يعيد المراقبون الغربيون ما حصل أخيراً من اغتيالات إلى رحلة رئيس الوزراء الإسرائيلي لأميركا، حيث يحاول المعلقون الموالون لنتنياهو نشر الانطباع بأنه أخذ إذناً بالاستمرار والتصعيد، بينما يصرُّ المراقبون الأميركيون والأوروبيون على أن إدارة بايدن وما حولها كلهم أصروا عليه بضرورة وقف إطلاق النار لأنّ العالم كله ما عاد يتحمل الحرب وأهوالها، كما أن الجيش تعب.
وبالطبع في اليوم التالي للحرب هناك صعوباتٌ جمةٌ أهمها إدارة القطاع والمساعدات والتفكير بإعادة الإعمار، وكلها أمور يساعد فيها العرب والأوروبيون والأميركيون. وقد أزعج ذلك نتنياهو الذي يميل إلى المزيد من إضعاف الفصائل الفلسطينية بالحرب، والمزيد من استنزاف «حزب الله» اللبناني. وفي ذهنه الخطر النووي الإيراني وطرائق التفكير فيه.
ويحاول الأميركيون إعادة جلب الإيرانيين إلى طاولة المفاوضات بشأنه، بينما لا يرى نتنياهو أملاً في ذلك. وتلقى نتنياهو دعماً غير مباشر من دونالد ترامب الذي قال له: أنا عائد للرئاسة ولا أريد حروباً في عهدي، لذا عندك الشهور القليلة القادمة لإنجاز كل المسائل التي ترى أنها تهدد إسرائيل! هل تكون هذه الأخبار أو التقديرات صحيحة أو مرجَّحة؟ المهم أنّ نتنياهو بمجرد عودته بدأ بتنفيذ الأجندة التي كان قد وضعها، وأعطته فرصةً فريدةً الهجمةُ الصاروخية على الملعب في بلدة مجدل شمس بالجولان المحتل، وما وقع فيها من خسائر بين الصبية والفتيان.
وجاء اغتيال القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر، فاعتبرناه رداً على حدث ملعب مجدل شمس. إنما بعد ساعات جرى اغتيال إسماعيل هنية في طهران حيث جاء لتهنئة بزشكيان بالرئاسة. وهناك إجماع بين المراقبين على أن ذلك يخرج على «قواعد الاشتباك»، ويشكل إحراجاً شديداً لإيران وتنظيماتها المنتشرة في المنطقة. التصريحات التهديدية تتوالى من إيران. والحزب في لبنان، والحوثي في اليمن، كلهم يهددون بردود قاسية.
والواضح أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي إنما يستثير ردود الفعل هذه، ويرى في ذلك مصلحةً لحكومته. فبالتصعيد يستطيع ضرب الحزب ضربةً أقوى، وكذلك الجماعات والأذرع الأخرى. ثم إن تدخلت يمكن حينها التفكير بفعلٍ عسكري ضد النووي. لكن ليس من مصلحة إيران إضعاف الحزب وهو على جبهة المتوسط، وسيكون مفيداً في أي مساوماتٍ حول النووي. ثم إنّ إيران بنت جبهات في عدة بلدان، ولا تستطيع الاستغناء عن العراق ولا عن لبنان، حتى بالمعنى الاقتصادي أيضاً. ويبدو «الحوثي» واعداً في التهديد المباشر للمصالح الغربية في البحار. وإذا نشبت حرب شاملة ستخوضها إسرائيل بكل قواها، ويقول الأميركيون مرةً أخرى الآن إنهم سيساعدونها، ربما بالمباشر!
وهكذا تصبح الإنجازات كلها مهددة بالإحراق. هذا هو الواقع الذي انبنى في صيغته الحالية منذ مطالع القرن الحادي والعشرين على وقع غزو العراق، وهو ما زال يتنامى على حساب تفكك الدول والمجتمعات. إنّ الحرب الشاملة تهدد هذا البناء في لبنان وسوريا على الأقل. ولذا لا تريد إيران حرباً شاملةً تهدد مكتسباتها الاستراتيجية. لكنّ صمتها على هجمة اغتيال هنية تفقدها الكثير من الهيبة.
الأوضاع في المنطقة شديدة الخطورة، والحرب في غزة أكبر دليلٍ عليها. لكنّ اللاعبين تزايدوا وصاروا إقليميين ودوليين. يقال إنّ أحداً لا يريد الحرب، لكنّ كثيرين يهوون العيش على حافة النهر أو البحر. وفي اعتقاد كثيرين فإنّ العيش على حافة الهاوية يمكن أن يجلب فوائد عديدة. لكن هذا الموقف يحمل مسؤوليات قد لا تستطيع الميليشيات تحمل نتائجها، فهل تستطيع الدولتان (إسرائيل وإيران) تحمل النتائج؟!
عذراً التعليقات مغلقة