تقول مصادر في مجالي التجارة والمساعدات الانسانية إن مناطق كثيرة في اليمن توشك على الانزلاق إلى المجاعة لأسباب منها عجز المستوردين عن شراء كميات جديدة من السلع الغذائية من الخارج في الوقت الذي تسببت فيه الحرب الأهلية في احتجاز أكثر من 200 مليون دولار بالبنوك.
وكانت بنوك غربية قد قلصت بالفعل خطوط الائتمان للشركات التجارية التي تشحن مواد غذائية إلى اليمن خشية أن تعجز عن السداد بسبب الفوضى الأمنية وهشاشة النظام المالي.
والآن تزايد عزوف البنوك عن إصدار خطابات الائتمان التي تضمن للجهات البائعة السداد في الموعد المتفق عليه.
وترفض البنوك تقديم ضمانات لأن النظام المصرفي أصيب بالشلل.
وقال مصدر يعمل في تجارة السلع الأولية الدولية ويشارك في تجارة المواد الغذائية مع اليمن وعلى دراية بمشاكله المالية إنه لا يمكن تحويل ما يصل إلى 260 مليون دولار محتجزة بعملات أجنبية مختلفة في بنوك يمنية إلى الخارج لأسباب منها انقطاع العلاقات مع كثير من البنوك الغربية.
وأكد مسؤول في مجال المساعدات أيضا أن حجم المبالغ المجمدة لا يقل عن 260 مليون دولار.
ويعني هذا أن على التجار سحب الأموال في اليمن ثم ارسالها إلى الخارج – بالطائرة في العادة – وهو حل محفوف بالصعوبات في زمن الحرب.
ودون توفر سلع أساسية مستوردة مثل القمح والطحين (الدقيق) تقول الأمم المتحدة إن مناطق كثيرة في اليمن تقترب الآن من المجاعة مع سحب معظم المخزونات الاحتياطية.
وقال المصدر الذي يعمل بتجارة السلع الأولية “هذه المشكلة تزداد سوءا ولا يستطيع أي بنك يمني تحويل أموال للخارج مباشرة. وعليه نقل الأموال جوا إلى أقرب بلد وإيداع الأموال في حسابات في الخارج.”
وأضاف “هذه الأموال ستظل على الأرجح محجوزة في المستقبل المنظور. وفي نظر مستوردي القطاع الخاص هذه مجرد عقبة أخرى وعلامة أخرى على الأزمة المتدهورة في جلب السلع إلى البلاد.”
وامتنع مسؤولون في البنك المركزي اليمني عن التعقيب. وفي الشهر الماضي قال متحدث باسم المركزي إن البنك قرر عدم إجراء مقابلات خلال الأزمة.
كما أكد مصدر المساعدات الانسانية المطلع أيضا على مشاكل التمويل إن جهودا بذلت لنقل أموال للخارج جوا لاستخدامها في سداد قيمة سلع.
وقال المصدر “ما زالت هناك أموال كبيرة محتجزة داخل اليمن بسبب غياب عمليات المراسلة المصرفية أو التمويل التجاري الأساسي للمستوردين اليمنيين.”
وأضاف “لا يوجد تمويل خارجي يمكنهم الحصول عليه لتوفير ضمانات للشركات الأخرى التي يشترون منها بأنهم سيحصلون على مستحقاتهم. ونقل المال جوا للخارج أحد الوسائل لكن حتى هذا من الصعب تدبيره.”
وخلال السنة الأخيرة تصدى تحالف بقيادة السعودية لمحاولة الحوثيين السيطرة على البلاد والتي رأى كثيرون من عرب الخليج فيها محاولة بالوكالة لحساب إيران في صراع سقط فيه آلاف القتلى.
وأتاحت هدنة غير مستقرة بعض الراحة من الحرب التي بدأت عندما دفع الحوثيون الحكومة إلى العمل من المنفى في مارس آذار 2015. غير أن الاشتباكات تتكرر على جبهات مختلفة في كل أنحاء اليمن. وفي الوقت نفسه استطاع متشددون إسلاميون بسط سيطرتهم على بعض المناطق الأمر الذي كان سببا في تزايد الفراغ الأمني.
وقال مسؤول في بنك من بنوك الدولة في اليمن إن التحالف العربي بقيادة السعودية سمح بنقل ما يصل إلى 100 مليون دولار من ثلاثة بنوك تجارية بالطائرة إلى البحرين في وقت سابق من العام الجاري.
وقال المسؤول والمصدر التجاري إن هذه الأموال أودعت في حساب لدى بنك التضامن الإسلامي الدولي اليمني في السعودية وهي عملية استغرق اتمامها شهورا.
وقال المسؤول “مع ذلك خسرت البنوك مالا كثيرا من خلال ذلك لأن قيمة استئجار الطائرة التي نقلت الأموال بلغت نحو 600 ألف دولار.” ولم يتسن الاتصال ببنك التضامن للتعليق.
وقال مسؤولون آخرون ببنوك تجارية يمنية إن مساعي أخرى بذلت لمحاولة نقل مزيد من الأموال إلى البحرين.
* “مأساة”
قالت الأمم المتحدة إن الاقتصاد يوشك على الانهيار وإن مناطق كثيرة معرضة لخطر المجاعة وهي كلمة تقتصد المنظمة الدولية في استخدامها ولا تستعملها إلا عندما تتوفر معايير معينة.
وأضافت إن عشرة من محافظات اليمن البالغ عددها 22 محافظة أصبحت الآن في المرحلة الرابعة أي بلغت وضعا استثنائيا. وإذا بلغت منطقة المرحلة الخامسة تعلن المجاعة فيها.
وقال عبد السلام ولد أحمد الممثل الاقليمي لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) “الواردات الغذائية تتراجع وهو ما سيترجم إلى انخفاض المخزونات.”
وأضاف أنه رغم عن بلوغ المرحلة الخامس فثمة تدهور كبير لا سيما في مدينة تعز بوسط اليمن.
وتعلن المجاعة عندما يواجه 20 في المئة على الأقل من الأسر نقصا حادا في الغذاء مع قدرة محدودة على التعايش مع هذا الوضع وعندما تتجاوز معدلات سوء التغذية الحاد 30 في المئة ويتجاوز معدل الوفيات شخصين يوميا لكل عشرة آلاف نسمة.
وقالت الأمم المتحدة إن 21 مليونا من سكان اليمن البالغ عددهم 28 مليون نسمة يحتاجون شكلا من أشكال المساعدات الانسانية وإن أكثر من نصف السكان يعانون من سوء التغذية.
وتبلغ احتياجات القطاع التجاري من استيراد الحبوب ثلاثة ملايين طن في العام الجاري لكن إجمالي ما تم استيراده من القمح حتى الآن بلغ 580 ألف طن فقط بسبب مشاكل الصرف الأجنبي ونقص العملة الصعبة وتعطل موانيء البلاد التي لحقت أضرار ببعضها بسبب الاشتباكات.
وقال سجاد محمد ساجد مدير مجموعة أوكسفام للمساعدات في اليمن إن “الحصار الاقتصادي الفعلي يمنع التجار من إبرام صفقات في اليمن والقيود المصرفية غير المنصفة تجعل من الصعب على التجار اليمنيين شراء الغذاء في الأسواق العالمية.”
وأضاف “ما لم تفتح السلطات المصرفية من جديد حسابات اليمن المصرفية وتسمح لشركات الغذاء بالتعامل فلن يمر وقت طويل قبل أن تصبح نذر الكارثة حقيقة واقعة.”
وقالت المصادر إن البنك المركزي اليمني توقف في فبراير شباط عن إعلان أسعار الصرف التفضيلية للتجار المحليين المستوردين للأرز والسكر. وكان ذلك أيضا سببا في تعطيل إمدادات الغذاء.
وقال محمد عبد اللطيف مهندس الاتصالات العاطل عن العمل وعمره 28 عاما ويعيش بالقرب من مدينة إب بوسط البلاد إن سعر عبوة الطحين التي تزن 40 كيلوجراما ارتفع إلى سبعة آلاف ريال يمني أي نحو 25 دولارا في المدن وإلى ثمانية آلاف ريال في المناطق الريفية من خمسة آلاف ريال من قبل.
وأضاف “الناس عايشة مأساة. فلا نستطيع أن نوفر لأسرنا ما تحتاجه من غذاء بسبب زيادة الأسعار وخصوصا هنا في الريف حيث هرب الآلاف.”
(الدولار يساوي 3.7501 ريال)
* تقرير خاص – رويترز
عذراً التعليقات مغلقة