التوترات الأمنية في سوريا: محاولات يائسة ورسائل استراتيجية

مدين يحيى15 مارس 2025آخر تحديث :
التوترات الأمنية في سوريا: محاولات يائسة ورسائل استراتيجية
مدين يحيى

شهدت سوريا في الآونة الأخيرة تطورات أمنية لافتة، أبرزها التحركات العسكرية التي قامت بها مجموعات مسلحة في جبال الساحل، والتي قوبلت بحسم من قبل الأجهزة الأمنية والقوات المسلحة.

هذه العمليات، التي يُنظر إليها على أنها محاولات يائسة من فلول النظام السوري السابق أو مجموعات خارجة عن السيطرة، تحمل في طياتها رسائل سياسية وأمنية لا يمكن تجاهلها.

قراءة في أبعاد العملية

أولاً، من الناحية العسكرية، لم تشكل هذه التحركات تهديداً وجودياً على الدولة السورية، بل كانت أقرب إلى عمليات استنزاف محدودة سرعان ما تم احتواؤها. مع ذلك، فإنها تعكس استمرار بعض الجماعات في اختبار جاهزية الدولة والبحث عن ثغرات يمكن استغلالها في المستقبل.

ثانياً، من الناحية السياسية، كشفت هذه العمليات عن واقع التوازنات الداخلية والخارجية في المشهد السوري. فقد أبرزت موقف بعض الفصائل في الجنوب السوري، ولا سيما الدروز، الذين وجدوا أنفسهم في موقع حرج بين الحفاظ على تحالفاتهم المحلية والتعامل مع سلطة الدولة المركزية، بينما يلجأ بعضهم لإسرائيل. كما سلطت الضوء على قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في شرق سوريا، التي لا تزال تحاول المناورة بين المصالح الإقليمية والدولية، رغم توقيع الاتفاق المهم بين الرئيس السوري أحمد الشرع ومظلوم عبدي، وسط ضغوط متزايدة.

الانعكاسات الإقليمية والدولية

إحدى أهم النتائج غير المباشرة لهذه الأحداث هي الرسائل التي وصلت إلى إسرائيل والدول الغربية. فمنذ سنوات، ساد الاعتقاد بأن القدرة العسكرية في سوريا قد ضعفت إلى حد كبير نتيجة الحرب الطويلة والعقوبات الاقتصادية. لكن هذه الأحداث جاءت لتكشف أن هناك قاعدة بشرية واسعة لا تزال قادرة على القتال عند الضرورة، وأن أي محاولة لزعزعة الاستقرار ستُقابل برد فعل واسع النطاق.

بالنسبة لإسرائيل، التي تراقب الوضع عن كثب، فإن الرسالة واضحة: أي تدخل مباشر أو غير مباشر قد يؤدي إلى مواجهة أوسع مما كان متوقعاً، ما يعزّز الحاجة إلى إعادة تقييم استراتيجيتها الأمنية في المنطقة، خصوصاً في ظل تصاعد النفوذ الإيراني وتطور قدرات الفصائل المتحالفة مع الدولة السورية.

السيناريوهات المستقبلية

في ظل هذه التطورات، من المرجح أن تتخذ الدولة السورية مزيداً من الإجراءات لتعزيز السيطرة الأمنية، سواء عبر تعزيز الحضور العسكري في المناطق الساخنة أو من خلال تكثيف التعاون مع الحلفاء الإقليميين والدوليين. في المقابل، ستستمر بعض الأطراف الخارجية في محاولة استغلال أي اضطرابات داخلية لتحقيق مكاسب سياسية، مما يعني أن الفترة القادمة قد تشهد مزيداً من التوترات المحدودة، دون أن تصل إلى مستوى التهديد الوجودي للدولة.

ختاماً:

إن الأوضاع الأمنية في سوريا لا تزال تعكس تعقيدات المشهد السياسي والعسكري في المنطقة. ورغم أن بعض التحركات الأخيرة قد تبدو كأنها محاولات يائسة، إلا أنها تكشف في الوقت نفسه عن التحديات المستمرة التي تواجه الدولة السورية، وكذلك عن مدى الجاهزية التي تتمتع بها في مواجهة هذه التحديات. يبقى السؤال الأهم: هل ستتحول هذه التوترات إلى نقطة انطلاق لمرحلة جديدة من الصراع، أم أنها مجرد موجة عابرة في مشهد أمني متقلب؟

اترك رد

عاجل