- فاطمة ياسين
الحل السياسي تشكيل قانوني وحقوقي يهدف إلى تغيير راهن قلق، وصولاً إلى هدوء دائم وتداول اجتماعي مستقر، تُستخدم في صياغة هذا الحل نتائج عسكرية وظروف اجتماعية، وفي الحالة السورية مصالح إقليمية ودولية.
المطلوب من مجموعات الوفود السورية المشاركة، والتي فرض وجودَها الأمرُ الواقع، العمل على صياغة ذلك التشكيل، ليأخذ الحل السياسي شكله النهائي، تتطلب هذه العملية مقدرة سياسية، وتمرساً وخبرة وانغماساً في الواقع الذي يجري البحثُ عن حل سياسي له، وفوق ذلك كله يلزم جهد أخلاقي ذو رؤية ثلاثية الأبعاد تمسح الواقعَ كله، والموادَّ الأولية التي سيتشكل الحل منها هي قرار دولي لا يتجاوز المائتي كلمة، يمكن أن يخلق أكثر من سؤالٍ عن كل سطر فيه، ومجموعة أحلام جامحة ومتضاربة تحملها الوفود والشخصيات المشاركة، يتداخل فيها الوطني مع العسكري مع الشخصي، وحتى مع المزاجي.
توحي الظروف والتصريحات الحالية أن المسألة المطروحة يجب أن تحلها جهتان متناقضتان، وسنتحدث عن جهة النظام التي يتمسّك وفدها بهدوء ظاهري، وكثير من الأناقة في الملابس، وتعتمد الخطاب نفسه الذي أذاعته محطاتها التلفزيونية منذ صبيحة 17 آذار/ مارس 2011. لم تتأثر هذه الجهة بالانزياحات الخطيرة التي زعزعت المجتمع، ولم تُدخل في اعتبارها الثقافة الجديدة، أو الثقافات المستحدثة الناشئة بعد ست سنوات، ولم تلتفت إلى الكتلة البشرية الهائلة التي أصبحت خارج الوطن، وتعيش على تخومه، وتحرص على أن تتفاعل معه، ويتربص جزء كبير منها بالعودة، ويتوقع تعاملاً سياسياً مختلفاً عما كان سائداً، أو يتأمل مكافأة على سنوات غربته الإجبارية.
يتجاهل وفد النظام القفزة العريضة في الإعلام، على الرغم من أنه يستفيد منها في ترويج ما يريد، ويتناسى أنها متاحة للطرف المقابل، وفي وسعه تشكيل رأي عام ونقل الحقائق على أوسع نطاق، وبأسرع الطرق، لكن النظام على العكس يعبر عن طبيعته البليدة المترهلة التي تراكمت على جسده طوال الخمسين عاما الماضية، وقد حولها إلى قوانين ومؤسسات رسمية.
على الرغم من تضاعف عدد سكان سورية أربعة أضعاف، والمتغيرات المهولة التي عصفت بالعالم، فإن الدستور القديم الذي تم إقراره في 1973 لم يكن ليتغير لو لم يُجبر النظام على ذلك، فقدم نسخة جديدة سنة 2012، لا تختلف كثيراً عن سابقتها، وبقيت صلاحيات الرئيس فيها ثابتة، وجرى تعديل سابق في يوليو/ تموز 2000 ، لتشريع وصول الأسد إلى كرسي الرئاسة، أما جسد الدستور نفسه، فحافظ على تكريس شخص الرئيس الذي يفعل كل شيء، ويسيطر على جميع السلطات داخل حدود الدولة/ المملكة، ويقوم بتعيين كل الموظفين من الدرجة الأولى وحتى الرابعة، ويحق له أن يقيلهم ويسجنهم أيضاً.
العمل السياسي محصور بالرئيس شخصياً، فهو من يُبرم المعاهدات والاتفاقيات، ويلغيها، ويعلن الحرب، ويوقفها، وهو غير مسؤول أمام أحد. في مثل هذا الدستور المحمي بعدد من أجهزة الأمن والجيش والشرطة وتظاهرات مليونية إجبارية، لن يتمكن أي مواطن سوري، مهما بلغت سنه، أو مركزه، من مزاولة السياسة، ولا حتى التفكير بذلك، فالأمر مقصورٌ على الرئيس وحده بحسب الدستور، ومن يخرج عن ذلك يصبح عرضةً لنهش أجهزة الأمن، على اختلاف أنواعها.
الآن مطلوب من النظام الحالي الذي ورث كل شيء، بما في ذلك مهام الرئيس الجسيمة، المشاركة في حل سياسي، وعبر وفد رسمي طويل وعريض، يفهم في كل شيء، إلا في السياسة بحكم الدستور المطبق عليه، وهذه حمولة تفوق استطاعته، وهو ابن مجتمع انهمك في إثبات الولاء، وتجنبْ رجال الأمن، لذلك فالحل السياسي الذي تحلم به المنظمة الدولية هو منتَج غير قابل للظهور، لتعذّر القدرة على صناعته، ولسبب اتكاله على حفنة من الموظفين البيروقراطيين جزء من تكوينهم المهني، وما تعلموه في المعهد العالي للعلوم السياسية لا يؤهلهم سوى لانتظار تعليماتٍ، سيمليها عليهم رجل أمن في دمشق.
- نقلاً عن العربي الجديد
عذراً التعليقات مغلقة