يشهد الملف السوري تطورات سياسية متسارعة، بدت أبرز معالمها في تغيّر تحالفات الدول المعنية بهذا الملف، في ظل التقارب السعودي الروسي الذي بدا خلال زيارة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو، ما ينعكس ضغوطاً على المعارضة السورية، وتحديداً على الهيئة العليا للمفاوضات، التي أجّلت اجتماعاتها التي كانت مقررة اليوم السبت إلى 15 الحالي، وهي التي تواجه تحدياً للقبول بحل يتطابق مع الرؤية الروسية، وخصوصاً القبول بحل يبقي رئيس النظام بشار الأسد في مرحلة انتقالية. وشكّلت التصريحات السعودية والروسية أبرز مؤشر على هذا التوجّه الجديد، ولكنها لم تكن الوحيدة، إذ واجهت المعارضة خلال لقاءاتها على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك الشهر الماضي، ضغوطاً تأتي في السياق نفسه.
وكشفت مصادر مطلعة، لـ”العربي الجديد”، أن لقاءات وفد الهيئة العليا للمفاوضات في نيويورك مع وزراء خارجية “أصدقاء سورية” والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، “لم تكن في المجمل إيجابية، إذ ضغط الجميع على وفد الهيئة للقبول ببقاء بشار الأسد خلال الفترة الانتقالية، باعتبار أن ذلك يمثل الرغبة الدولية، على الرغم من إقرار العديد من الوزراء خلال تلك اللقاءات أن الأسد يستحق محاكمة، إلا أنهم كانوا يقولون إن الوقت الحالي غير مناسب لذلك”. وأشارت إلى أن “المشاركين طالبوا الهيئة العليا للمفاوضات بأن تكون مشاركتها في مباحثات جنيف المقبلة عبر وفد موحّد يضم منصتي موسكو والقاهرة، مبدين دعمهم لاستبعاد رئيس منصة موسكو قدري جميل إن كان يقوم بدور سلبي ومعطّل لتشكيل الوفد، كما أنهم أكدوا ضرورة استبعاد كل الشخصيات والجهات المتشددة والرافضة للحل السياسي بحسب القرارات الدولية، والمتمسكة بفرض شروط مسبقة وعلى رأسها استبعاد الأسد من المرحلة الانتقالية”.
يترافق ذلك مع توافق روسي-سعودي حول سورية برزت معالمه خلال زيارة الملك سلمان إلى روسيا. وأعلن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، أن بلاده تعمل مع روسيا “لتوحيد المعارضة السورية المعتدلة وتوسيع نطاقها لتستطيع الدخول في العملية السياسية في جنيف”، وذلك في مؤتمر صحافي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، الخميس على هامش زيارة العاهل السعودي، مشيراً إلى أن البلدين متفقان على الحاجة للحفاظ على وحدة الأراضي السورية ومؤسسات الدولة.
من جهته، أكد لافروف أن هناك تفاهماً مشتركاً مع السعودية على مكافحة الإرهاب، وأن موسكو تدعم موقف الرياض لتوحيد جهود المعارضة السورية. وعاد لافروف وتطرق للدور السعودي، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكازاخستاني خيرت عبد الرحمنوف في أستانة أمس الجمعة، عقب مباحثات حول استئناف مفاوضات أستانة. وقال لافروف إن “الجهود السعودية تخص بشكل أكثر مفاوضات جنيف التي لا تزال تتعرقل في المرحلة الراهنة، والسبب الرئيسي في ذلك هو أن عدداً من ممثلي المعارضة يحاولون طرح شروط مسبقة مثل رحيل الأسد من اللعبة السياسية، مع مخالفة صارخة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 والذي يشكل أساساً لعملية جنيف”. وأعلن أنه “يجري العمل على ضمان مشاركة فصائل هامة مسلحة، بدأت حواراً مباشراً مع الحكومة السورية، ومستعدة لمحاربة الإرهاب”.
من جهته، قال عبد الرحمنوف إن الدول الضامنة، وهي روسيا وتركيا وإيران، تعتزم البحث أثناء المفاوضات المقبلة من أستانة، بالتفصيل مدى فعالية عمل مناطق تخفيف التوتر الأربع المقامة في سورية. وأشار إلى أن ممثلي المعارضة المسلحة أعاروا اهتماماً خاصاً لقضية الأسرى والرهائن، مؤكداً أن المعارضة أعربت عن أملها في إيجاد حل لهذه القضايا بفضل إسهام الدول الضامنة، مضيفاً أن القضية الأخرى ذات الاهتمام الدولي والتي سيجري النقاش بشأنها في أستانة هي “إزالة الألغام”. ولم يحدد الوزيران موعد الجولة السابعة من أستانة، إلا أن رئيس البعثة الروسية، ألكسندر لافرينتييف، قال في وقت سابق إنه من المزمع عقد الجولة الجديدة من أستانة في أواخر شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
في هذه الأجواء، قررت الهيئة العليا للمفاوضات تأجيل اجتماعاتها التي كان مقرراً أن تبدأ اليوم السبت، إلى يوم الأحد 15 الحالي. ويُنتظر من هذا المؤتمر التوصل إلى تشكيل هيئة مفاوضات جديدة تضم منصتي موسكو والقاهرة إضافة إلى العديد من القوى المعارضة والثورية التي كانت غائبة عن المؤتمر الأول لسبب أو لآخر.
وأعلن عضو المكتب التنفيذي في “هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطية” وأحد ممثليها في الهيئة العليا، أحمد العسراوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه تم تأجيل اجتماعات الهيئة العليا إلى 15 الحالي، موضحاً أن “على جدول أعمال هذا الاجتماع التحضير لعقد المؤتمر الموسع لقوى الثورة والمعارضة الثاني المنوي عقده في وقت لاحق لم يقر حتى اليوم”.
وأفاد بأن “المؤتمر الموسع يهدف إلى توسيع القاعدة الجماهيرية للهيئة بضم كافة قوى الثورة والمعارضة المؤمنة بالتغيير الجذري والشامل بالاستناد إلى بيان جنيف 1 وقرارات مجلس الأمن والبيانات الدولية ذات الصلة”، لافتاً إلى أن “هذا سيكون عبر دعوة جميع المؤمنين بهذه الأهداف للمشاركة، بغض النظر عن مشاركتهم أو عدم مشاركتهم في المؤتمر الموسع الأول”.
وحول مسألة طرح شروط للبدء بالعملية السياسية للوصول إلى حل سياسي، رأى العسراوي أنه “ما زالت هناك شخصيات لم تستوعب العملية السياسية للوصول إلى حل سياسي، والذي سيبقى معطلاً طالما هناك من سيبقى يصر على وضع شروط، ما يسمح للآخر بأن يضع شروطاً”، لافتاً إلى أن “الهيئة العليا للمفاوضات لديها قرار واضح بهذا الشأن وهو خوض العملية السياسية من دون وضع شروط مسبقة”.
وعما إذا كان هناك جديد بما يخص التقارب بين الهيئة العليا ومنصتي موسكو والقاهرة، أوضح العسراوي “أن لا جديد على الصعيد الرسمي عقب آخر اجتماعات عُقدت بين الأطراف الثلاثة”، وذكر أنهم “يرون المسألة بقيام وفد واحد بمرجعية سياسية واحدة ورؤية واحدة، وهذا مأمول الوصول له عبر المؤتمر الموسع المزمع عقده في الفترة المقبلة”. وأوضح أن “الخلافات البارزة بين الهيئة ومنصة موسكو تركزت حول ثلاث مسائل، أولها أننا نعتبر المرجعية السياسية للعملية السياسية هي بيان جنيف والقرارات الدولية والبيانات ذات الصلة، باعتبارها الحد الأدنى للحل السياسي الذي يحقق مطالب الثورة السورية، أما منصة موسكو فتصر على اعتماد القرار 2254 كمرجع وحيد، وثانيها أننا نرى أن المرحلة الانتقالية يجب أن تعتمد دستورياً على إعلان دستوري، أما المنصة فتصر على اعتماد دستور 2012 على أن تُدخل بعض التعديلات عليه خلال العملية الانتقالية، وهنا شتان بين الأمرين، وثالثاً وأخيراً، نحن نطلب وفداً واحداً بمرجعية واحدة، وهم يطرحون وفداً واحداً بمرجعيات متعددة، وهنا توقف الحوار”.
وقال القيادي المعارض إن “القاعدة الرئيسية للمشاركة في المؤتمر الموسع المزمع عقده، هي الإقرار ببيان جنيف والقرارات الدولية والبيانات ذات الصلة كمرجعية للعملية السياسية، ونتمنى المشاركة ممن يوصفون بالمتشددين بالاتجاهين على أساس هذه القاعدة”، معرباً عن تفاؤله في المرحلة المقبلة على الرغم من كل ما يكتنفها، مبيناً أن “تفاؤله يستند إلى أنه لا بد من إنجاز حل سياسي يلبي مطالب الشعب السوري”. وأضاف أن “كل طرف من المجتمع الدولي اليوم يريد الوصول إلى حل سياسي بحسب رؤيته، بعد أن تغيّرت المعادلة الدولية ومواقف الدول، لأسباب عديدة، فأصبح الهم الأول مكافحة الإرهاب والقضاء عليه في سورية قبل أن يخرج إلى بلادهم”.
ورأى أن “هناك توافقات مسبقة بين الدول بحسب مصالح كل منها، ولكن أعتقد أن التوافق الروسي السعودي والمصري هو الأقرب إلى إنجاز مشروع الحل”، آملاً “ألا يتخلى البعض عن إنجاح المؤتمر الموسع المزمع عقده كما سبق وتخلى عن دعم ما نتج عن الاجتماع السابق”. وحول حظوظ مؤتمر جنيف المقبل بإحراز تقدّم في إنجاز الحل السياسي، اعتبر العسراوي أن “نقطة الصفر لبدء الحل هي عندما تبدأ المفاوضات المباشرة، وكل ما يسبق ذلك هو عبارة عن عمليات تحضيرية ليس أكثر”.
عذراً التعليقات مغلقة