل المخابرات الأمريكية والبريطانية ضد رئيس الوزراء المنتخب ديمقراطيا محمد مصدق (تم الإعتراف الرسمي بهذا عام 2013)، ترقص على وقعات موسيقا الثانية.

الاختلاف يحصل في تفاصيل تحاصص المصالح وتبادلها، لكن المصلحة الأمريكية هي الأولى، والقرار هو أولاً قرارها. في الوقت الحاضر لا شيء يوحي بتغيير أمركي جذري نحو إيران والتهديدات المتبادلة والضغوط هي للكسب الأكبر لكل طرف ولاشيئ يوحي بنهاية هذا التعاون الشيطاني بين الدولتين. إيران لا تتجرأ على مواجهة إسرائيل ولا على الرد على قصفها للقوات الإيرانية فكيف ستتجرأ على مجابهة الأمريكيين؟ قوة إيران هي فقط لقتال البلاد العربية ليس أكثر، مثلما قوة الأسد هي لقتال شعبه وليس الأعداء.. ميزان يعرفه الجميع.

السؤال الذي يهم السوريين مباشرة هو ما مدى مصلحة أمريكا وإسرائيل بوجود الإيرانيين في سورية وهل يريدونها كي تبقى كعنصر تخريب وتقسيم لسورية البلد أم أنهم حذرون من كبر طموحاتها؟ ربما هم أنفسهم لم يحسموا الموضوع بعد، لكن برأيي هم يريدون أن تستمر في التدخل كعامل زعزعة للاستقرار ولإتمام التغيير السكاني، لكن بدون نفوذ عسكري ظاهر أو قريب من الحدود الإسرائيلية لأن هذا مقلق قليلاً ومكروه لدى الرأي العام الإسرائيلي.

الحلول يجب أن تأتي من السوريين بإقلاق راحة الإيرانيين بعمليات عسكرية وبمقاطعة شعبية، قد يحصل خلاف مع الروس في واقع الإحتلالين وعلى مبدأ صعوبة استمرار وجود ثورين على معلف واحد لكننا لا نعرف متى سيحصل هذا.

التضييق الاقتصادي الأمريكي على إيران قد يؤثر على سلطة نظام الملالي في الداخل الإيراني لكن هل يمكن المراهنة على عامل تظهر نتائجه عادة على المدى البعيد والتي لا يستطيع السوريون المعرضون للقصف والتهجير انتظارها؟.

التعليقات

عذراً التعليقات مغلقة

    عاجل