أيمن خسرف
أنا أقلب بين صفحات الفيس يظهر لي إعلان عن منحة تدريبية تندرج تحت إطار (الكابسيتي بيلدنغ) أو (capacity building) وبالترجمة الحرفية (بناء القدرات)، اسم الدورة جديد، لم أحضر دورة كهذه من قبل، كالعادة لم أتردد في التسجيل، وبدأت متاهات وخوارزميات ومتطلبات جمع بيانات التسجيل، بعدها بأسبوعين أتاني أول رد: نريد أن نجري لك امتحان تقييم بالإنكليزي.. ثم بعد شهر بدأت الدورة التي تحمل الاسم الطنان الرنان؛ لأتفاجأ بمحتوى علمي هزيل لا يطابق الاسم الذي تم الإعلان عنه، لدورة صرف على إعلاناتها والقائمين على إتمامها آلاف الدولارات، ومن قام بإعطائها قد جمع كلاماً ورتبه power point وبعضهم يحمل شهادات لا تمت للموضوع بصلة، فقط مجرد خبرات جمعوها، وفي نفس تلك المدينة هناك من السوريين من يحمل درجة الدكتوراه فيما يتحدثون عنه، ووصلت الحال بتلك الدورة أن تم إدراج فيلم what women want لتقوية اللغة الإنكليزية الخاصة بعالم الأعمال لتأهيلنا لمخاطبة الداعم باللغة الإنكليزية (طبعاً لم يتم حذف أي قبلة أو مشهد حار من الفيلم وبقاعة فيها إناث وذكور) وهذا يندرج طبعاً ضمن برنامج الاستجابة الطارئة للأزمة الإنسانية السورية وبأيدٍ سورية (لو أنه من غير سوري والله لم أكن لأتفوه بكلمة).
(اعذروني فهذا الكورس يتطلب أشهراً لإتمامه لكن الجهة الراعية ضغطت علينا لإتمامه بيومين)، (سأعطيكم ملخصاً عن المحاضرات وسأرسل لكم عبر الإيميل روابط للمراجع وسنبقى على اتصال دائم للإجابة على تساؤلاتكم)، (لا أعرف لماذا أرى الوجوه مكررة دائماً في كل تدريب؟)، هذه جمل يسمعها كثير ممن حضر الكابسيتي في فنادق خمس وسبع نجوم، فيطمئن إلى أنه لن يأخذ أي فائدة؛ لأنه لو الذين سبقوك استفادوا ما كرروا الدورات، وتطمئن أن من يتحدث إليك خبير لعشرات السنين فيما يتحدث واستطاع تلخيصه بيومين، (إيميلي وهاتفي لديكم للرد على أي استفسار، دعونا نوزع الشهادات ونأخذ صورة جماعية للذكرى)، ثم ينتهي الكورس ونعود أدراجنا ونحن نكرر أغنية ماجدة الرومي (يسمعني حين يبنيني كلمات ليست كالكلمات)، (وأعود لطاولتي لا شيء معي سوى كلمات).
المشكلة لا تتوقف هنا، فبالانتقال إلى مخيمات اللجوء تجد اثنتين قد جاءتا من بريطانيا (غير متزوجات، وتزن الواحدة منهما أقل من 50 كيلوغراماً) لتقوما بدورة تدريبية للنساء السوريات (هناك من لديهن 4 أولاد) عنوان الدورة (أهمية الإرضاع الطبيعي)، وتنتهي بصورة جماعية وعلبة سيريلاك.
بالعودة إلى أصل المصطلح (بناء القدرات):
تنمية القدرات عادة ما تشير إلى عملية خلق وبناء القدرات، ثم بعد ذلك استخدامها وإدارتها والاحتفاظ بها، وتنبع هذه العملية من الداخل، وتنطلق من إمكانات القدرات الوطنية القائمة، أما بناء القدرات عادة ما يشير إلى العملية التي تدعم فقط المراحل الأولية من بناء وخلق القدرات، وتقوم على افتراض عدم وجود أية قدرات يمكن الانطلاق منها؛ لذلك فهي أقل شمولاً من عملية تنمية القدرات، وقد نشرت منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي أن بناء القدرات يشير إلى عملية تبدأ بسطح خالٍ وتتضمن تشييد بناء جديد خطوة بخطوة، استناداً إلى تصميم محدد سلفاً، لكن التجربة أثبتت أنه يصعب النجاح في تحسين القدرات بهذه الطريقة، فقد يكون بناء القدرات متصلاً بالأزمات أو الفترات التي تعقب الصراعات مباشرة؛ حيث تكون القدرات الموجودة قد فقد معظمها بسبب تدمير القدرات أو نزوح القدرات.
مما سبق نستنتج أن الشعب السوري عديم القدرات، وأن 500 شهادة دكتوراه و2500 شهادة طب وصيدلة أسنان، و5000 أستاذ فقط في تركيا تتطلب بناء قدرات الإرضاع والإدارة، وكل ذلك يتطلب اختراع العجلة من الصفر، نعم فهي مربحة أكثر، فإظهار هذه الأرقام يؤرق الذين يسافرون إلى إيطاليا أو أميركا لاتباع دورة بناء قدرات، وربما هناك سيتقدم للجوء ويبدأ بإعطاء الدورات والنصائح عبر الفيسبوك، ويشارك بالمظاهرات الاحتجاجية على أبواب السفارات ببث مباشر عبر تويتر.
لا يتوقف الأمر على ذلك في بعض المنظمات العاملة على الجانب الإنساني للسوريين، بل يتعداه إلى درجة رفض توظيفك؛ لأنك لم تستطع إنشاء الدالة على برنامج الإكسيل للرواتب (حتى لو معك شهادة ماجستير غير مهم، فشهادتك ستذهب أدراج رياح 2011 ويجب طمس إمكانياتك ليبقى باب رزق إعادة اختراع العجلة مفتوحاً) لقد امتدت الإعاقة الفكرية في بعض المنظمات إلى تعيين ذكور (من طرف الداعم) كإداريين لدار أيتام فيها 30 امرأة في الثلاثينات من عمرهن (فالإداريات المخضرمات ركبن البلم وهاجرن)، أو وضع إعلان ممول (مدفوع الأجر) على فيسبوك لطلب موظف إداري لإحدى المؤسسات الإنسانية في مدينة مثل كلس التركية، التي فيها عدد السوريين أكثر من عدد السكان الأصليين، والحجة أنهم يبحثون عن نوعية معينة من الموظفين، ولم يجدوها بعد، ثم تتفاجأ أنه تم تعيين مكياج والقليل من أنثى لذلك المنصب المحوري في القضية السورية، وبعد كل هذا التكتيك الرائع لن تستغرب إذا سمعت بقصة سرقة مبلغ من أموال التبرعات من قبل (اللهو الخفي)، بينما كان الاستعداد لأخذ المبلغ إلى البنك بعد تسلمه من الداعم.
لا تقبلوا بأن تكونوا أدوات لتمرير الأخطاء، قولوا للخطأ خطأ، كفى دماء وكفى متاجرة بآلام السوريين، تكفي صور منمقة لسلة غذائية تعطوها للسوري تحوي القليل من طعام وفوط ومناشف وحرامات، ستلعنكم هذه الكرامات المهدورة على عدسات كاميرا يقودها مصمم محترف راتبه في أسبوع يكفي مصروف عائلة لشهر، من أجل أن تشبعوا غرور الداعم، وأن ترسلوا له الصور بإيميل يحمل عنوان “جزاكم الله خيراً”، هذا الهدر مرفوض في كل الأديان، وكل مشروع عنوانه الكذب وديزاينر محترف نهايته الخذلان، واعلم أن من تصورها حرة وزوجها حر وأخوها حر فلا تأسرها بطمعك، وإذا فعلت فسترى ذلك يوماً في ابنتك أو أمك، اعتز بعروبتك ونظام التكافل الاجتماعي الذي لدينا، لا تغرك مصفوفات إنكليزية جربناها في فلسطين والصومال، كونوا ذوي كرامة، وليس ذوي كاميرا، إياكم أن تساهموا بتكرار مأساة حمص وحلب.
عذراً التعليقات مغلقة