هكذا دفع بايدن إسرائيل إلى الحد من ضرباتها على إيران

فريق التحرير28 أكتوبر 2024آخر تحديث :
صورة متداولة لموقع في إيران استهدفته الهجمات الإسرائيلية

بعد ساعات من سقوط الصواريخ الإيرانية على إسرائيل في أول تشرين الأول/ أكتوبر، أرسلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن رسالة عاجلة إلى إسرائيل مفادها: تريثي.

كانت واشنطن ترى أن إسرائيل تملك الوقت لاتخاذ القرار بشأن أفضل طريقة للرد على ضربة إيرانية، قدرت الولايات المتحدة أنها كانت ستقتل الآلاف لو لم تتمكن إسرائيل، بدعم عسكري أمريكي، من صد هجوم عدوها اللدود.

وكان المسؤولون يخشون أن يؤدي مثل هذا الهجوم الإيراني الضخم إلى إثارة رد فعل إسرائيلي حاد وسريع، مما قد يدفع الشرق الأوسط إلى شفا صراع إقليمي شامل قبل أسابيع من الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

تشرح هذه الرواية الصادرة عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين كيف سعت الولايات المتحدة إلى التأثير على إسرائيل خلال أكثر من ثلاثة أسابيع قبل أن يرد جيشها أخيرا يوم السبت بضربات جوية كانت موجهة أكثر بكثير نحو أهداف عسكرية مما كانت تخشى واشنطن في البداية.

ودمرت الضربات الإسرائيلية دفاعات جوية إيرانية رئيسية ومنشآت لإنتاج الصواريخ، الأمر الذي يضعف الجيش الإيراني. ولكن الأهم من ذلك أنها تجنبت المواقع النووية الحساسة والبنية الأساسية للطاقة في إيران، مما لبّى مطلبي بايدن الرئيسيين.

وقال جوناثان بانيكوف، النائب السابق للمسؤول المعني بشؤون الشرق الأوسط في المخابرات الوطنية الأمريكية إن “الضغوط الأمريكية كانت بالغة الأهمية”.

وأضاف “كان من شأن عملية صنع القرار في إسرائيل أن تكون مختلفة تماما لو لم تتخذ إدارة بايدن إجراءات لدفعها إلى عدم ضرب المواقع النووية أو مواقع الطاقة”.

ونفى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن تكون إسرائيل تجنبت ضرب منشآت الغاز والنفط الإيرانية بسبب الضغوط الأمريكية.

وقال “إسرائيل اختارت مسبقا أهداف الهجوم وفقا لمصالحها الوطنية وليس رضوخا للإملاءات الأمريكية”.

ويقول المسؤولون إن الخطوة الأولى التي اتخذتها إدارة بايدن كانت الاعتراف بأن إيران ستضطر إلى دفع ثمن الهجوم الذي وقع في أول تشرين الأول/ أكتوبر.

وقال مسؤول كبير في إدارة بايدن “في الساعات التي أعقبت ذلك الهجوم، توعدنا إيران بعواقب وخيمة”.

وأجرى وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن نحو اثنتي عشرة مكالمة هاتفية مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت منذ أول تشرين الأول/ أكتوبر، وناقش أوستن وغالانت الرد المحتمل.

وقال مسؤول أمريكي معلقا على محادثات أوستن وغالانت “كنا نعلم أنهم يستعدون للقيام بشيء ما، وكان (أوستن) يحث على أن يكون متناسبا”.

وأجرى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، مثل غيره من كبار المسؤولين في الإدارة، اتصالات هاتفية مع حلفاء أوروبيين وعرب في الأيام التي أعقبت الهجوم الإيراني، موضحا أن إسرائيل ستضطر إلى الرد لكنه أكد لهم أن واشنطن تعمل على الحد منه.

ولكن ما هو الرد المتناسب الذي يمكن أن يردع إيران عن شن هجوم آخر؟

ورغم أن الضربة الإيرانية لم تؤد إلا إلى مقتل شخص واحد، وهو فلسطيني لقي حتفه بسبب سقوط حطام، فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية أو الأمريكية لم تتمكن من اعتراض العديد من الصواريخ الإيرانية.

وقال جيفري لويس، الخبير في مجال الحد من الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، إن تحليل صور الأقمار الاصطناعية أظهر سقوط ما لا يقل عن 30 قذيفة على قاعدة نيفاتيم الجوية الإسرائيلية وحدها.

وأضاف لويس أن هذا قد يشير إلى أن إسرائيل إما تحاول الحفاظ على دفاعاتها الجوية الآخذة في التناقص، أو أنها تعتقد ببساطة أن تكلفة إصلاح المنشأة المحصنة ستكون أقل من تكلفة صد كل قذيفة تطلقها إيران.

وقال لويس “ربما قررت إسرائيل أن المخزونات بدأت في النفاد أو أن الصواريخ الاعتراضية أصبحت باهظة التكلفة للغاية بحيث لا يمكن استخدامها لصد الصواريخ الباليستية”.

لفت مسؤول أميركي إلى أن الإدارة الأميركية، عندما بدأت في التحدث مع الإسرائيليين، كانت المواقع النووية والمواقع النفطية الإيرانية من بين الأهداف المحتملة، رغم تأكيده أن إسرائيل لم تقرر بشكل قاطع المضي قدماً في ضرب هذه الأهداف. لكن المسؤولين الأميركيين عملوا على تقديم خيار بديل يتضمن مجموعة من التدابير المختلفة: عملت واشنطن على فرض عقوبات نفطية تستهدف ما يُعرف باسم “الأسطول الشبح” الإيراني، وذلك لتقديم بديل للإسرائيليين الذين أرادوا إلحاق الضرر بعائدات النفط الإيرانية بضربة حركية.

وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن الذي لم تكشف “رويترز” عن اسمه، إن الولايات المتحدة عملت على تعزيز الدفاعات الجوية الإسرائيلية قبل هجومها على إيران يوم السبت. وشمل ذلك نشراً أميركياً نادراً لمنظومة الدفاع الصاروخي للارتفاعات العالية (ثاد)، في إسرائيل، إلى جانب حوالي 100 جندي أميركي لتشغيلها. وقبل نشر المنظومة، أرادت الولايات المتحدة معرفة خطط الهجوم الإسرائيلية. وأشار مسؤولون إلى أن بايدن أجرى اتصالاً هاتفياً مع نتنياهو في التاسع من أكتوبر، ما أعطى الولايات المتحدة فكرة حول كيفية الردّ الإسرائيلي، الأمر الذي سمح بالمضي في نشر منظومة ثاد.

وبينما حذّرت إيران من إمكانية استهداف أنصار إسرائيل رداً على أي ضربة إسرائيلية، أكدت دول الخليج حيادها. وكانت السعودية قلقة من ضربة إيرانية على منشآتها النفطية منذ الهجوم على مصفاتها الرئيسية في بقيق عام 2019، والذي أدى إلى توقف أكثر من خمسة بالمائة من إمدادات النفط العالمية لفترة وجيزة. ونفت إيران تورطها، وقتها.

وتلبية لرغبة إسرائيل في معاقبة قطاع النفط الإيراني، فرضت إدارة بايدن عقوبات على إيران. وشمل ذلك توسيع العقوبات الأميركية على قطاعي النفط والبتروكيماويات في إيران في الحادي عشر من أكتوبر. وكان تشجيع الحلفاء الأوروبيين على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية (إيران إير)، وفي الوقت نفسه نشر منظومة ثاد باعتبارها رادعاً والإظهار للعالم أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل، من العناصر الرئيسية الأخرى في هذه “الحزمة” من التدابير البديلة.

وقال مسؤولون إن هذا الخيار، كما ذكرت الإدارة، من شأنه أن يظل رادعاً قوياً وفعالاً في جعل إيران تدفع ثمن هجومها دون إغراق المنطقة في حرب أوسع نطاقاً، تعتقد واشنطن أن إسرائيل لا تريدها.

النووي محظور
وفي ما اعتبره العديد من الخبراء رسالة إلى إيران، نفذ الجيش الأميركي أيضاً ضربة ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن، باستخدام قاذفات الشبح بعيدة المدى من طراز بي-2. وقال أوستن في ذلك الوقت إن الضربة كانت تُعد دليلاً فريداً على قدرة وزارة الدفاع الأميركية على ضرب منشآت يصعب الوصول إليها، “بغض النظر عن مدى عمقها تحت الأرض، أو مدى تحصينها”.

وبينما تدور التكهنات حول ما إذا كانت إسرائيل قد تضرب المواقع النووية الإيرانية، كانت رسالة واشنطن إلى إسرائيل هي أنها تستطيع الاعتماد على مساعدتها إذا ما اختارت طهران ذات يوم صنع سلاح نووي، وهو الأمر الذي لا تعتقد دوائر المخابرات الأميركية أن طهران قد فعلته حتى الآن. ولم يكن الوقت مناسباً الآن.

وقال بانيكوف “كان المضمون هو أنه إذا كانوا يريدون على المدى الطويل مساعدة الولايات المتحدة لتدمير مثل هذه الأهداف، إذا تم اتخاذ قرار للقيام بذلك، فسوف يتعين عليهم أن يكونوا أكثر تحفظاً هذه المرة”. ويرى بلينكن أن الهجوم الإسرائيلي المضاد المدروس ضد إيران قد يفتح الفرصة لتحقيق أهداف دبلوماسية بعيدة المنال منذ فترة طويلة، في منطقة تعاني بالفعل من حرب مستمرة منذ عام في غزة، وحرب متصاعدة بين إسرائيل وحزب الله في لبنان، وهو حليف آخر لإيران.

خلال رحلة إلى الشرق الأوسط الأسبوع الماضي، قال بلينكن لوزراء الخارجية العرب إن المناقشات الأمريكية مع إسرائيل وصلت إلى مرحلة حيث لن تضرب إسرائيل سوى أهداف عسكرية. وقال بلينكن في رسالة يأمل أن تصل إلى طهران إن إيران في المقابل لا ينبغي لها أن تفعل أي شيء آخر.
وفي يوم الأحد، ومع استقرار الوضع بعد الهجوم، لم يشر أي من الجانبين إلى مزيد من التصعيد. وقال نتنياهو إن غاراته الجوية “ضربت بقوة” دفاعات إيران وإنتاجها الصاروخي. وقال المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي إن الأضرار الناجمة عن هجوم يوم السبت لا ينبغي المبالغة فيها .
في حين أنه من المستحيل التنبؤ بما إذا كانت إسرائيل وإيران ستخفضان مستوى التصعيد، يقول المسؤولون الأمريكيون إن إدارة بايدن عملت بجد لخلق فرصة لكسر الدورة غير المسبوقة من الهجمات المباشرة والهجمات المضادة التي بدأت في أبريل.
وقال المسؤول الكبير في إدارة بايدن: “إذا اختارت إيران الرد مرة أخرى، فسنكون مستعدين، وستكون هناك عواقب لإيران مرة أخرى. ومع ذلك، لا نريد أن نرى ذلك يحدث”.
وتواجه استراتيجية بايدن في محاولة كبح جماح إسرائيل منتقدين، بما في ذلك الجمهوريون المعارضون في الولايات المتحدة مثل مايك تيرنر، عضو الكونغرس الجمهوري الذي يرأس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب.
وقال تيرنر لشبكة فوكس نيوز “إنهم حدوا من قدرة إسرائيل على التأثير فعليا على إيران وقدرتها على مواصلة تهديد إسرائيل”.
وقال آرون ديفيد ميلر، وهو زميل بارز في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، إن نتيجة الضربات المتبادلة هي، على نحو متناقض، توسع في القدرة على تحمل المخاطر في إسرائيل والتي قد تتسع أكثر إذا فاز المرشح الجمهوري والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية في الخامس من نوفمبر/تشرين الثاني.
وقال ميلر: “إذا فاز ترامب في هذه الانتخابات، أعتقد أن الإسرائيليين ربما يبحثون عن فرص في الأشهر المقبلة، الآن بعد أن أثبتوا أنهم قادرون على تفكيك أنظمة الدفاع الجوي الإيرانية والتسبب في قدر كبير من الضرر”.

المصدر رويترز

اترك رد

عاجل