بعد فشل قمة طهران التي جمعت زعماء محور أستانة بوتين، روحاني، وأردوغان بإيجاد حل سياسي توافقي حول محافظة إدلب التي جرى تضمينها عام 2016 كواحدة من مناطق “خفض التوتر” تحت إشراف تركيا، بدأ تهديد الروس والإيرانيين باجتياح إدلب واعادة تسليمها للنظام السوري، مما يضع أنقرة بموقف صعب لا يخلو من المرارة، فإن وقع أي هجوم على المنطقة سيُظهر تركيا كمن لعب دور الناطور لإدلب ريثما يأتي دورها في الانقضاض عليها.
إن لم يكن هناك تسوية اللحظة الأخيرة، فستشهد إدلب والشمال عموماً، معركة لا تقل شدة عن عمليات حلب الشرقية، مع احتمال أن تكون معركة طويلة يخسر فيها الجميع إلا الأمريكان، الذين سينشغلون باستكمال سرقة شرقي الفرات، لذلك نجد كافة التصريحات الأمريكية تدفع بالروس لاجتياح مدينة ادلب، والحماقة الروسية إن استمرت
بالغرق في دماء السوريين، لن تجد صعوبة في ارتكاب مذبحة جديدة في المنطقة.
الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تدفن أستانة في إدلب، ولا بأس بمعركة يعارضها الأتراك، ستؤدي حتماً لتفكك الحلف (الروسي، التركي، الإيراني) الذي تسعى له واشنطن والتي لن تفوّت فرصة التنافر بين الحليفين الروسي والتركي، لرأب الصدع بينها وبين أنقرة وفتح الباب باتجاه عودة العلاقات التركية الأمريكية إلى سابق عهدها.
واشنطن هي من تركت الكرة السورية في الملعب الروسي لإيصال الوضع في سوريا إلى ماهو عليه الآن من أجل مشروع الفيدرالية التي تتحدث عنه، وذلك إن حصل يعتبر مشروعاً أولياً للتقسيم، ستظهر نتائجه في السنوات القادمة.
الابتزاز الأمريكي لتركيا في ملف إدلب لن يتوقف، حتى تتنازل أنقرة عن التقارب مع الروس، والعودة إلى الوراء من خلال تحسين العلاقات مع واشنطن وحل الملفات العالقة.
روسيا لاتخفي سعيها الحثيث لتشييع جنيف حتى لو تم دفن 4 ملايين سوري في الصراع بينها وبين أمريكا، فبوتين يعتقد بأن مستقبل روسيا السياسي في سوريا مرتبط بنجاح أستانة، لكن الفخ الأمريكي “تفكيك حلف أستانة” والمعارضة التركية لأي عملية عسكرية في إدلب، سيجعل من نتيجة معركة إدلب “بداية انحسار المد الروسي في سوريا، حيث سيؤدي انتصار موسكو العسكري أو هزيمتها الى فشل سياسي ينهي أستانة كمسار للحل بخروج تركيا الحتمي من هذا الحلف”.
أنقرة بلا شك هي أكبر المتضررين من الهجوم على إدلب ، ليس بسبب تخوفها من حركة النزوح التي ستحدت نتيجة العمليات العسكرية فحسب، وانما هناك أهداف استراتيجية كبيرة تجعل أمنها القومي مرتبطاً عضوياً بسلامة إدلب.
فاجتياح الشمال السوري يُفرّغ عملياً كل ما حققته من أهداف في منطقة عفرين الحدودية التي دخلها الجيش التركي بهدف طرد الأحزاب الكردية الانفصالية التي تسعى لقيام دولة قومية كردية تهدد أمن تركيا القومي، ففي المنظور العسكري تعتبر عفرين نقطة “صفر” من دون إدلب وريف اللاذقية في أي مواجهة محتملة مع الأكراد على حدودها مع سوريا، هذا من جهة؛ ومن جهة ثانية تدرك تركيا أن وصول شبيحة النظام والميليشيات الايرانية إلى حدودها يمكّن طهران “الغير مأمونة الجانب” من إكمال بناء القوس الإيراني الصفوي من طهران إلى العراق فسوريا حتى البحر،
عندها سيعيد التاريخ نفسه فمعركة “جالديران” الشهيرة التي حدثت في 23 أغسطس / 1514 التي أسقطت الدولة الصفوية في تبريز الايرانية على يد العثمانيين وأنهت ثورة العلويين داخل الامبراطورية العثمانية، مازالت ماثلة
في ذاكرة إيران الفارسية، فالتاريخ لايرحم ولا يُنسى.
القمة الروسية التركية المرتقبة حول إدلب يوم الاثنين في مدينة ” سوتشي” قد تحمل الكثير من قرارات التهدئة في الشمال السوري، وعلى الأغلب سينتج عنها مهلة محددة لنزع فتيل الحرب مؤقتاً، من خلال قيام الأتراك بمهمة “تطهير إدلب من الارهاب” على طريقتهم، فالرئيس الروسي بوتين سيفكر كثيراً قبل أن يتجاوز مصالح بلاده مع تركيا، خاصة بغياب التفاهم الأمريكي – الروسي حول الملف السوري وبقية الملفات العالقة بين الدولتين الكبيرتين، والاحتمال الكبير بعودة الأتراك إلى الصف الأمريكي، في حال تفاقم الخلافات الروسية التركية بسبب إدلب ، عدا أن ايران “الحليف الثاني لبوتين” التي تفاوض على منع خروجها من سوريا، وهو مطلب لايمكن لموسكو تحقيقه بسبب تصميم اسرائيل وواشنطن على إنهاء وجود طهران العسكري في سوريا.
سيناريو من هذا النوع “تباعد مع أنقرة، وإخراج إيران” هو ما يخشاه الروس لأنهم سيصبحون بدون حلفاء في سوريا، ومن هذه النقطة ستنطلق السياسة التركية، للخروج من تحت المطرقة الروسية والسندان الأمريكي، تركيا ليس أمامها إلا الثبات والتشبث بمطالبها تجاه حليفتها روسيا، التي لن تفرط بحلفها مع الأتراك، إلا إذا كان هناك اتفاق خفي بين ترامب وبوتين في مؤتمر ” هلنسكي ” الذي جمعهما قبل أشهر، يتضمن تحجيم تركيا وإخراج ايران من سوريا، لكن مايظهر حتى الأن أنه لم يتم التوصل لتفاهم أمريكي روسي حول الشمال السوري، لذلك نرى ترامب يحذر روسيا وايران من مغبة مهاجمة إدلب، كورقة ضغط لتحصيل مكاسب أكبر في الملف السوري، تؤسس لحل سياسي ليس على الطريقة الروسية التي مازالت متمسكة بمخرجات مؤتمر سوتشي وأستانة.
عذراً التعليقات مغلقة