ليس جسراً يحملك من ضفةٍ إلى أخرى فحسب، إنما يوصل الجروح ببعضها، ليرمم الألم ويولّد الأمل.
تعد محافظة ديرالزور ثاني أكبر محافظة في سوريا من حيث المساحة الجغرافية، وتقع في أقصى شرق سوريا، محاذية حدود الجمهورية العراقية. ويقسم نهر الفرات ديرالزور إلى نصفين، وتسمى الضفة اليمنى للنهر باسم الشاميّة، والضفة اليسرى تعرف باسم الجزيرة.
وعند احتلال القوات الفرنسية سوريا ووصولها إلى ديرالزور، بنى الفرنسيون جسراً إسمنتياً مُعَلّقاً يربط ضفتي النهر ببعضهما، حيث استغرق بناؤه ستة أعوام 1925-1931 تكللت بالنجاح ، لكن عدداً من العاملين في بناء الجسر ماتوا في أثناء بنائه ومنهم من سقط في النهر. وافتتح الجسر في شهر مارس/ آذار 1931. وقد كلّفت عملية بناء الجسر أكثر من مليون ليرة سورية آنذاك.
يتميّز الجسر بركائز حجريّة أربعة، ترتبط مع بعضها بقضبان معدنيّة من الفولاذ القاسي، ربطت بأسلوب هندسي جميل ومحكم، ويبلغ طول كل ركيزة من ركائزه الأربع قرابة 35 متراً، ويبلغ طول الجسر قرابة 500 متر، وعرضه قرابة 4 أمتار. وفي عام 1980 مُنِعَ سير الدرّاجات النّاريّة والسيّارات على الجسر، التي كان ينظم سيرها موظفان، يقف كل واحد منهما على طرف من الجسر، ثم اقتصر عمله على نقل المشاة والدراجات الهوائية فحسب. وقد أنير الجسر بالكهرباء في عام 1947 بأنوار ملوّنة في غاية الروعة تنعكس في الليل على مياه نهر الفرات، كما دُهِن باللون الأصفر في تلك الفترة.
تمثل صور الجسر المعلق المحافظة، على الرغم من وجود معالم أثرية أخرى كثيرة في المدينة وأريافها، منها “قلعة الرحبة، وماري، وترقى، وأثار الصالحية، والتكايا” وغيرها، لكن أبناء المحافظة جميعهم بمختلف انتمائهم اجتمعوا على أن يكون الجسر هو صورة غلاف ديرالزور.
وبعد انطلاق الثورة السورية، خرج أبناء ديرالزور في مظاهرات مناهضة لنظام الأسد، وسارت المظاهرات على الجسر عشرات المرات، حتى اجتاحت قوات الأسد المدينة في منتصف عام 2012، وحوصر أبناء أحياء المدينة المتوسطة، وامتصوا قوة الحملة وبدؤوا بالمعركة العكسية، فحرروا أحياء المدينة معظمها، وانحسر تواجد قوات الأسد في أحيائها الشرقية والغربية فحسب.
يقع الجسر المعلق في الأحياء الغربية على أطراف حي الرشدية في المدينة “شاميّة”، وبلدة الحسينية بفي لريف “جزيرة”. وعندما علمت قوات الأسد باقتراب نهايتها في ديرالزور، حاولت المحافظة على ما تبقى لها من مواقع في المدينة، وبسبب تواجد الجيش الحر على البوابة الشمالية للجسر وتواجد قوات النظام من البوابة الجنوبية، فجرت قوات الأسد الجسر وهدمته وأسقطته في النهر في الثالث من مايو/ أيار عام 2013، وذلك بسبب تخوف قوات الأسد من عبور الجيش الحر إلى حي الرشدية عبر هذا الجسر.
وما يزال الديريون يحافظون على صور جسرهم العريق، ويحفظون ويغنون الأغاني الفراتية المتغزلة بنهر الفرات والجسر المعلق.
عذراً التعليقات مغلقة