

الجملة المفتاحية في التحقيق المطوّل الذي نشرته صحيفة واشنطن بوست الثلاثاء الماضي “معركة توحيد سورية”، التي تدور بقوة منذ إسقاط نظام بشّار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بين السلطة التي تولّت الحكم في دمشق وإسرائيل. وعلى مدار عام من التطوّرات، تكشّف تدريجياً الدور الإسرائيلي متعدّد الأشكال والأدوات والوسائل. ووفق ما جاء في التحقيق، على ألسنة مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين، تسعى دولة الاحتلال إلى تشكيل مسار التطوّرات في سورية عبر دعم مليشيات درزية متحالفة معها، “لإضعاف التماسك الوطني السوري، وبما يعقّد جهود الرئيس أحمد الشرع لتوحيد البلاد”.
يكشف التحقيق عن إمدادات إسرائيلية سرّية تشكّل جزءاً من جهدٍ مستمرّ منذ سنوات. وفي جانبٍ منه، دعمٌ عسكري تلقّته مليشيات الشيخ حكمت الهجري على مرحلتَيْن: الأولى بعد سقوط الأسد بأيام، والثانية في إبريل/ نيسان الماضي، “حيث بلغ تدفّق الأسلحة ذروته”، أي قبل اندلاع أحداث يوليو الماضي. وهو ما يغيّر بصورة جذرية زاويتَي النظر والحكم على المعارك التي دارت عدّة أيام، وصوّرت السويداء خلالها (وبعدها) ضحيّة اعتداء من السلطة وقوات العشائر بغرض إخضاعها بالقوة العسكرية، وارتُكبت نتيجة لذلك مجازر، وأُحرقت قرى عديدة.
ويكشف التحقيق تفاصيل مهمّة تتعلّق بدعم إسرائيل ما يُسمّى “المجلس العسكري” في السويداء بقيادة العقيد طارق الشوفي، بطرائق مباشرة، عبر السلاح والرواتب لثلاثة آلاف مقاتل، وبطرائق غير مباشرة من طريق “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تشارك في التمويل والتدريب العسكري. وينطلق ذلك من اعتبار “الدروز حليفاً طبيعياً لإسرائيل”، ومن عدم الثقة بالشرع. والعبرة من هذا ليست في التعاون فقط بين المجلس العسكري في السويداء و”قسد”، بل في حضور إسرائيل طرفاً أساساً في معادلةٍ تهدف إلى عدم توحيد سورية. وهو ما يفسّر المطالبة باستقلال السويداء، واللامركزية في منطقة الجزيرة التي تسيطر عليها “قسد”، وهي تشكّل ثلث مساحة سورية وقرابة 40% من ثرواتها.
وما لم يأتِ عليه التحقيق هو تفاصيل مهمّة خلال جلسات التفاوض في باريس بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني والوزير الإسرائيلي السابق للشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي أصرّ على أن ينصّ الاتفاق الأمني بين سورية وإسرائيل على إقامة ممرّ بين إسرائيل والسويداء يمتدّ نحو الجزيرة السورية، حيث تسيطر “قسد”. وحيال ذلك، لا تبدو السلطات السورية بعيدةً عن إدراك خطورة ما يحصل على الأرض، ويتبيّن اليوم أنها تعاملت بصبر مع تفكيك الألغام الإسرائيلية التي كان انفجارها سيؤدّي إلى تقسيم سورية، بعد فتح مواجهةٍ أكثر عنفاً وتدميراً ممّا حدث في محافظة السويداء، التي شهدت ارتكاب تجاوزات أطرافها الثلاثة: قوات الدولة، والعشائر، ومليشيات الهجري.
لا يمكن قراءة التقرير بمعزل عن تطوّرات العام الذي تلا سقوط الأسد، ابتداءً من أحداث الساحل في مارس/ آذار الماضي، ثم السويداء والجزيرة. وعلى هذا، يمكن عطف كلام المسؤولة السابقة الرفيعة في وزارة الدفاع الأميركية خلال إدارة بايدن، دانا سترول، التي درست الملفّ السوري عن كثب: “هناك إحباط متزايد في واشنطن من أن الإجراءات الإسرائيلية كانت تعرقل أمراً يتمنّى معظم من في واشنطن، وكل من في الشرق الأوسط، أن ينجح: سورية مستقرّة وموحّدة”. وبالتالي، ليس رفض الهجري اتفاق عمّان الثلاثي بين الولايات المتحدة والأردن وسورية تعبيراً عن موقفه الشخصي بقدر ما هو قرار صادر عن إسرائيل. والأمر نفسه ينسحب على مماطلة “قسد” في تطبيق اتفاق 10 مارس (2025)، وتصعيدها العسكري لجرّ السلطة إلى معركة عسكرية وفق حسابات وأهداف إسرائيلية. وحسب الناطق باسم مليشيا الحرس الوطني في السويداء، فإن جزءًا من التمويل يأتي من دولة خليجية.





