في تلك الليلة الظلماء العاصفة وعلى طريق الموت بدأت حكاية عبد السلام وأبو شاكر.
لا يمكن لإنسان وصف ما حدث ما لم يعش الأحداث بآلامها وأحزانها حينها؛ يؤمن من عاصر تلك الأيام بأنه فقط في سوريا، شهيد يذهب لإنقاذ شهيد ويدفن قبله.
في مساء الرابع من أيار عام 2014 استقل الشهيد “أبو شاكر” دراجته النارية واضعاً بندقيته على كتفه في طريقه نحو قرية الخالدية شرق بلدة الدار الكبيرة، سالكاً طريق الموت الذي شهد استشهاد العشرات من أبطال الثورة السورية، عند وصوله إلى جسر العاصي اصطدم بسيارة الاسعاف الصغيرة التي كانت عائدة من القرية وسقط في نهر العاصي مع دراجته، كان البرد قارساً والجو ماطراً، وهنا بدأت القصة..
وصل الخبر لأصدقائه وبدأت الحيرة؛ كيف سيجدونه في نهر العاصي والمياه قوية، هم يعلمون بأن من سيذهب للبحث عنه سيكون مشروع شهيد لأن المنطقة مرصودة بمدفعية نظام الأسد.
لحِظتُ الشهيد عبد السلام والذي كان من المقربين من “أبو شاكر” يبحث عن شيء، سألته ما الذي تبحث عنه؟ أجاب بلهفة (أبحث عن حبال)، هنا أيقنت بأنه سينزل للبحث عن صديقه في النهر وبعد أن وجد ضالته توجه مباشرة إلى أراضي القرية سالكاً ذات الطريق، وهو يعلم بأنه قد لا يعود، لكن كلّه أمل بأن يجد صديقه حياً في النهر، كما أن الأمل لديه يكبر بأن أم صديقه قلبها احترق على ولدها وكان عبد السلام آملا بأنه سيعيد الأمل لها بإعادة أبو شاكر.
ذهب عبد السلام ولم يثنه خوف ولا قصف، اندفع بنخوة الشاب السوري والثوري الذي خرج في ثورته لدفع الظلم ومساعدة الصديق فكيف لو كان الصديق أخاً لم تلده أمه. وصل عبد السلام إلى المكان وبدأ البحث في قلب نهر يجري بسرعة تلك اللحظات التي مرت ليصل الخبر مع سماع أصوات القذائف بأن عبد السلام قد استشهد بقذيفة غادرة، أعادوا لنا عبد السلام شهيداً دون أن يعود أبو شاكر الذي ما زال مفقوداً في نهر الموت.
مرت الدقائق كساعات وكلنا حيرة كيف سننقل الخبر لوالدة عبدالسلام ووالده؟ كيف سنقول لهم بأن شاباً بعمر الورود قد ارتقى شهيداً، كان عبد السلام يجسد كل الرجولة برفضه ترك صديقه وأخيه في حمل السلاح، وقد فقد روحه ساعياً لإنقاذه، في تمام الساعة الثالثة صباحاً تم تشييع عبد السلام شهيداً ليدفن قبل صديقه الشهيد!
مع بزوغ الفجر وبهمة بعض الشباب تم العثور على أبو شاكر وهو يلفظ آخر أنفاسه، وعند وصوله للمشفى فارق الحياة؛ ليلتحق برفيقه الذي لم يكن يعلم بأنه استشهد من أجله!
عذراً التعليقات مغلقة