جرائم الشرف هو اسم نصفه جميل، جرى العرف الاجتماعي على إطلاقه على فعل مشين، بهدف تبريره وإضفاء صفة بطولية عليه، في تناقض صارخ بين الجريمة والشرف!
ما دفعنا لتناول هذا الموضوع الشائك الجدلي، هو تكرار ارتكاب هذه الجرائم في مجتمعاتنا رغم توفر عوامل التغيير الحضاري التي من المفترض أن تغير واقعاً مخزياً أوجد التبرير لارتكابها فيما مضى.
فمنذ أيام تداولت الأنباء فاجعة قتل الفتاة الفلسطينية، إسراء غريب، والشكوك التي ترجح قيام أسرتها بقتلها بداعي الدفاع عن الشرف، ولا يفوتنا أن نستعيد البيان الشهير الصادر قبل عدة شهور عن ما يسمى “المجلس الإسلامي السوري” الذي حمل عنوان: “حكم القتل بدافع الشرف” والمؤرخ بتاريخ: 7 آذار/مارس 2019، في استباق ملفت للنظر آنذاك لذكرى يوم المرأة العالمي، وكأن مصدري هذا البيان المستنكر حاولوا التأكيد مجدداً أنهم مصرون على التلطي خلف فتاوى ماضوية، لقطع الطريق على أي محاولة لمجتمعنا للسعي نحو بناء وتكريس منظومات قانونية حديثة كفيلة بإنصاف المرأة ورفع الحيف عنها.
تكرار ارتكاب هذه الفجائع التي تسمى زوراً وبهتانا “جرائم شرف” والبيان المذكور أعاد التذكير بفجائع فتاوى تسهيل استباحة دم المرأة بداعي “الحفاظ على الشرف”، وهي فتاوى جدلية لم يستقر الفقه الاسلامي على تعدد مذاهبه، على رأي واحد فيها، ولكن فقهاء هذا الزمن الرديء، يمتهنون وظيفة التغاضي عن رأي التابعين القائل: “ما أرى أصحاب النبي ﷺ اختلفوا إلا رحمة من الله”، والسير نحو تكريس أحكام متشددة لا يسندها دليل من القرآن الكريم، بما يكرس بالتالي تخلف مجتمعاتنا، وإبقائها في جاهليتها.
بنظر شريحة واسعة من المجتمع، فالمصطلح بحد ذاته يحمل تناقضاً غريباً، فهو يربط بين الشرف وهو من اسمى المبادئ والقيم الانسانية، والجريمة التي هي ترجمة حرفية لقمة الانحطاط الأخلاقي.
جريمه الشرف أو(غسل العار) ، هو مصطلح يتم إطلاقه على الجرائم المرتكبة بحق الإناث حصراً، بحجة قيامهن بسلوك يتنافى مع القيم الأخلاقية والدينية في المجتمع، كإقامة علاقة عاطفية مع شاب على سبيل المثال، بحيث يكفي أن تكون هذه العلاقة مجرد علاقة سطحية ولم ترتق إلى مستوى العلاقة الجنسية، ليتم ارتكاب الجريمة.
وأحيانا مجرد الشك بوجود هذه العلاقة يكون سبباً مبرراً لقتل الفتاة من قبل أحد أفراد عائلتها، سواء كان أباً أو أخاً أو زوجاً أو قريباً …بحجه المساس بسمعة العائلة.
وعلى الرغم من أن المجتمع السوري يعتبر مجتمعاً منفتحاً على العلاقات الاجتماعية التي لا تجرم الاختلاط، بالمقارنة مع كثير من المجتمعات العربية إلا أن جرائم الشرف كانت وما زالت ترتكب وبشكل متواصل، ولعل آخر هذه الجرائم التي تداولت الأخبار قصتها، هي جريمة قتل السيدة “ناديا عادل الجمال” من بلدة ملح والبالغة من العمر 46 عاماً، فقدت حياتها، قبل نحو شهرين، بعيارات نارية أطلقها عليها شقيقها “فادي”، بداعي “الشرف”، ليصدر لاحقاً تقرير الطبيب الشرعي، مؤكداً براءتها، ونافياً وجود آثار لعلاقة جنسية قامت بها الضحية يوم مقتلها.
واتعجب من مجتمع يدعي الحداثة والتطور، ومواكبته التغيرات الحضارية، وسعيه للرفع من شأن المرأة، والمساواة بينها وبين الرجل، بعدما كان يتم وأدها في الجاهلية، لمجرد كونها أنثى، وما زال حتى اليوم يمارس نفس جريمة الوأد لكن بمبرر آخر، ووربما بطريقة أكثر عصرية!!
وقد يتجه البعض لتبرير ارتفاع نسبة جرائم العار هذه، بظروف الحرب وانتشار العنف، والانفلات الأمني، إلا أننا لا نستطيع القول أنها نتيجة من نتائج الحرب، لأنها موجودة في مجتمعنا منذ عهود طويلة، فهي بلا شك نتيجه الأفكار والمعتقدات السلبية المتوارثة والتي يصعب علينا التخلص منها رغم الجهود الحثيثة في التوعية بخطورتها، كما أنها ليست مرتبطة بطائفة معينة أو حكراً على دين معين
فنحن نرى جرائم الشرف ترتكب في سوريا في جميع الطوائف والأديان بدون استثناء.
ومن الملفت للنظر في هذا النوع من الجرائم أن نساء العائلات اللواتي ترتكب هذه الجرائم بحق بناتهن يؤيدن القتل، ومن الموسف حقاً ان هناك من الامهات من تدفع بابنها لقتل شقيقته التي أطاحت بسمعة العائلة وجلبت لها العار الذي لايمكن غسله إلا بالدم حسب رؤيتها القاصرة.
وفي كثير من الحالات وبعد أن يتم قتل الضحية تكتشف العائلة أن الفتاة بريئة ولم يتجاوز الموضوع حد الشك أو الظنون، لكن هذا لا يغير في الأمر شيئاً، إلا اللهم شعور العائلة بقليل من الندم لا يتجاوز بضعه أيام لتعود الامور إلى مجراها وكأن شيئاً لم يكن!
والاسوء من كل هذا أنه حتى النساء المغتصبات من غير إرادتهن يتم قتلهن بنفس الطريقة في أحيان كثيرة، تحت مسمى جرائم الشرف لكن الجريمة هنا مضاعفة حيث تقتل المرأه مرتين، الأولى عندما تم اغتصابها والثانية عندما تم قتلها “غسلاً للعار” وكأن جريمة الاعتداء على هذه الفتاة وباء أصاب المجتمع ووجب التخلص منه!
ومما لا شك فيه أن الإفلات من العقاب للمجرم في هذه الجرائم، الذي يكرسه القانون تحت مسمى “العذر المحل” أو “الأسباب المخففة”، ساهم في تفشي هذه الجريمة أو (الآفة الاجتماعية) إن صح التعبير، وتراخي القوانين في عقاب الفاعلين على الرغم من المطالبات الحثيثة بوضع قوانين أكثر حزماً في التعامل مع هذا النوع من الجريمة، وحتى القانون السوري الذي حاول المشرعون في مرات عديدة جعله أكثر حزماً، لم يرتق إلى مستوى عار هذه الجرائم.
والمؤسف أن العقوبة ما زالت دون مستوى فقدان حياة إنسانة، بصرف النظر عن حقيقة اتركابها الفعل المدان من عدمه، ويدبو القانون والمجتمع وكأنهما يتعمدان تجاهل بشاعة هذه الجرائم، وأن هناك قاتلاً يشكل خطراً على المجتمع، ويجب محاسبته، وأن هناك ضحية فقدت حياتها لأنها فقط مارست حريتها الشخصية أو بالاحرى لأنها “خلقت انثى”.
وأتساءل هنا لماذا لا يتعامل المجتمع بنفس المنطق مع الشاب الذي يدان بهذا الفعل، ويمس بالقيم الأخلاقية للمجتمع؟ ولماذا لا نرى جرائم شرف ترتكتب بحق الرجال؟؟
ولماذا الرجل مهما ارتكتب من أفعال مشينة فهو لايجلب العار للعائلة والمجتمع؟ و لماذا لا يحاسب الرجل على جريمة التحرش الجنسي مثلاً وهي ظاهرة متفشية بكثرة أيضا؟ أليست مساساً بأخلاق وقيم المجتمع؟؟
و هل كلمه “العار” مرتبطة بالأنثى فقط؟ أم مرتبطة بمجتمع ذكوري مريض محدود التفكير يحتقر الأنثى منذ ولادتها ولا يرى فيها إلا عارا على المجتمع؟
وإلى متى ستبقى المرأة في مجتمعنا هي العنصر الضعيف المستباح، الذي لاحول له ولا قوة، يعاني وحيداً من ظلم المجتمع والدولة بلا داعم أو نصير؟!
عذراً التعليقات مغلقة