ترجمة زينة الحمصي – حرية برس
سلطت شركة “Oxford Analytica” المعنية بالتحليلات الاستراتيجية الضوء على الدور المتزايد الذي تشغله كل من إيران وروسيا في سوريا، وتطلعات كل منهما إلى نيل الحصة الأكبر في مرحلة إعادة إعمار سوريا. حيث تقوم بحسب التقرير إيران بتطوير شبكات تجارية في سوريا، كما تُخطّط لاستخدام الموانئ سعياً منها للحصول على التكامل التجاري الإقليمي. بما في ذلك ميناء حاويات اللاذقية الذي تتفاوض إيران لبسط سيطرتها عليه، حيث إن التقارير الإخبارية الصادرة في الثاني والعشرين من شهر آذار/مارس تُشير إلى أن الصفقة قد عُقدت بالفعل. ولطالما كانت إيران تتطلع إلى بناء علاقاتها التجارية في سوريا، مما يوفر لها الوصول إلى البنى التحتية التجارية التي تعد المكون الرئيسي في خططها لإنشاء شبكة تجارة ونقل متكاملة تمتد عبر إيران والعراق وسوريا. إلا أن روسيا كذلك الأمر تسعى لنيل المكافآت الاقتصادية من إعادة إعمار سوريا وتبسط نفوذها على سوريا من أجل مصلحة مقاوليها.
ويرى التقرير أن كلاً من إيران وروسيا تنظران بانتهازية إلى فترة إعادة الإعمار في سوريا، وتحاول كل منهما بسط نفوذها على بشار الأسد، الذي يُقدّم تنازلات لكل طرف منهما على حدة للحفاظ على سلطته وزيادة الإيرادات إلى أقصى حد.
ومع ذلك يختلف نهجا البلدين، حيث أن إيران تطوّر الشبكات الاقتصادية مع رجال الأعمال المحليين من حلفائها، أما روسيا فهي تركّز على تعزيز مؤسسات الدولة السورية. أما الدول الأوروبية، فهي ليست من اللاعبين، حيث صرّحت بأنها لن تدعم عملية إعادة الإعمار ما لم يتم التوصّل إلى حل سياسي.
العلاقات التجارية الإيرانية
تعوّض طهران استثماراتها في الحرب السورية (التي تُقدّر ب45 مليار دولار) من خلال الصفقات الحكومية والخاصة، بدلاً من اعتبار تدخلها في الحرب السورية مساعدة ضرورية لأحد حلفائها. حيث وقّعت إيران اتفاقيات لمشاريع واسعة النطاق في سوريا إنعاش حقول الغاز، وبناء محطة لتوليد الكهرباء بقيمة 450 مليون دولار في طرطوس، وإنشاء مصفاة لتكرير النفط بالقرب من حمص بقيمة مليار دولار.
بالإضافة إلى أن التجارة بين إيران ونظام الأسد تنمو سريعاً، حتى أصبحت إيران أكبر شريك تجاري للنظام السوري، متجاوزة بذلك روسيا، حيث بلغ إجمالي التجارة في العام الماضي 5 مليارات دولار. كما تضاعفت الصادرات خلال العامين الماضيين، بمساعدة ائتمانات من إيران لشراء السلع الإيرانية. وقد تجاوزت قيمة هذه الائتمانات حتى الآن 7.5 مليار دولار، مع الإعلان عن آخر زيادة في شهر شباط/فبراير خلال زيارة “الأسد” المفاجئة إلى طهران. وتهدف هذه الائتمانات بالدرجة الأولى إلى تغطية استهلاك سوريا من النفط الذي يبلغ مليوني برميل شهرياً، كما يتم تحويل الأموال إلى مشاريع صغيرة تُدار حصرياً من قبل شركات إيرانية مقرها سوريا. بالإضافة إلى أن هناك جهوداً كبيرة تُبذل لبناء علاقات مع الشركاء السوريين المحليين في مجالات الأعمال والنقل والصناعة والزراعة والصناعة التحويلية. ويقترن ذلك بمحاولات لتعزيز وجود الشركات الإيرانية على الأرض، مثل شركة صناعة السيارات “سايبا”. حيث تقوم الشركة حالياً بتصنيع 1000 سيارة سنوياً في سوريا، لكنها تهدف إلى مضاعفة هذا العدد نهاية العام. وفي إطار تعزيز هذه الأعمال، تدعم طهران بقوة عملياتها الأجنبية، وتستثمر الأراضي، ولا سيما حول دمشق.
ويواجه هذا البرنامج عقبات بسبب الفساد المتفشّي في حكومة الأسد، وبما أن العقوبات الأمريكية تشمل طهران وسوريا معاً، فإنّ تحويل الأموال للاستثمار أمر صعب. وقد أعلن محافظ البنك المركزي الإيراني في شهر كانون الثاني/يناير أن البلدين يعملان على تسهيل المعاملات عبر الحدود بالعملة المحلية، على الرغم من أنّ الآلية لذلك غير واضحة.
الأهداف الإقليمية
يندرج تعزيز إعادة إعمار سوريا في السياق الأوسع لهدف طهران لتعزيز النمو والتكامل الاقتصادي الإقليمي. وفي الواقع اقترح رئيس غرفة التجارة الإيرانية “غلام حسين شافعي”، خلال زيارة الرئيس الإيراني “حسن روحاني” إلى بغداد في شهر آذار/مارس، توقيع اتفاقية تجارة حرة بين سوريا، إيران، والعراق. وقد أوضحت الحكومة الإيرانية أن الرئيس الإيراني “حسن روحاني” قد يزور دمشق قريباً لدمج الخطة الاقتصادية بشكل أكثر رسمية في سياسة طهران الخارجية.
خطوط النقل
تضغط إيران بشدة للسيطرة على ميناء اللاذقية، ويتم تشغيل المنشأة حالياً بواسطة مشروع مشترك بين “سوريا القابضة” وشركة الشحن الفرنسية “CMA CGM”، ينتهي عقد الإيجار في شهر تشرين الأول/أكتوبر. وكانت إيران قد بدأت بإجراء المناقشات حول الميناء منذ تشرين الثاني/نوفمبر. يعتبر مرفأ الميناء أحد نقاط الدخول والمغادرة الرئيسية للواردات والصادرات السورية، حيث يضم 23 مستودعاً وقدرة شحن تصل إلى 3 ملايين طن سنوياً.
بدأت الشركات الإيرانية (بعضها مرتبط بالحرس الثوري الإيراني) بالفعل بشحن قطع غيار السيارات وغيرها من البضائع عبر اللاذقية، وذلك لتتجنب القصف الإسرائيلي على مطار دمشق. حيث إنّ الحصول على رخصة تشغيل الميناء لن يسهّل التجارة الإيرانية مع سوريا فحسب، بل سيكون أيضاً تتويجاً لرؤية بعيدة المدى لإنشاء رابط نقل بين إيران والبحر الأبيض المتوسط. ستسفيد هذه الرؤية من خطوط السكك الحديدية الموجودة في العراق وسوريا. كما أنه من المخطط إقامة خط إضافي بين معبر “شلامشة” الحدودي والبصرة، بالإضافة إلى الشبكتين الإيرانية والعراقية. وقد بدأت المناقصات حالياً في بناء هذا الخط، الذي يبلغ طوله 30 كيلومتراً، وتٌقدّر تكلفته بـ 52,000 دولار. وعلى الرغم من أن معظم الخط الجديد سيكون في الأراضي العراقية، إلا أن إيران تعهّدت بتمويل المشروع. وفي الوقت نفسه، ينشط المهندسون الإيرانيون في سوريا لاستعادة الخطوط التي تضررت من سنوات الحرب. إلا أنّ بعض المناطق من خط السكك الحديدية المقترح بين الدول الثلاث لا تزال خارج سيطرة دمشق. حيث تحتفظ القوات المدعومة من الولايات المتحدة حالياً بأجزاء من السكك الحديدية. ومن غير المحتمل أن تسمح واشنطن باستخدامها لتسهيل الصادرات الإيرانية، على الرغم من أن الالتزام الأمريكي طويل الأمد بالبقاء في سوريا أمر مشكوك فيه في أحسن الأحوال.
نهج روسيا
تٌفضّل روسيا اتباع نهج “من الأعلى إلى الأسفل”، على عكس الأجندات الإيرانية المتمثلة في الاستفادة من إعادة الإعمار “من الأسفل إلى الأعلى”، حيث تهدف روسيا إلى بناء مؤسسات الدولة السورية التي تُمارس عليها نفوذاً قوياً، والذي سيؤدي لاحقاً إلى انتعاش اقتصادي. وقد طالبت روسيا بحقوق الرقابة والتفاوض على العقود التي وافقت عليها دمشق رسمياً.
تستخدم روسيا هذا الموقف لإبعاد المنافسين، ولا سيما إيران. في الواقع، من المعروف أن موسكو تقوم بذلك حتى عندما يتم الاتفاق بالفعل على الصفقات، كما كان الحال مع مناجم فوسفات الشرقية بالقرب من تدمر.
من المحتمل أن تقبل موسكو أن هناك مساحة لكل من الشركات الروسية والإيرانية كجزء من عملية إعادة الإعمار في سوريا، لكنها ستعمل على ضمان أن الشركات والمصالح الخاصة بها لتحصل على اليد العليا.
عذراً التعليقات مغلقة