في تمام الساعة الرّابعة منَِ الغدر، والغدرُ خصال الجبناء التي لا يساومون عليها، انقضّت الغرابيبُ السُّودُ على طمأنينةِ السُّويداءِ، تنعقُ للويلات والخراب.
هناك على مدى سبعٍ خضرٍ من التّفرُّدِ والاستقلالية، أبى الجلاّد الأكبرُ إلاّ أن يُتبعها بسبعٍ عجافّ، كانَ حصادها مئاتُ الشهداء التي هوتْ كسنابل في براثنِ منجلٍ، وأنينُ جراح ّتصمّ سقفَ العالمِ، وكان عصيرها دماء…
هل كان لابدّ من كلِّ هذي الأرواحِ ليتحقّقَ حلم السّفّاح في البقاء على عرشٍ من دم؟!
مرّةً أخرى ينتقل الموتُ المُوظّفُ حيث يريدُ القاتل، عائلاتٌ كثيرةٌ من رأفةِ أكبرِها حتى براءةِ أصغرها كانت تنامُ ملءَ جفونها تحلم بالصباح، لتكمل معَ عصافير الكرومِ قطاف محصولِ العنبِ، فعاجلَ حلمَها الرّصاصُ قبل أن يستتبَّ الفجرُ.
كانت الطفلةُ تصيحُ باكيةً “ليش قتلتو بابا.. أنا بحبّو لبابا”
فكان َردّ الحاقدِ على الطّفولةِ اليانعةِ “الحقي بابا اللي بتحبيّه”
أقسى من الرصاصة التي خرجت من بندقيتهِ وتوغلت في الصّدر الغضِّ الصّفير.
إنّها السُّويداءُ.. تدفعُ اليومَ ضريبةَ الحرّيّةِ، ضريبةَ رفضها إرسالَ أبنائها إلى جيشِ الوطن لقتلِ أبناء الوطن.
هي السّويداء التي صرخَ ابنها في وجه الجلاد ذات فجرٍ مشهودٍ منذ سبعةِ أعوام “اللي بيقتل شعبو خاين”.
السّويداء العربيةُ العتيقةُ العريقةُ عراقةَ جبلها الأشمّ، السويداء التي رفضَ سلطانُها ذاتَ ثورةٍ أن يساومَ على المبدأ، صارخاً في وجه المحتلين الفرنسيين “الموت ولا المذلّة”.. ولمْ يحظَ المحتلُ بشعرةٍ من الأحرار.
اليومَ يتحوّلُ سمتُ الألمِ تجاه أقصى جنوبِ الرّوحِ..
فيا سويداءُ إخلعي عليَّ بعضاً من سماتكِ لأُواصلَ أمامَ هذا الموتِ الفادحِ معجزةَ النّبضِ والأمل.
عذراءَ الجنوبِ.. هل كان لا بدّ من كلِّ هذا الدّمِ الممتزجِ بالخبز والثّمارِ واللحم البشريِّ، كي يفهم هذا العالمُ الرّثُّ أنّكِ لن تشاركينَ المجرمَ في جريمتهِ، ولن تخبزينَ أرغفةَ أمانكِ على نارِ لوعةِ الأمهاتِ والزوجات ِالثكالى على أبناءِ إخوتكِ في الترابِ.. والسّماء ؟!
يومها صرختِ في وجهِ الجلّاد:
“أبناؤنا لنا، فلكم ْحربكم، ولنا حربنا”
فكانت هذه الكلمةُ حرباً عليهم، على الطغاةِ القتلةِ بالوكالةِ، القتلةِ المأجورين الجوّابينَ أصقاعَ الوطن، ورثةَ الظلام.
وهل كان لابدّ من كلّ هذا الحقدِ ليواصلَ المنافق الأكبرُ أُكذوبتهُ المفضوحةَ أنّ حربه على الإرهاب، وأنّه حارس الأقليّةِ المستضعفة؟
لم يفهم الطّاغيّةُ أنّ الأكثريةَ ليست عدداً، وإنّما كرامةً وإباءُ وحبّاً للوطنِ.. كلّ الوطن.
نعم وصلت الرسالة لأهلِ السّويداء الأحرار، ولقد فهموها جيداً..
فهموا أنّ دمَ أبنائها دينٌ لهم في ذمّةِ القاتل، وأنّ الدَّينِ وعدٌ شاخصٌ في ذمّة الحرِّ، خُطَّ بماءِ الوفاء.
جبلُ حورانَ وسهلها لم يعدْ هذا الموسم مطرَّزاً بشرشفِ القصبِ ونيسانْ.. صار مضرّجاً بدمِ الشهداءِ والأحزان ْ…
فسلامٌ لكِ ،وسلامٌ عليكِ يا سويداءْ
سلامٌ لكِ وأنتِ على أُهْبةِ الوعدِ
وسلامٌ عليكِ
وأنتِ في ميعةِ الكبرياءْ…
عذراً التعليقات مغلقة