في صباح يوم 11 آذار/مارس من عام 2004، كنت في الرابعة عشر من عمري، أي في الصف الثامن الإعدادي، في مدينة القامشلي ذات الغالبية السكانية الكردية في الشمال السوري، لما أتانا اتصال بأن اشتباكات عنيفة وقعت بين مشجعي فريقي “الجهاد” و”الفتوة” في الملعب البلدي الرسمي في المدينة.
يمثل فريق “الجهاد” العصب القومي الكردي، فهو فريق القامشلي وغالبية لاعبيه أكراد، وأسماؤهم الكردية تشير إلى ذلك. وفريق “الفتوة” قادم من مدينة دير الزور، لتتحول المباراة إلى اشتباك سياسي قومي، ولتتدخل القوات الأمنية لنظام بشار الأسد، وتطلق الرصاص الحي على المشجعين الأكراد، موقعة قتلى وجرحى. ونتيجة غليان المنطقة آنذاك، بعد حرب العراق وإزاحة نظام صدام حسين، بدأت بعدها أكبر حركة احتجاج ضد نظام الأسد بعد أحداث الإخوان المسلمين 1979 ـ 1981، ولتمتد إلى كامل المدن والقرى في الشمال السوري، بل خرجت مظاهرات أيضا في جامعة حلب وبعض أحيائها، وفي بعض الأحياء الطرفية في مدينة دمشق.
لا تطلق كرة القدم معان وديناميكيات سياسية في العالم العربي فقط، بل في كل أنحاء العالم. لما فازت ألمانيا بكأس العالم الماضية، أبدى صحافي ألماني في جريدة “شبيغل أون لاين”، تخوفه من تكاثر الأعلام الألمانية وتهيج الشعور الوطني. وحذر من تحول التشجيع الرياضي، إلى ضرب من ضروب الاعتزاز القومي، والإحساس بالهوية الجماعية بالمعنى السلبي الضيق، الأمر الذي من الممكن أن يصب في خدمة اليمين القومي الصاعد آنذاك.
كما أن للمباريات بين فريقي برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني لكرة القدم دوما مضامين سياسية. فريال مدريد هو النادي الملكي، وهو الذي يمثل السلطة والدولة والمركز، بينما برشلونة هو نادي إقليم كاتالونيا، ويمثل التحرر القومي والرغبة في الانفصال والغبن والتهميش. وقد دخل مدافع نادي برشلونة جيرارد بيكي إلى حلبة الصراع بين إقليم كاتالونيا والمركز، حيث دعم حق الناس في تقرير مصيرهم، وأثارت تصريحاته ردود أفعال عديدة.
وبالتأكيد لا يستطيع أحد أن ينسى الصراع بين مصر والجزائر عام 2009 في تصفيات التأهل إلى كأس العالم، إذ حدثت اضطرابات على نطاق واسع قبل وبعد المباراة كادت تؤدي إلى أزمة دبلوماسية بين الطرفين. إضافة إلى عنف المشجعين الإنكليز والأتراك، وعشرات الأمثلة الأخرى التي لا يتسع لها هذا المقال.
لكن، ما أثار استغرابي، هو ردود الفعل في العالم العربي بعد إصابة اللاعب المصري محمد صلاح في المباراة النهائية بين ريال مدريد وليفربول. كشفت تلك الإصابة عن تجذر نظرية المؤامرة في الثقافة السياسية الاجتماعية السائدة، ناهيك عن معاداة الغرب، وصعود النزوع الإسلامي. تحول محمد صلاح إلى صلاح الدين تارة، وإلى جورج حبش تارة أخرى، وإلى منقذ للأمة تارة ثالثة. أما سيرجو راموس، مدافع نادي ريال مدريد، فهو بحسب الخطاب الذي ساد على مواقع التواصل الاجتماعي قد قام بإصابة محمد صلاح عمدا من أجل النيل من اللاعب العربي ومنعه من المشاركة في كأس العالم.
إصابة محمد صلاح، أظهرت حاجة العالم العربي إلى رمز بعد الخيبات في سورية والعراق ومصر ولبنان واليمن والبحرين وليبيا، والمساس بهذا الرمز، صار مساسا بكرامة جمعية مشتركة.
إصابة محمد صلاح، عرت الإصابة العميقة في العالمين العربي والإسلامي، الإصابة المتشكلة من الاستبداد العسكري والتسلط الديني.
Sorry Comments are closed