
بعد أن كان من أبرز الداعمين لتشديد العقوبات على النظام السوري البائد عبر قانون قيصر، التقى النائب الجمهوري براين ماست الرئيس أحمد الشرع في واشنطن أمس، في خطوة فُسّرت على أنها بداية مراجعة للموقف الأميركي من سوريا ما بعد الحرب.
من جبهات الحرب إلى مقاعد الكونغرس
براين ماست، النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا، شخصية مثيرة للاهتمام في المشهد السياسي الأميركي، خدم سابقا في الجيش الأميركي، وشارك في مهامٍ قتالية في أفغانستان، حيث فقد ساقيه بانفجار أثناء عمله مع وحدة هندسة قتالية.
بعد عودته إلى الحياة المدنية، تبنّى قضايا الأمن القومي والسياسة الخارجية بوصفها محور اهتمامه داخل الكونغرس، مكتسبا سمعة الجندي الصلب الذي لا يهادن في قضايا الإرهاب وإيران والأنظمة الاستبدادية.
موقفه من سوريا قبل سقوط النظام
منذ بداية الحرب السورية، كان براين ماست من أشدّ المنتقدين لنظام بشار الأسد، ورأى في دعم إيران وروسيا له تهديدا مباشرا لمصالح الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، خصوصا لإسرائيل، كان من أوائل الداعمين لتشديد قانون قيصر للعقوبات، واعتبره “ضرورة أخلاقية وسياسية لضمان محاسبة النظام على جرائمه بحق المدنيين”.
وفي عدة مناسبات داخل الكونغرس، دعا إلى منع أي مسار تطبيع مع الأسد، وهاجم بشدة الدول التي حاولت فتح قنوات اتصال معه قبل سقوط النظام، مؤكدا أن “السلام لا يمكن أن يُبنى على دماء الأبرياء”.
تحوّل ما بعد سقوط النظام
بعد سقوط نظام الأسد وتشكّل الحكومة الجديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، ظلّ ماست متمسكا بموقفه الرافض لرفع العقوبات الأميركية تلقائياً، فقد رأى أن قانون قيصر يجب أن يبقى أداة ضغط أساسية حتى تبرهن الحكومة الجديدة على التزامها الفعلي بالمساءلة والعدالة الانتقالية.
لكن التطور الأبرز جاء أمس، عندما التقى الرئيس الشرع في واشنطن خلال زيارة اجتماع عقد بعد منتصف الليل. اللقاء، الذي أكّدته مصادر في الكونغرس لاحقا، فُسّر على نطاق واسع بأنه مؤشر إلى بداية مراجعة لموقف ماست، وربما انعكاس لتحول أوسع في المقاربة الأميركية تجاه سوريا الجديدة.
وبحسب هذه المصادر، فإن ماست يسعى اليوم إلى موازنة الحذر السياسي مع الانفتاح المشروط، معتبرا أن الحوار مع حكومة الشرع يمكن أن يخدم المصالح الأميركية إذا التزمت الأخيرة بضمان سيادة القرار السوري، وإبقاء النفوذ الإيراني والروسي بعيد عن الدولة، إلى جانب احترام مسار العدالة والإصلاح الدستوري.
بين المبدئية والبراغماتية
حتى الآن، لم يصدر مكتب ماست بياناً رسمياً يوضح نتائج لقائه بالرئيس الشرع، لكن مقربين منه يؤكدون أن النائب الجمهوري يرى في “سوريا المحررة” فرصة لإعادة بناء علاقة متوازنة بين واشنطن ودمشق، قائمة على الدعم السياسي والاقتصادي المشروط.
ويبدو أن ماست بدأ يتبنّى موقفا أكثر براغماتية، بعد أن كان رمزاً للتشدد السياسي تجاه الملف السوري. فبينما كان في الماضي يرفع لواء العقوبات والعزل، يبدو اليوم أنه يدرك تعقيدات المرحلة الجديدة التي تتطلب حوارا واقعيا لضمان استقرار سوريا، ومنع عودة الفوضى أو التمدد الإيراني.
وختاماً:
يختصر براين ماست في مسيرته ملامح التحول في السياسة الأميركية نفسها: من المواجهة إلى المراجعة، ومن العزلة إلى الحوار المشروط، فالرجل الذي حمل السلاح في أفغانستان، ورفع شعار “الردع أولًا”، أصبح اليوم يُدرك أن بناء شرق أوسط مستقر لا يمر فقط عبر الضغط والعقوبات، بل عبر تفاهمات مدروسة تحفظ القيم والمصالح معاً.
وهكذا، يظل ماست نموذجا للجندي الذي لم يتخلَّ عن مبادئه، لكنه تعلم أن السياسة – بخلاف الحرب – تُخاض بالعقول قبل البنادق.





