عندما لاحظ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أن الضربة الثلاثية التي قادتها الولايات المتحدة على مواقع للنظام السوري الأسبوع الماضي أحدثت شرخا في العلاقات الروسية – التركية، كان يشير إلى تحولٍ يطرأ على الاصطفافات الإقليمية والدولية في المسألة السورية التي توشك على الانتقال من طور حرب الوكالة إلى طور المواجهة المباشرة بين أطراف الصراع الرئيسيين.
لكن ماكرون فاته أن التأثير الأهم للضربة طاول العلاقات الروسية – الإسرائيلية أكثر مما طاول غيرها، فمنذ قرّرت روسيا زيادة وجودها العسكري في سورية صيف العام 2015، وصولاً إلى التدخل المباشر خريف العام نفسه، وجدت إسرائيل نقاط تفاهم مشتركة عديدة مع روسيا بشأن سورية. وبمقدار ما حد الوجود العسكري الروسي من حرية حركة الطيران الإسرائيلي فوق سورية، إلا أن إسرائيل وجدت أنه يفيد أيضا في الحد من حرية الحركة الإيرانية على الأرض.
فوق ذلك، كانت إسرائيل تشارك روسيا موقفها في ضرورة الحفاظ على نظام الرئيس بشار الأسد، على اعتبار أن عدوا تعرفه خيرٌ من عدو لا تعرفه، وأن بديلا إسلاميا يمكن أن يكون أسوأ لها بكثير.
وعليه، تم الاتفاق خلال زيارة نتنياهو موسكو في سبتمبر/ أيلول 2015 على إنشاء لجنة عسكرية مشتركة، لمنع أي احتكاك بين الطرفين في الأجواء السورية، ما يعني السماح للطيران الإسرائيلي بضرب أهداف داخل سورية، شريطة ألا تؤثر في نتيجة الصراع بين النظام والمعارضة، وتتجنب قوات النظام التي كانت روسيا تعيد بناءها وتأهيلها، بغية هزيمة المعارضة واستعادة السيطرة على الأراضي التي خسرتها.
بمعنى آخر، الاقتصار على ضرب تحرّكات وأهداف لإيران وحزب الله تعمل خارج إطار الصراع البيني السوري. وكان نتنياهو حريصًا على هذا التفاهم، بدليل أنه زار موسكو أكثر من واشنطن منذ خريف 2015، صحبة وزير حربه، أفيغدور ليبرمان، الذي تعد اللغة الروسية لغته الأم.
انتهى هذا التفاهم الآن، أو في طريقه إلى الزوال، لماذا؟ تعتقد إسرائيل أن روسيا، وليس إيران أو النظام السوري، هي من أسقط طائرة إف 15 فوق الجليل، في رحلة العودة من استهداف مطار تي فور في العاشر من فبراير/ شباط الماضي، وأن ذلك كان ردا على سلسلة هجمات طاولت الوجود العسكري الروسي في سورية، كان آخرها إسقاط طائرة السوخوي فوق إدلب بصاروخ محمول على الكتف، تشك موسكو أن واشنطن وراءها.
وكان إسقاط الطائرة الاسرائيلية بمثابة رسالةٍ أن روسيا ما عادت تسمح لإسرائيل بحرية الحركة في الأجواء السورية. لذلك لم تنسق إسرائيل، خلاف العادة، مع قاعدة حميميم، عندما عاودت استهداف مصنع طائرات الدرونز الإيرانية في مطار تي فور في التاسع من إبريل/ نيسان الجاري، والذي أسفر عن مقتل الضابط الإيراني المسؤول عنه مع سبعة آخرين، بل استخدمت الطائرات الإسرائيلية ممرات جوية خاصة بالطيران الأميركي، منسقة في ذلك مع القيادة المركزية الأميركية، المسؤولة عن العمليات في سورية.
أثار هذا الأمر غضبا شديداً في موسكو التي تبرعت، خلاف عادتها، بالكشف عن تنفيذ إسرائيل الضربة. وكان لافتا أن إسرائيل نفذت ضربتها في اليوم نفسه الذي باشر فيه مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد، جون بولتون، مهامه في البيت الأبيض، في مؤشر على إدراك إسرائيل معنى أن تصبح إيران القضية الوحيدة التي ينشأ عليها إجماع في واشنطن اليوم بين الرئيس ومستشاريه لشؤون الأمن القومي والخارجية والدفاع والاستخبارات.
يعني هذا أيضًا أن حسابات إسرائيل، وقراءتها الوضع في سورية وسياسة واشنطن في المنطقة، بدأت تختلف مع اتضاح عزم إيران البقاء في سورية بعد تثبيت النظام، من خلال بناء قواعد عسكرية، وإنشاء مليشيات محلية على شاكلة حزب الله. كما أن تقديرات إسرائيل الأولية المرحبة بدخول روسيا إلى الميدان السوري تغيرت أيضا، إذ تبدو روسيا إما غير راغبة أو عاجزة عن لجم النفوذ الإيراني.
لهذه الأسباب، يمكن القول إن الصراع في سورية مرشح للانتقال إلى مرحلة أعلى مع تحول موقف نتنياهو من موقف يحاكي موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، مناحيم بيغن، عندما أُبلغ باندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وقال إنه يتمنى التوفيق للطرفين (!)، إلى موقفٍ يسعى إلى تغيير الوضع على الأرض في سورية.
عذراً التعليقات مغلقة