باريس تستقبل الشرع: انطلاقة دبلوماسية جديدة بين سوريا وفرنسا في مرحلة ما بعد الأسد

فريق التحرير10 مايو 2025Last Update :
باريس تستقبل الشرع: انطلاقة دبلوماسية جديدة بين سوريا وفرنسا في مرحلة ما بعد الأسد

في زيارة وُصفت بأنها منعطف سياسي كبير، استقبلت العاصمة الفرنسية باريس اليوم الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع في أول زيارة رسمية له إلى أوروبا منذ توليه منصبه في أعقاب سقوط نظام بشار الأسد. واستُقبل الشرع في قصر الإليزيه من قبل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في لقاء حمل أبعادًا استراتيجية تتجاوز العلاقات الثنائية، ليعكس بداية مرحلة دبلوماسية جديدة تعيد رسم معالم الدور الفرنسي في الملف السوري.

الزيارة جاءت بدعوة رسمية من الرئيس ماكرون، في خطوة تعبّر عن اعتراف فرنسي واضح بالحكومة الانتقالية السورية، ودعمها في مسارها نحو إرساء الاستقرار السياسي. توقيت الزيارة يحمل دلالات رمزية، إذ يتزامن مع بدء مرحلة إعادة تشكيل الدولة السورية سياسيًا ودستوريًا، وسط دعم إقليمي ودولي متباين.

بحسب بيان الإليزيه، تناولت المباحثات بين الشرع وماكرون أبرز الملفات المرتبطة بالمرحلة الانتقالية، بما في ذلك دعم العملية الدستورية، وتسهيل عودة اللاجئين، وإطلاق إصلاحات عميقة تشمل مكافحة الفساد وتعزيز الحوكمة. وقد عرضت فرنسا تقديم دعم فني في صياغة دستور جديد، بالإضافة إلى مساهمات تقنية في مجالات العدالة، والتعليم، والطاقة.

وفي ملف إعادة الإعمار، أبدت باريس استعدادًا مشروطًا للانخراط في هذه الجهود، انطلاقًا من التقدم في المسار السياسي وضمان بيئة آمنة للعائدين. كما شدد الجانب الفرنسي على أهمية وضع آليات لمراقبة تنفيذ الالتزامات الحقوقية.

من القضايا الجوهرية التي طُرحت في اللقاء، كان موضوع العقوبات الأوروبية المفروضة على سوريا. وأبدى ماكرون استعداد بلاده لطرح تخفيف تدريجي لتلك العقوبات ضمن إطار تفاوضي، مشروط بالتزامات واضحة من قبل الحكومة الانتقالية، خاصة ما يتعلق بإطلاق سراح المعتقلين، وتمكين المجتمع المدني، وضمان حرية التعبير.

اللقاء يُعد خطوة نحو كسر العزلة الدبلوماسية التي عاشتها سوريا لسنوات، ويفتح الباب أمام نقاش أوسع داخل الاتحاد الأوروبي حول مستقبل العلاقات مع دمشق، التي ظلت منذ 2011 في موقع العزلة السياسية والدبلوماسية.

مقتطفات من المؤتمر الصحفي: مواقف واضحة ورسائل متبادلة

خلال المؤتمر الصحفي الذي عقد في قصر الإليزيه، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون:

“فرنسا تدعم بشكل كامل مسار الانتقال السياسي في سوريا، ونؤمن أن مستقبلًا ديمقراطيًا يتطلب دستورًا جديدًا، مؤسسات قوية، وضمانات حقيقية لحقوق الإنسان. نحن مستعدون للمشاركة في إعادة الإعمار، ولكن ذلك مرهون بخطوات ملموسة من الحكومة الانتقالية.”

من جانبه، شدد الرئيس السوري أحمد الشرع على أهمية هذه الزيارة في إعادة ربط سوريا بالمجتمع الدولي، وقال:

“نحن جئنا إلى باريس من أجل بناء جسور الثقة، وتأكيد التزامنا بقيادة عملية انتقالية شاملة لا تستثني أحدًا، هدفها بناء دولة مدنية حديثة، تعيد الأمل للسوريين في الداخل والشتات.”

زيارة الرئيس أحمد الشرع إلى باريس تفتح صفحة جديدة في العلاقات بين دمشق وباريس، وتُعد اعترافًا ضمنيًا بالتحولات الجارية في سوريا. لكنّها أيضًا تُظهر حجم التحديات أمام الحكومة الانتقالية، والتي يتعين عليها الموازنة بين الداخل المضطرب، والتوقعات الدولية العالية. وفيما تبدو باريس مستعدة للعب دور ريادي في إعادة تموضع أوروبا ضمن خارطة الشرق الأوسط، يبقى نجاح هذه المبادرة رهينًا بالتزام سوري صادق بمسار التغيير.

اترك رد

عاجل