كانت لحظات حاسمة وتاريخية وغير مسبوقة تلك التي عاشها السكان المدنيون في ريف حمص الشمالي، من خلال حملة مزدوجة من التصعيد العسكري والحرب النفسية التي لم يسبق لها مثيل بعد انتهاء النظام من ملف الغوطة الشرقية وإخضاعها لسيطرته قسراً، وبعد شن هجوم أقل ما يمكن وصفه بالوحشي وأنهاه كالعادة، وفي كل مرة تعجز فيها وحداته ووحدات حلفائه عن المواجهة الأرضية المباشرة يقوم باستخدام السلاح الكيماوي المحرم دولياً والذي لم يثبت استخدامه علناً منذ الحرب العالمية الثانية.
فمع بداية تحرش النظام بالقطاع الشمالي الشرقي من محافظة حمص، والجنوبي الشرقي من حماة، بحملات عسكرية متتابعة ومتنقلة ومترافقة بحملة من الدعاية والضغط النفسي الهائل على سكان الريف من خلال بث الإشاعات والأخبار وترويجها عبر عملائه ومريديه وأجهزته الإعلامية والاستخبارية، وهو اليوم ما يفعله تماماً في درعا يهدف من خلاله النيل من عزيمة الشعب المحاصر، حينها أيقن هذا الشعب من حبك مؤامرة كبرى متعددة الأطراف يشترك فيها الجميع، بمن فيهم أولئك الذين ادعوا زوراً وبهتاناً صداقتهم للشعب الحر، ومساندتهم لرغبته في التغيير والعيش الكريم بعيداً عن تسلط وهيمنة الأجهزة والمكاتب والمؤسسات الأمنية والعسكرية والحزبية والثقافية وقد نجح في إحداث حالة من الخوف والقلق من المصير المنتظر.
كانت فترة ما قبل التهجير الظالم وما رافقها من ضغوط عسكرية ونفسية قاسية وشديدة التأثير في وجدان كل أهل الريف على مختلف قناعاتهم وتوجهاتهم وثقافتهم، فكنت ترى الناس في حالة من التيه والخوف والضياع نجمت عن العلم المسبق بالمصير في حال رفضت الهيئة المكلفة بالتفاوض الشروط القاسية والمذلة التي وضعها النظام وحلفائه الروس. كان ذلك جلياً من خلال الحملات الهمجية التي تعرضت لها المناطق التي رفضت نظام المصالحات من قتل وفتك وتدمير ثم تهجير قسري لمن تبقى على قيد الحياة.
وهنا وأمام كل هذا، ليس السؤال العادل الذي ينبغي طرحه في حال كهذه لماذا لم ينتصر السوريون ولم يكتب لثورتهم النجاح حتى الآن؟ بل السؤال الصحيح والأكثر دقة وموضوعية هو “كيف صمد السوريون في وجه كل العالم طوال هذه المدة؟
فمع نظرة سريعة على أحداث الثورة خلال أعوامها الثمانية، تجد أنها لم تكن مجرد ثورة تقليدية بين حق وباطل، ولم يكن كشفها وتعريتها للنظام العالمي بكافة أقطابه في الإقليم والعالم كل ما أنجزته فحسب.
هي أكثر من ثورة وأقوى من بركان وأشد من زلزال، لا بل هي تسونامي نووي، عصفت بالبشرية جمعاء وقدمت العالم بعين مختلفة ونظرة أكثر وضوحاً، وأجبرت الأفاكين على الاعتراف بكذبهم، والمستعمرين على توضيح أهدافهم، والأعداء على الصراحة والاعتراف بعلاقاتهم مع حكامنا وولاة أمرنا، وأظهرت من تخفى بثوب الدين وحب الوطن على العلن.
فحسبها أنها لاتزال واقفة وحية، وحسبنا أننا لا نزال نقاوم العالم الذي لايزال يناضل من أجل وأد الحلم المتأصل في وجداننا جميعاً، والحرب سجال.
عذراً التعليقات مغلقة